للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا وَرَاءَهَا عَلَى الْأَصْلِ وَفِي الْمُحِيطِ أَجَازَ تَزْكِيَةَ الصَّبِيِّ وَقَالُوا: تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ وَعَدَدُ الشَّهَادَةِ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الْحَدِّ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْمُرَادُ بِالرِّسَالَةِ، وَالتَّرْجَمَةِ رَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي، وَالْمُتَرْجِمِ عَنْ الشُّهُودِ وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَالْأَحْوَطُ فِي الْكُلِّ اثْنَانِ.

وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَخْتَارَ فِي الْمُسَاءَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ مَنْ هُوَ أَخْبَرُ بِأَحْوَالِ النَّاسِ وَأَكْثَرُهُمْ اخْتِلَاطًا بِالنَّاسِ مَعَ عَدَالَتِهِ عَارِفًا بِمَا يَكُونُ جَرْحًا وَمَا لَا يَكُونُ جَرْحًا غَيْرَ طَمَّاعٍ وَلَا فَقِيرٍ كَيْ لَا يُخْدَعَ بِالْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي جِيرَانِهِ وَلَا أَهْلِ سُوقِهِ مَنْ يَثِقُ بِهِ سَأَلَ أَهْلَ مَحَلَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيهِمْ ثِقَةً اعْتَبَرَ فِيهِمْ تَوَاتُرَ الْإِخْبَارِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلُّهُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ، وَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا جَمِيعُ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ، وَالْبَصَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ سِوَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِيهَا أَظْهَرُ، فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَ أَوْ رَأَى فِي مِثْلِ الْبَيْعِ، وَالْإِقْرَارِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ، وَالْغَصْبِ، وَالْقَتْلِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي كُلِّ مَا يَتِمُّ بِنَفْسِهِ إذَا عَايَنَ السَّبَبَ كَالْبَيْعِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إذْ ادَّعَى إلَيْهِ لِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا وَهَذَا لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا هُوَ الْمُوجِبُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الشَّرْطُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: ٨٦] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» وَيَقُولُ أَشْهَدُ بِأَنَّهُ بَاعَ أَوْ أَقَرَّ؛ لِأَنَّهُ عَايَنَ السَّبَبَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ بِهِ كَمَا عَايَنَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالْعَقْدِ فَظَاهِرٌ، وَإِذَا كَانَ بِالتَّعَاطِي فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَقَدْ وُجِدَ وَقِيلَ لَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْبَيْعِ بَلْ يَشْهَدُونَ عَلَى الْأَخْذِ، وَالْإِعْطَاءِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حُكْمِيٌّ وَلَيْسَ بِبَيْعٍ حَقِيقِيٍّ وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي إلَّا إذَا أَشْهَدَهُ كَيْ لَا يَكُونَ كَاذِبًا وَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ بِكَذَا لِفُلَانٍ وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ سَمِعَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

يَكُونَ الْمُزَكِّي فِي الْعَلَانِيَةِ غَيْرَ الْمُزَكِّي فِي السِّرِّ أَمَّا عِنْدَنَا فَاَلَّذِي يُزَكِّيهِمْ فِي السِّرِّ يُزَكِّيهِمْ فِي الْعَلَانِيَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالُوا تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ وَعَدَدُ الشَّهَادَةِ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الْحَدِّ بِالْإِجْمَاعِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِي الْمُزَكِّي فِي الْحُدُودِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا فِي الْقِصَاصِ ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَلِفِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي بَابِ مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ فِي الْمُخْتَلِفِ وَالْحَصْرِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ مِنْ بَابِ أَبِي حَنِيفَةَ تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِي الْمُزَكِّي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا اهـ وَقَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ أَيْ الْمَحْكِيِّ فِيهِ الْإِجْمَاعُ كَمَا ذُكِرَ عَنْ الْمُخْتَلِفِ إنَّمَا هُوَ الذُّكُورَةُ، وَأَمَّا الْعَدَدُ فَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَقَطْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَمُخْتَلِفُ الرِّوَايَةِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْمُجْتَبَى وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ نَفْسُهُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالرِّسَالَةِ وَالتَّرْجَمَةِ رَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي) الظَّاهِرُ أَيْ الْمُزَكِّي يَنْظُرُ فِي الْأَكْمَلِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا كَانَ رَسُولُ الْقَاضِي الَّذِي يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ وَاحِدًا جَازَ وَالِاثْنَانِ أَفْضَلُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ إلَّا اثْنَانِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَرَادُوا بِالرَّسُولِ الْمُزَكِّيَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُتَرْجِمُ عَنْ الشَّاهِدِ وَرَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي وَرَسُولُ الْمُزَكِّي إلَى الْقَاضِي يُخْبِرُهُ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ اهـ وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْمُرَادُ مِنْ رَسُولِ الْقَاضِي الْمُزَكِّي وَهُوَ الْمَسْئُولُ مِنْهُ عَنْ الشُّهُودِ فَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ قَوْلَهُ الَّذِي يُسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالْوَاحِدِ فِي التَّزْكِيَةِ وَكَذَا فِي الرِّسَالَةِ إلَيْهِ وَالرِّسَالَةِ مِنْهُ إلَى الْقَاضِي وَكَذَا فِي التَّرْجَمَةِ عَنْ الشَّاهِدِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا جَمِيعُ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ) قَالَ الْكَمَالُ فَهَذَا الْخِلَافُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ فَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي مَسَائِلِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ الْخِلَافُ فِي عَدَدِ الْمُزَكِّي فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ وَأَمَّا فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ فَشُرِطَ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ قَالَ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَفِي التَّرْجَمَةِ شَرْطٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَمَا يَتَحَمَّلُهُ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ أَيْ يَكُونُ هُوَ تَمَامَ السَّبَبِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ قَوْلًا كَانَ مِثْلَ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ وَالطَّلَاقِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ فِعْلًا كَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ، فَإِذَا سَمِعَ الشَّاهِدُ الْقَوْلَ كَأَنْ سَمِعَ قَاضِيًا يُشْهِدُ جَمَاعَةً عَلَى حُكْمِهِ أَوْ رَأَى الْفِعْلَ كَالْقَتْلِ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ فَيَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ أَشْهَدُ أَنَّهُ قَضَى فَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ مُعَاطَاةً فَفِي الذَّخِيرَةِ يَشْهَدُونَ عَلَى الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَقِيلَ يَشْهَدُونَ بِالْبَيْعِ كَالْقَوْلِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَمِنْهُ مَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فَإِذَا سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَهُ ذَلِكَ الشَّاهِدُ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالنَّقْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِنَابَةِ وَالتَّحْمِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الشَّرْطُ) أَيْ الْعِلْمُ الْمُوجِبُ هُوَ رُكْنُ الْمُسَوِّغِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لِمُسَوِّغِ الْأَدَاءِ سِوَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: ٨٦] بَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَوَّزَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ وَقَدْ حَصَلَ الْعِلْمُ بِالرُّؤْيَةِ وَالسَّمَاعِ فَتَصِحُّ الشَّهَادَةُ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ) فَأَمَرَ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَ الْعِلْمِ يَقِينًا فَعَنْ هَذَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ بِمَا تَسْمَعُهُ مِنِّي ثُمَّ قَالَ بِحَضْرَتِهِ لِرَجُلٍ بَقِيَ لَك عَلَيَّ كَذَا أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ حَلَّ لَهُ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَفِي الْخُلَاصَةِ اشْتَرَى عَبْدًا وَادَّعَى عَلَى الْبَائِعِ عَيْبًا بِهِ فَلَمْ يُثْبِتْهُ فَبَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَيْهِ هَذَا الْعَيْبَ فَأَنْكَرَ فَاَلَّذِينَ سَمِعُوا مِنْهُ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى الْعَيْبِ فِي الْحَالِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي إلَّا إذَا أَشْهَدَهُ كَيْ لَا يَكُونَ كَاذِبًا)

<<  <  ج: ص:  >  >>