وَلَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ وَإِنَّمَا فِيهِ الْإِطْلَاقُ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ كَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ، وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ، وَلَا الْإِسْلَامُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا التَّمْيِيزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَثْبُتُ عَزْلُهُ إلَّا بِعَدْلٍ أَوْ مَسْتُورَيْنِ كَالْإِخْبَارِ لِلسَّيِّدِ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ وَالشَّفِيعِ وَالْبِكْرِ وَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ) يَعْنِي لَا يَثْبُتُ عَزْلُهُ عَنْ الْوَكَالَةِ إلَّا بِخَبَرِ عَدْلٍ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ غَيْرِ عَدْلٍ إلَخْ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُخْبِرِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلَّا التَّمْيِيزُ لِأَنَّهَا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ فَصَارَ كَالْإِخْبَارِ بِالتَّوْكِيلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلْزَامًا مِنْ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ.
بَيَانُ الْإِلْزَامِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَتَصَرَّفَ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّصَرُّفِ، وَكَذَا الشَّفِيعُ يَلْزَمُهُ سُقُوطُ الشُّفْعَةِ عَلَى تَقْدِيرِ سُكُوتِهِ وَعَلَيَّ تَقْدِيرِ الطَّلَبِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَكَذَا الْبِكْرُ عَلَى تَقْدِيرِ السُّكُوتِ يَلْزَمُهَا النِّكَاحُ وَعَلَى تَقْدِيرِ الرَّدِّ لَا يَلْزَمُهَا، وَكَذَا السَّيِّدُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالْعِتْقِ وَغَيْرُهُ يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّصَرُّفِ لَا يَلْزَمُهُ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ كَمَا فِي الْمُنَازَعَاتِ عِنْدَ الْحُكَّامِ، وَفِيمَا لَا يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ، وَلَا الْعَدَالَةُ، فَإِذَا كَانَ فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَحَدُهُمَا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي النِّكَاحِ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْفَاسِقِ حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ بِخَبَرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ بِهِ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا فَلْيُبَلِّغْ» الْحَدِيثَ، وَفِي الرَّسُولِ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ كَالْبِكْرِ إذَا أَخْبَرَهَا رَسُولُ الْوَلِيِّ بِالتَّزْوِيجِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ وَبَلَّغَهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُبَلِّغْهُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ حَتَّى يُبَلِّغَهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ نَهْيَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِنَوَاهِي الشَّرْعِ فَكَمَا لَا يَثْبُتُ النَّهْيُ فِي الشَّرْعِ بَعْدَ الْإِطْلَاقِ قَبْلَ الْبُلُوغِ إلَى الْمُكَلَّفِ حَتَّى لَا يَحْرُمَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَكَذَا نَهْيُ الْعَبْدِ وَهَذَا فِي الْعَزْلِ الْقَصْدِيِّ، وَأَمَّا إذَا كَانَ حُكْمِيًّا فَيَثْبُتُ وَيَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ مَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ مُطْبِقًا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَاعَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ عَبْدًا لِلْغُرَمَاءِ وَأَخَذَ الْمَالَ فَضَاعَ وَاسْتَحَقَّ الْعَبْدَ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ ضَاعَ ثَمَنُ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَهُوَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ لَمْ يَضْمَنْ الْقَاضِي، وَلَا أَمِينُهُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ أَمِينَ الْقَاضِي قَائِمٌ مَقَامَ الْقَاضِي وَالْقَاضِي قَائِمٌ مَقَامَ الْخَلِيفَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ الضَّمَانُ لَتَقَاعَدُوا عَنْ قَبُولِ هَذِهِ الْأَمَانَةِ كَيْ لَا يَلْزَمَهُمْ الضَّمَانُ وَتَعَطَّلَتْ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا لَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ وَضَاعَ فِي يَدِهِ وَهَلَكَ الْعَبْدُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي لَا يَضْمَنُ الْقَاضِي، وَلَا أَمِينُهُ الثَّمَنَ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغُرَمَاءِ) لِأَنَّ الْبَيْعَ وَاقِعٌ لَهُمْ فَيَكُونُ عُهْدَتُهُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَعْلِهَا عَلَى الْعَاقِدِ كَمَا يَجْعَلُ الْعُهْدَةَ عَلَى الْمُوَكِّلِ إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا عَلَى الْوَكِيلِ بِأَنْ كَانَ الْوَكِيلُ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا مَحْجُورًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ لَهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَمَرَ الْقَاضِي الْوَصِيَّ بِبَيْعِهِ فَاسْتُحِقَّ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَضَاعَ الْمَالُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ هُوَ الْعَاقِدُ نِيَابَةً عَنْ الْمَيِّتِ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى إلَيْهِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا نَصَّبَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا نَصَّبَهُ لِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ الْمَيِّتِ لَا لِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ الْقَاضِي فَصَارَ كَمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْمَيِّتُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ عَلَى الْغُرَمَاءِ) أَيْ رَجَعَ الْوَصِيُّ عَلَى الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُمْ وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا وَلَحِقَهُ بِسَبَبِهِ ضَمَانٌ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ يَقَعُ لَهُ الْعَمَلُ، وَلَوْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ ذَلِكَ مَالٌ رَجَعَ الْغَرِيمُ فِيهِ بِدِينِهِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ فَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُوصِي أَوْ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْقَاضِيَ أَوْ أَمِينَهُ؛ لِأَنَّهُ قَضَى ذَلِكَ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ بِهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْوَصِيِّ كَقَبْضِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْوَارِثُ إذَا بِيعَ لَهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْوَاحِدِ أَصْلًا لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ عَقْدًا كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ وَلِأَنَّهُ تَسْلِيطٌ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ اهـ فَتْحٌ (وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ) فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ فِي الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ فَكَانَ كَقَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهَا عَلَى يَدِهِ، وَهُوَ مَحَلُّ الْإِجْمَاعِ وَالنَّصِّ فَقَدْ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْبَلُهَا مِنْ الْعَبْدِ وَالتَّقِيِّ وَيَشْتَرِي مِنْ الْكَافِرِ». اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَثْبُتُ عَزْلُهُ إلَّا بِعَدْلٍ أَوْ مَسْتُورَيْنِ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُخْبِرَ بِالْعَزْلِ لَوْ كَانَ فَاسِقًا وَصَدَّقَهُ يَنْعَزِلُ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا التَّمْيِيزَ) لِأَنَّهَا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ وَمَجْلِسُ الْقَضَاءِ فَيُعْتَبَرُ خَبَرُ الْوَاحِدِ عَدْلًا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْإِخْبَارِ بِالتَّوْكِيلِ إلَخْ)، ثُمَّ إثْبَاتُ الْوَكَالَةِ يَصِحُّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً صَبِيًّا كَانَ أَوْ بَالِغًا، وَكَذَلِكَ الْعَزْلُ عِنْدَهُمَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مُطْلَقًا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْعَزْلُ عِنْدَهُ إلَّا بِخَبَرِ الِاثْنَيْنِ أَوْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ. قَالُوا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَوْلَى الْعَبْدِ الْجَانِي إذَا أَخْبَرَ بِالْجِنَايَةِ فَبَاعَ أَوْ أَعْتَقَ هَلْ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، وَكَذَا الشَّفِيعُ إذَا سَكَتَ بَعْدَ مَا أَخْبَرَ بِالْبَيْعِ، وَكَذَا الْبِكْرُ إذَا سَكَتَتْ بَعْدَ مَا أَخْبَرَتْ بِإِنْكَاحِ الْوَلِيِّ، وَكَذَا الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ فَأَخْبَرَ بِالشَّرَائِعِ، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ أَخْبَرَنَا بِالْحَجْرِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ حَتَّى يَصِيرَ الْمَوْلَى مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، وَيَبْطُلُ حَقُّ الشَّفِيعِ بِالسُّكُوتِ وَيَكُونُ السُّكُوتُ رِضًا مِنْ الْبِكْرِ وَيَلْزَمُ الشَّرَائِعُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا يَعْتَبِرَانِ الِانْتِهَاءَ بِالِابْتِدَاءِ غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لِلْوَصِيِّ أَوْ لِلْمُشْتَرِي) قَالَ الْكَمَالُ فَلَوْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ يَرْجِعُ الْغَرِيمُ فِيهِ بِدَيْنِهِ بِلَا شَكٍّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute