للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهَا، وَفِي اخْتِلَافِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَعْقُوبَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي بِهِ إذَا مَاتَ قَبْلَ قَضَائِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَوْتِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إلَّا إذَا كَتَبَ بَعْدَ اسْمِهِ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ يَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إلَّا إذَا كَتَبَ إلَى فُلَانٍ الْقَاضِي وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ فَحِينَئِذٍ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ اسْمِهِ عَائِدٌ إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَبْطُلُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَيَحْكُمُ الْقَاضِي الَّذِي جَاءَ بَعْدَهُ بِهِ كَمَا لَوْ قَالَ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَنَا أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ اعْتَمَدَ عَلَى عِلْمِ الْأَوَّلِ وَأَمَانَتِهِ وَالْقُضَاةُ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْأَمَانَةِ فَصَارَ نَظِيرَ الْأُمَنَاءِ فِي الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ الْكُلَّ فَكَانُوا مَكْتُوبًا إلَيْهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ ابْتِدَاءً إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ أَحَدٌ لِأَنَّ إعْلَامَ مَا فِي الْكِتَابِ وَالْمَكْتُوبِ إلَيْهِ شَرْطٌ، وَتَمَامُ الْإِعْلَامِ لَا يَحْصُلُ بِهَذَا الْقَدْرِ وَإِذَا عَيَّنَ وَاحِدًا حَصَلَ التَّعْرِيفُ لَهُ وَصَحَّ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَصَارَ غَيْرُهُ تَبَعًا لَهُ، وَأَجَازَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ أَحَدٍ مِنْ الْقُضَاةِ حِينَ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَاسْتَحْسَنَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ تَسْهِيلًا لِلْأَمْرِ، وَلَا يَقْبَلُ الْقَاضِي رِسَالَةَ قَاضٍ آخَرَ.

وَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ عِبَارَتَهُ فَيَكُونُ كَالْقَاضِي حَضَرَ وَتَكَلَّمَ بِهِ وَهُوَ لَوْ حَضَرَ وَتَكَلَّمَ بِهِ لَا يَسْمَعُ كَلَامَهُ؛ لِأَنَّهُ كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعِيَّةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ وِلَايَتِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ كَتَبَهُ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ فَكَانَ الْكِتَابُ مِنْهُ كَالْخِطَابِ لِلْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ مُشَافَهَةً لِصُدُورِ الْكِتَابِ مِنْ مَوْضِعِ الْقَضَاءِ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْكِتَابَ لَا يُقْبَلُ قِيَاسًا وَإِنَّمَا قُبِلَ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الرِّسَالَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْكِتَابِ غُنْيَةً عَنْهُ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا إلَى قَاضٍ آخَرَ إذَا تَعَذَّرَ حُضُورُ خَصْمِهِ عِنْدَهُ، وَكَذَا لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ ثَانِيًا أَنْ يَكْتُبَ إلَى آخَرَ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ الْوَاقِعَةَ عِنْدَ الْأَوَّلِ صَارَتْ مَنْقُولَةً إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ حُكْمًا فَصَارُوا كَأَنَّهُمْ شَهِدُوا عِنْدَهُ حَقِيقَةً فَجَازَ لَهُ أَنْ يَنْقُلَهَا إلَى غَيْرِهِ إذْ الْحَاجَةُ إلَى نَقْلِهَا مِرَارًا مَاسَةٌ وَهِيَ الْمُجَوِّزَةُ لِلنَّقْلِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِمَوْتِ الْخَصْمِ) يَعْنِي لَا يَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ وَارِثَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ الْمُدَّعِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ؛ لِأَنَّ قَرِيبَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فَيَنْفُذُ لَهُ وَكَمَا يَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي يَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْأَمِيرِ، وَلَكِنْ إنْ كَانَ فِي مِصْرِهِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ، وَلَا يَكْتُبُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي مِصْرٍ آخَرَ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الِاسْمِ وَالنِّسْبَةِ وَالْخَتْمِ وَالشَّهَادَةِ كَمَا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ فِي مِصْرِهِ إلَّا بِهِ، وَلَكِنْ اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ لِلْعَادَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ إلَى الْوَالِي وَيَسْتَعِينُ بِهِ فِيمَا عَجَزَ عَنْ إقَامَتِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَلَوْ شَرَطَ ذَلِكَ لَحَرِجُوا؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَحْضُرُ مَجْلِسَ الْأَمِيرِ فَيَشْهَدُ، وَالْأَمِيرُ لَا يُمْكِنُهُ التَّفَحُّصُ عَنْ أَحْوَالِ الشُّهُودِ فَقُبِلَ الْكِتَابُ لِلضَّرُورَةِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الضَّرُورَةَ وَالْعَادَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَمِيرُ فِي مِصْرٍ آخَرَ غَيْرِ الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ الْقَاضِي بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْعَادَةِ وَالضَّرُورَةِ لِقِلَّةِ وُقُوعِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَقْضِي الْمَرْأَةُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَسْتَقِي مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَشَهَادَتُهَا جَائِزَةٌ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ فَكَذَا يَجُوزُ قَضَاؤُهَا فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَشَهَادَتِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ أَنْ تُوَلَّى الْمَرْأَةُ الْقَضَاءَ لِقُصُورِ عَقْلِهَا قُلْنَا هِيَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَبِهِ تَصِيرُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ فَكَذَا لِلْقَضَاءِ كَالرَّجُلِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَسْتَخْلِفُ قَاضٍ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِالْجُمُعَةِ) لِأَنَّهُ فُوِّضَ إلَيْهِ الْقَضَاءُ لَا التَّقْلِيدُ، فَلَا يَتَصَرَّفُ فِي غَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ بِدُونِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ، وَفِي الْجُمُعَةِ جَوَّزْنَا لِلْمَأْمُورِ بِأَدَائِهَا أَنْ يَسْتَخْلِفَ لِكَوْنِهَا عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ، ثُمَّ إنْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْجُمُعَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ إلَّا مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِيهَا، فَلَا تَنْعَقِدْ دُونَهَا، وَإِنْ كَانَ شَرَعَ فِيهَا جَازَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ بِالْأَصْلِ فَكَانَ الثَّانِي بَانِيًا، فَلَا يُشْتَرَطُ لِلْبِنَاءِ مَا يُشْتَرَطُ لِلِافْتِتَاحِ ولِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ مَعَهُ الْتَحَقَ بِمَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ حُكْمًا إذْ هِيَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْخُطْبَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَفْسَدَ الْمُسْتَخْلَفُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَكَذَا يَجُوزُ قَضَاؤُهَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَلَا تَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ. اهـ

(قَوْلُهُ كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ بِدُونِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ) بِخِلَافِ الْمُسْتَعِير حَيْثُ كَانَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ فَيَمْلِكُ تَمْلِيكَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ فَكَانَ مُتَصَرِّفًا بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْإِذْنِ فَيَمْلِكُ بِقَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ. اهـ. غَايَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>