للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ جِنْسُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَا قَدْرُهَا، وَلَا شَرَائِطُهَا وَتَدْخُلُ فِيهِ الْأَرَاضِي الْعُشْرِيَّةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهَا سَبَبُ الصَّدَقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَصْرِفَهُ مَصَارِفُ الزَّكَاةِ فَكَانَتْ جِهَةُ الصَّدَقَةِ فِيهَا رَاجِحَةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَدْخُلُ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْمُؤْنَةِ وَلِهَذَا تَجِبُ فِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمُكَاتَبِ، وَفِي أَرْضٍ لَا مَالِكَ لَهَا كَالْأَوْقَافِ فَكَانَتْ جِهَةُ الْمُؤْنَةِ رَاجِحَةً عِنْدَهُ.

وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ مَعَهُ، وَلَا تَدْخُلُ الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ لِأَنَّهَا تَمَحَّضَتْ مُؤْنَةً، وَلَا يَدْخُلُ الرَّقِيقُ لِلْخِدْمَةِ، وَلَا الْعَقَارُ وَأَثَاثُ الْمَنَازِلِ وَثِيَابُ الْبِذْلَةِ وَسِلَاحُ الِاسْتِعْمَالِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ مَا أَمْلِكُ أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَوْلِهِ مَالِي صَدَقَةٌ أَوْ جَمِيعُ مَالِي صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ أَعَمُّ مِنْ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمِلْكَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَالِ وَعَلَى غَيْرِهِ يُقَالُ مِلْكُ النِّكَاحِ وَمِلْكُ الْقِصَاصِ وَمِلْكُ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَالُ لَا يُطْلَقُ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَالٍ، فَإِذَا كَانَ لَفْظُ الْمِلْكِ أَعَمَّ تَنَاوَلَ جَمِيعَ مَا يُتَصَدَّقُ بِهِ كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ كُلُّ مَالٍ أَمْلِكُهُ مِمَّا يُتَصَدَّقُ بِهِ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ اسْتِعْمَالًا وَاحِدًا، فَيَكُونُ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي أَحَدِهِمَا وَارِدًا فِي الْأُخَرِ فَيَكُونُ فِيهِ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ كَمَا فِي الْمَالِ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ عَادَةً يَلْتَزِمُ التَّصَدُّقَ بِالْفَاضِلِ عَلَى الْحَاجَةِ فَيَنْصَرِفُ فِيهَا إلَى جِنْسِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِيجَابِ يُمْسِكُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ قُوتِهِ، فَإِذَا أَصَابَ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ تَصَدَّقَ بِمِثْلِ مَا أَمْسَكَ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ، وَلَوْ لَمْ يُمْسِكْ قَدْرَ حَاجَتِهِ لَتَكَفَّفَ النَّاسَ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا عِنْدَهُ، ثُمَّ يَتَكَفَّفُ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْمَبْسُوطِ قَدْرَ مَا يُمْسِكُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعِيَالِ وَبِاخْتِلَافِ مَا يَتَجَدَّدُ لَهُ مِنْ التَّحْصِيلِ فَبَعْضُ أَهْلِ الْحِرَفِ يَحْصُلُ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ وَبَعْضُهُمْ كُلَّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرُ وَبَعْضُهُمْ أَقَلُّ، وَكَذَا أَهْلُ التِّجَارَةِ وَأَهْلُ الزَّرْعِ يَتَجَدَّدُ لَهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَأَهْلُ الْغَلَّةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَادَةً وَهُمْ الَّذِينَ لَهُمْ دُورٌ وَحَوَانِيتُ وَخَانَاتٌ يُؤَجِّرُونَهَا فَيُمْسِكُ أَهْلُ كُلِّ صَنْعَةٍ قَدْرَ مَا يَكْفِيهِ إلَى أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ حَاصِلُهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أُوصِيَ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ فَهُوَ وَصِيٌّ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ) حَتَّى لَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَصِيَّةِ جَازَ الْبَيْعُ، وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ مَالَ الْمُوَكِّلِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ، ثُمَّ عَلِمَ لَمْ يَجُزْ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْوَصِيَّةِ أَيْضًا حَتَّى يَعْلَمَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَابَهُ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَالْآخَرَ بَعْدَ الْمَمَاتِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ خِلَافَةٌ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بَعْدَ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمُوصِي، فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَتَصَرُّفِ الْوَارِثِ وَكَثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ وَالْوِلَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا الصَّغِيرِ لَوْ مَاتَ وَبَاعَ الْجَدَّ مَالَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِمَوْتِهِ جَازَ فَكَذَا هَذَا أَمَّا الْوَكَالَةُ فَإِثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَلَيْسَ بِاسْتِخْلَافٍ لِبَقَاءِ وِلَايَةِ الْمُوَكِّلِ، فَلَا يَصِحُّ بِلَا عِلْمِ مَنْ يَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ كَإِثْبَاتِ الْوِلَايَةِ بِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَادِرٌ فَيَتَصَرَّفُ بِنَفْسِهِ، فَلَا يَفُوتُهُ النَّظَرُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ وَالْإِذْنِ بِالتِّجَارَةِ لِلْعَبْدِ وَالصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ، فَلَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ، وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْمَأْذُونِ لَهُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْأَذَانِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ، فَلَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْعِلْمِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أُعْلِمَ بِالْوَكَالَةِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ) أَيْ إذَا وَكَّلَ رَجُلًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَأَعْلَمَهُ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ كَانَ وَكِيلًا وَجَازَ تَصَرُّفُهُ سَوَاءٌ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ عَدْلٌ أَوْ غَيْرُ عَدْلٍ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ جِنْسُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَا قَدْرُهَا) وَلِذَا قَالُوا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِكُلِّ مَالِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ قَضَى بِهِ دَيْنَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يَكْتَسِبُهُ بَعْدَهُ إلَى أَنْ يُوَفِّيَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَرَاضِي الْعُشْرِيَّةُ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَلْ تَدْخُلُ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ فَيَجِبُ التَّصْدِيقُ بِهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَعَمْ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الصَّدَقَةِ غَالِبَةٌ فِي الْعُشْرِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْمُؤْنَةِ غَالِبَةٌ عِنْدَهُ. اهـ. .

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ) حَتَّى لَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَصِيَّةِ جَازَ الْبَيْعُ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ وَبَعْضُ الرِّوَايَاتِ الْمَأْذُونِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ وَفَرْقُهُمَا أَنَّ الْوَصَايَا خِلَافَةٌ كَالْإِرْثِ، فَلَا يَتَوَقَّفُ كَالْإِرْثِ فَتَثْبُتُ بِلَا عِلْمٍ، وَالْوَكَالَةُ إنَابَةٌ فَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ كَمَا فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ لِلْوَكَالَةِ أَيْضًا اعْتِبَارًا لِلْوِصَايَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إثْبَاتُ الْوِلَايَةِ أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ عِنْدَ رَجُلٍ فَقَالَ لِرَجُلٍ انْطَلِقْ وَاشْتَرِ عَبْدِي مِنْ فُلَانٍ لِنَفْسِك فَذَهَبَ فَاشْتَرَاهُ وَلَمْ يَكُنْ رَبُّ الْعَبْدِ وَكَّلَ الْبَائِعَ بِالْبَيْعِ فَإِنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَجُوزُ وَيَكُونُ أَمَرَ الْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ وَكَالَةً لِلْبَائِعِ بِالْبَيْعِ قَالَ هَكَذَا ذَكَرَ هُنَا، ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ وَبَعْضُ رِوَايَةِ الْمَأْذُونِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إذْنًا مَا لَمْ يُعْلِمْهُ الرَّسُولُ بِذَلِكَ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَذْكُورَ فِي بَابِ مَا لَا تَجُوزُ فِيهِ الْوَكَالَةُ مِنْ شَرْحِ الْكَافِي اهـ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ قَالَ وَقَدْ مَرَّ تَمَامُ الْبَيَانِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ اهـ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي بَابِ مَا تَقَعُ بِهِ الْوَكَالَةُ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَكِيلَ هَلْ يَصِيرُ وَكِيلًا قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْوَصِيُّ يَصِيرُ وَصِيًّا بِدُونِ الْعِلْمِ اهـ.

(قَوْلُهُ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَتَصَرُّفِ الْوَارِثِ) يَعْنِي لَوْ بَاعَ الْوَارِثُ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِمَوْتِهِ جَازَ بَيْعُهُ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ أَعْلَمَ بِالْوَكَالَةِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ بِخَبَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>