لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ إذْ النَّغْمَةُ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ إلَّا إذَا كَانَ فِي الدَّاخِلِ وَحْدَهُ وَعَلِمَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْمِلْكِ وَلَيْسَ لَهُ مِلْكٌ غَيْرُهُ فَسَمِعَ إقْرَارَ الدَّاخِلِ وَلَا يَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا فُسِّرَ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ؛ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ الْقَبُولُ عِنْدَ التَّفْسِيرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُعِ تَجُوزُ فِي أَشْيَاءَ ثُمَّ عِنْدَ التَّفْسِيرِ لَا تُقْبَلُ وَقَالُوا: إذَا سَمِعَ صَوْتَ امْرَأَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَ يَرَى شَخْصَهَا وَقْتَ الْإِقْرَارِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا بِنَفْسِهِ وَلَا تَصِيرُ حُجَّةً إلَّا بِالنَّقْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الْأُصُولِ فَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَجْعَلَ كَلَامَهُ حُجَّةً إلَّا بِأَمْرِهِ فَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ إلَّا بِالتَّحْمِيلِ، وَكَذَا إذَا سَمِعَهُ يُشْهِدُ غَيْرَهُ عَلَى شَهَادَتِهِ لَا يَسَعُ السَّامِعَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ، وَإِنَّمَا حَمَلَ غَيْرَهُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ سَمِعَ شَخْصًا يُوَكِّلُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلسَّامِعِ أَنْ يَتَصَرَّفَ مَا لَمْ يُوَكِّلْهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَعْمَلُ شَاهِدٌ وَقَاضٍ وَرَاوٍ بِالْخَطِّ إنْ لَمْ يَتَذَكَّرُوا) أَيْ لَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ إذَا رَأَى خَطَّهُ أَنْ يَشْهَدَ حَتَّى يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ وَلَا لِلْقَاضِي إذَا وَجَدَ فِي دِيوَانِهِ مَكْتُوبًا شَهَادَةُ شُهُودٍ وَلَا يَحْفَظُ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِذَلِكَ أَوْ قَضِيَّةٍ قَضَاهَا أَنْ يَحْكُمَ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ وَلَا أَنْ يُمْضِيَ تِلْكَ الْقَضِيَّةَ وَلَا لِلرَّاوِي إذَا وَجَدَ مَكْتُوبًا بِخَطِّهِ أَوْ بِخَطِّ غَيْرِهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى فُلَانٍ وَنَحْوِهِ أَنْ يَرْوِيَ حَتَّى يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ أَوْ الْقَضِيَّةَ أَوْ الرِّوَايَةَ وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُهُ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: ٨٦] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ» شُرِطَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا وَلَا يُتَصَوَّرُ الْعِلْمُ بِدُونِ تَذَكُّرِ الْوَاقِعَةِ وَلِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مُزَوَّرٌ.
وَهَذَا؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْكِتَابِ أَنْ يَتَذَكَّرَ إذَا نَظَرَ فِيهِ، فَإِذَا لَمْ يَفْدِ لِلْقَلْبِ التَّذَكُّرُ صَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَعْمَلَ بِالْكِتَابِ إنْ تَيَقَّنَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الْوَاقِعَةَ تَوْسِعَةً لِلْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ لِلرَّاوِي أَنْ يَعْمَلَ بِهِ لِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ وَكَذَا لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِالشَّهَادَةِ وَأَنْ يُمْضِيَ الْقَضَاءَ بِذَلِكَ وَلَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِرُؤْيَةِ خَطِّهِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ الشَّهَادَةَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ يَعْجِزُ عَنْ حِفْظِ كُلِّ حَادِثَةٍ وَلِهَذَا يَكْتُبُ كُلَّ حَادِثَةٍ فَلَوْ لَمْ يَكْتَفِ بِمَا يَجِدُهُ فِي قِمْطَرِهِ لَتَعَطَّلَ أَحْوَالُ النَّاسِ وَلِأَنَّ سِجِلَّهُ فِي قِمْطَرِهِ وَهُوَ فِي يَدِهِ تَحْتَ خَتْمِهِ فَيُؤْمَنُ مِنْ التَّبْدِيلِ، وَالتَّزْوِيرِ وَكِتَابَةُ الرُّوَاةِ تَكُونُ فِي أَيْدِيهِمْ فَيُؤْمَنُ التَّزْوِيرُ أَيْضًا بِخِلَافِ كِتَابَةِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْكَاذِبِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا فُسِّرَ لَهُ) أَيْ بِأَنْ قَالَ: إنِّي أَشْهَدُ بِالسَّمَاعِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالُوا إذَا سَمِعَ إلَخْ) رَجُلَانِ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ امْرَأَةٍ لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ غَيْرِهِ وَشَهِدَا أَنَّ رَجُلَيْنِ سِوَاهُمَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَشْهَدَاهُمَا أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا أُجِيزُ ذَلِكَ وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَ الشَّاهِدِ جَمَاعَةٌ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ ذَلِكَ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إذَا سَمِعُوا صَوْتَ امْرَأَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ أَوْ رَأَوْا شَخْصَهَا وَشَهِدَ عِنْدَهُمْ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى إقْرَارِهَا، وَإِنْ لَمْ يَرَوْا وَجْهَهَا.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَرَوْا شَخْصَهَا لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى إقْرَارِهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَذَكَرَ عَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى أَنَّ ابْنًا لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ دَخَلَ عَلَى أَبِي سُلَيْمِ بْنِ الْجُوزَجَانِيِّ فَسَأَلَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ أَنَّهَا فُلَانَةُ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ يَقُولَانِ يَجُوزُ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَ يَرَى شَخْصَهَا وَقْتَ الْإِقْرَارِ) شُرِطَ فِي شَهَادَةِ النَّوَازِلِ رُؤْيَةُ شَخْصِهَا دُونَ وَجْهِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ قَالَ أَشْهَدَنِي فُلَانٌ عَلَى نَفْسِهِ بِكَذَا وَكَذَا قَالَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ حَتَّى يَقُولَ اشْهَدُوا عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَصْلُهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ تَحْمِيلٌ وَتَوْكِيلٌ فَلَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَحْمِيلٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا يَسَعُ السَّامِعَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ) وَهُوَ بِخِلَافِ الْقَاضِي إذَا أَشْهَدَ عَلَى قَضِيَّةٍ وَسَمِعَ بِذَلِكَ آخَرُونَ وَسِعَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ حُجَّةٌ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَصِحُّ التَّحَمُّلُ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْحَاشِيَةِ بِخِلَافِ الْقَاضِي إذَا أَشْهَدَ إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِخِلَافِ مَا لَوْ سَمِعَ قَاضِيًا يُشْهِدُ قَوْمًا عَلَى قَضَائِهِ كَانَ لِلسَّامِعِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى قَضَائِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ وَمَنْ عَايَنَ حُجَّةً حَلَّ لَهُ الشَّهَادَةُ بِهَا كَمَا لَوْ عَايَنَ الْإِقْرَارَ وَالْبَيْعَ أَمَّا الشَّهَادَةُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي غَيْرُ مُلْزِمَةٍ كَذَا قَالَهُ قَاضِي خَانْ وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا سَمِعَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ إذَا رَأَى خَطَّهُ أَنْ يَشْهَدَ حَتَّى يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ) أَيْ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَجَزَمَ أَنَّهُ خَطُّهُ لَا يَشْهَدُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْجَزْمَ لَيْسَ بِجَزْمٍ بَلْ تَخَيُّلُ الْجَزْمِ؛ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا هُوَ وَلَا فِي شَرْحِهِ لِلْأَقْطَعِ وَكَذَا الْخَصَّافُ ذَكَرَهَا فِي أَدَبِ الْقَاضِي لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَعْمَلَ بِالْكِتَابِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصَّكُّ مُسْتَوْدَعًا لَمْ تَتَدَاوَلُهُ الْأَيْدِي وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِ صَاحِبِهِ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي كَتَبَ اسْمَهُ وَوَضَعَ خَاتَمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute