للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَاتِبًا، وَالنَّوَائِبُ مَا لَيْسَ بِرَاتِبٍ، وَإِنَّمَا يُوَظِّفُهُ الْإِمَامُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ وَقَدْ بَيَّنَّا مَا هُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا اللَّفْظُ وَقَعَ غَلَطًا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مَصْدَرٌ، وَالْمَصْدَرُ فِعْلٌ، وَهَذَا مَضْمُونٌ وَقِيلَ: هِيَ أَنْ يَمْتَنِعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الْقِسْمَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ فَيَضْمَنَهُ إنْسَانٌ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهَا إذَا اقْتَسَمَا، ثُمَّ مَنَعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قِسْمَ صَاحِبِهِ، وَالرِّوَايَةُ بِأَوْ، وَهِيَ لِأَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ وَفِي الْإِبَاحَةِ نَعَمْ، وَكَذَا فِي النَّفْيِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ ضَمِنْت لَك عَنْ فُلَانٍ مِائَةً إلَى شَهْرٍ فَقَالَ هِيَ حَالَّةٌ، فَالْقَوْلُ لِلضَّامِنِ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ كَفِيلٌ بِدَيْنٍ عَنْ فُلَانٍ وَادَّعَى الْأَجَلَ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَهُوَ الطَّالِبُ فِي الدَّيْنِ، وَكَذَّبَهُ فِي الْأَجَلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِثُبُوتِ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ شَهْرٍ، وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةَ فِي الْحَالِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الدَّيْنِ، وَكَذَّبَهُ فِي الْأَجَلِ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ، ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا لِنَفْسِهِ، وَهُوَ الْأَجَلُ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْكَفَالَةِ نَوْعٌ حَتَّى يَثْبُتُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا عَلَى الْأَصِيلِ وَفِي الدَّيْنِ عَارِضٌ حَتَّى لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَرْطٍ فَكَانَ الْقَوْلُ لِمَنْ يُنْكِرُ الْعَوَارِضَ وَفِي النَّوْعِ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلدَّيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ وَصْفٌ فِيهِمَا يُقَالُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ وَحَالٌّ وَفِي الْأَوْصَافِ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي الْفَصْلَيْنِ رَوَاهُ عَنْهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِحَقٍّ، ثُمَّ ادَّعَى تَأْخِيرَهُ، فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ حَقًّا، وَهُوَ التَّأْخِيرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالْكَفَالَةِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ جَازَ إقْرَارُهُ بِالْكَفَالَةِ وَبَطَلَ الْخِيَارُ لِمَا قُلْنَا وَنَحْنُ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ وَلَيْسَ هَذَا كَالْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مَعْنًى يُبْطِلُ الْكَفَالَةَ، فَلَا يُصَدَّقُ بِإِبْطَالِهَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهَا بِخِلَافِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِبْطَالٍ، وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعٌ فِي الْكَفَالَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْأَجَلَ وَصْفٌ لِلدَّيْنِ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصِفَةٍ لِلدَّيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ كَانَ وَصْفًا لَهُ لَفْظًا أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّيْنَ حَقُّ الطَّالِبِ وَالْأَجَلَ حَقُّ الْمَطْلُوبِ وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَهُ لَمَا اخْتَلَفَ مُسْتَحَقُّهُمَا كَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فِيهِ، وَالْحِيلَةُ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ وَادُّعِيَ عَلَيْهِ وَخَافَ الْكَذِبَ إنْ أَنْكَرَ وَالْمُؤَاخَذَةَ فِي الْحَالِ إنْ أَقَرَّ أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي هَذَا الَّذِي تَدَّعِيهِ مِنْ الْمَالِ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ.

فَإِنْ قَالَ مُؤَجَّلٌ فَلَا دَعْوَى عَلَيْهِ فِي الْحَالِّ، وَإِنْ قَالَ حَالٌّ فَيُنْكِرُهُ وَهُوَ صَدُوقٌ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا إذَا أَنْكَرَ الدَّيْنَ وَقَالَ لَيْسَ لَهُ قِبَلِي الْيَوْمَ حَقٌّ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ إتْوَاءَ حَقِّهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ اشْتَرَى أَمَةً وَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِالدَّرَكِ فَاسْتُحِقَّتْ لَمْ يَأْخُذْ الْمُشْتَرِي الْكَفِيلَ حَتَّى يَقْضِيَ لَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ)؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالدَّرَكِ هُوَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ خُرُوجِ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَهُوَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ مَا لَمْ يَفْسَخْ الْبَيْعَ وَيْحَكُمْ عَلَى الْبَائِعِ بِرَدِّ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَبِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يَنْفَسِخُ وَلِهَذَا لَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْفَسْخِ جَازَ فَلَوْ كَانَ مُنْتَقَضًا لَمَا جَازَ فَإِذَا لَمْ يَنْتَقِضْ لَمْ يَجِبْ الثَّمَنُ عَلَى الْبَائِعِ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَمَنُهَا عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْبَائِعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَتَقَ.

وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَ الْجَارِيَةَ مِنْ إنْسَانٍ فَاسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ الثَّانِي لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ هَذَا اللَّفْظُ وَقَعَ غَلَطًا) قُلْت دَعْوَى الْغَلَطِ غَلَطٌ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ اسْمٌ بِمَعْنَى النَّصِيبِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: ٢٨] وَالْمُرَادُ بِهَا النَّصِيبُ أَوْ بِمَعْنَى النَّائِبَةِ وَهِيَ أَيْضًا اسْمٌ أَوْ بِمَعْنَى حَقِّ الْقِسَامِ وَهِيَ أَيْضًا اسْمٌ اهـ.

عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ فِعْلٌ) وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: هِيَ أَنْ يَمْتَنِعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الْقِسْمَةِ إلَخْ) فَإِذَا ضَمِنَ إنْسَانٌ لِيَقُومَ مَقَامَهُ فِي الْقِسْمَةِ يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ضَمِنَ شَيْئًا مَضْمُونًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِلضَّامِنِ) أَيْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ: رَوَاهُ عَنْهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَرَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ رُسْتُمَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ.

(قَوْلُهُ، فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ لِأَنَّهُ ادَّعَى إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا تَصَادَقَا فِي وُجُوبِ الْمَالِ وَاخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فَثَبَتَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا اخْتَلَفَا فِيهِ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ مَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْأَجَلَ فِي الدُّيُونِ الْوَاجِبَةِ لَا بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ كَالْعُرُوضِ وَثَمَنُ الْبِيَاعَاتِ وَالْمُهُورُ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ عَارِضٌ وَلِهَذَا إذَا أُطْلِقَتْ تَكُونُ حَالَّةً فَإِذَا أَنْكَرَ الْأَجَلَ فَقَدْ أَنْكَرَ الْعَارِضَ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلِهَذَا قُلْنَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ إذَا ادَّعَاهُ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ عَارِضٌ وَأَمَّا الْأَجَلُ فِي الْكَفَالَةِ فَقَدْ ثَبَتَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِأَنْ قَالَ كَفَلْت بِمَا لَك عَلَى فُلَانٍ وَعَلَى الْأَصِيلِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ يَكُونُ مُؤَجَّلًا عَلَى الْكَفِيلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَلَمْ يَكُنْ الْأَجَلُ فِي الْكَفَالَةِ أَمْرًا عَارِضًا بَلْ الْكَفَالَةُ الْمُؤَجَّلَةُ أَحَدُ نَوْعَيْ الْكَفَالَةِ وَالْإِقْرَارُ بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالنَّوْعِ الْآخَرِ اهـ.

قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُقِرَّ بِالدَّيْنِ أَقَرَّ بِمَا هُوَ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الدَّيْنَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بَدَلًا عَنْ قَرْضٍ أَوْ إتْلَافٍ أَوْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَرْضَى بِخُرُوجِ مُسْتَحَقِّهِ فِي الْحَالِ إلَّا لِبَدَلٍ فِي الْحَالِ فَكَانَ الْحُلُولُ الْأَصْلَ وَالْأَجَلُ عَارِضٌ فَكَانَ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ مَعْرُوضًا لِعَارِضٍ لَا نَوْعًا ثُمَّ ادَّعَى لِنَفْسِهِ حَقًّا وَهُوَ تَأْخِيرُهَا وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ وَفِي الْكَفَالَةِ مَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ بَلْ لِحَقِّ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ شَهْرٍ وَالْمَكْفُولُ لَهُ يَدَّعِيهَا فِي الْحَالِ وَالْكَفِيلُ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ لَهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْتِزَامَ الْمُطَالَبَةِ يَتَنَوَّعُ إلَى الْتِزَامِهَا فِي الْحَالِ أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ كَالْكَفَالَةِ بِمَا ذَابَ وَالدَّرَكِ فَإِنَّمَا أَقَرَّ بِنَوْعٍ مِنْهَا، فَلَا يَلْزَمُ بِالنَّوْعِ الْآخَرِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ وَصْفًا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَلَوْ كَانَ حَقًّا اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>