للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْنِي تَعْدِيلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشُّهُودَ لَا يَصِحُّ وَمُرَادُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى السُّؤَالَ عَنْ الشُّهُودِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى السُّؤَالَ عَنْ الشُّهُودِ، وَنَظِيرُهُ الْمُزَارَعَةُ، فَإِنَّهُ لَا يَرَاهَا وَمَعَ هَذَا فَرَّعَ عَلَيْهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ تَعْدِيلُهُ؛ لِأَنَّ مِنْ زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ظَالِمٌ كَاذِبٌ فِي الْجُحُودِ فَتَزْكِيَةُ الْكَاذِبِ الْفَاسِقِ لَا تَصِحُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ تَزْكِيَتَهُ تَجُوزُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ بِأَنْ كَانَ عَدْلًا لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ آخَرَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْدِيلُ الْوَاحِدِ وَأَبُو يُوسُفَ يُجَوِّزُهُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِيمَا إذَا قَالَ: هُمْ عُدُولٌ لَكِنَّهُمْ أَخْطَئُوا أَوْ نَسُوا أَمَّا إذَا قَالَ: صَدَقُوا أَوْ هُمْ عُدُولٌ صَدَّقَهُ فَقَدْ لَزِمَهُ الْحَقُّ لِإِقْرَارِهِ بِهِ وَلَوْ قَالَ: هُمْ عُدُولٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ عُدُولًا يُتَوَهَّمُ مِنْهُمْ النِّسْيَانُ، وَالْخَطَأُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَدْلًا أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ صَوَابًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَاحِدُ يَكْفِي لِلتَّزْكِيَةِ، وَالرِّسَالَةِ، وَالتَّرْجَمَةِ)؛ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا الْعَدَالَةُ حَتَّى يَجُوزَ تَزْكِيَةُ الْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالْأَعْمَى، وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ؛ لِأَنَّ خَبَرَ هَؤُلَاءِ مَقْبُولٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ رِوَايَتَهُمْ فِي الْإِخْبَارِ مَقْبُولَةٌ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُشْتَرَطُ فِي التَّزْكِيَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْعَدَدِ وَوَصْفِ الذُّكُورَةِ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَا أَرْبَعَةٌ ذُكُورٌ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ رَجُلَانِ وَفِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْحُقُوقِ يَجُوزُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَفِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ رَتَّبَهَا عَلَى مَرَاتِبِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ تَبْتَنِي عَلَى ظُهُورِ الْعَدَالَةِ وَهُوَ بِالتَّزْكِيَةِ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْإِخْبَارِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَلَا مَجْلِسُ الْحُكْمِ وَجَازَ تَزْكِيَةُ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَتَزْكِيَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ وَتَزْكِيَةِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ وَبِالْعَكْسِ وَاشْتِرَاطُ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ رُجْحَانَ الصِّدْقِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ بِقَوْلِهِ بِالْعَدَالَةِ لَا بِالْعَدَدِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْإِخْبَارِ حَتَّى قَالُوا فِيهَا لَا يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ مَا لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ التَّوَاتُرِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ وَلَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ لِلنَّصِّ فَبَقِيَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

مُعَدِّلًا؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ فِي الْمُزَكِّي شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: هَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ) أَيْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُقْبَلُ تَعْدِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنْ يَسْأَلَ الْقَاضِيَ عَنْ الشُّهُودِ فَكَانَ هَذَا نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْمُزَارَعَةِ حَيْثُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ثَمَّةَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُهَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ إلَّا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ وَمَعَ هَذَا إذَا سَأَلَ عَنْهُمْ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُوَ عَدْلٌ لَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ حَتَّى يَسْأَلَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ تَعْدِيلَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لَيْسَ بِتَعْدِيلٍ عَلَى الْكَمَالِ بَلْ هُوَ تَعْدِيلٌ مِنْ وَجْهٍ وَجَرْحٍ مِنْ وَجْهٍ حَيْثُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا قَالَ الْخَصْمُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُوَ عَدْلٌ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَغَيْرُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذَا إذَا قَالَ هُمْ عُدُولٌ لَكِنَّهُمْ أَخْطَئُوا أَوْ نَسُوا أَمَّا إذَا قَالَ هُمْ عُدُولٌ صُدِّقُوا فِي شَهَادَتِهِمْ فَقَدْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ فَيُقْضَى عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ هُمْ عُدُولٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ شَهِدُوا عَلَيْك بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَإِنْ قَالَ بِحَقٍّ فَهُوَ إقْرَارٌ، وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (فَرْعٌ) وَلَوْ جَرَّحَ الشُّهُودَ وَاحِدٌ وَعَدَّلَهُمْ اثْنَانِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ ثَبَتَتْ بِحُجَّةٍ رَاجِحَةٍ وَلَوْ جَرَّحَهُمْ اثْنَانِ وَعَدَّلَهُمْ ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ وَالْمُثَنَّى فِي الشَّهَادَةِ سَوَاءٌ فَاسْتَوَى الْمُعَدِّلُ وَالْجَارِحُ فَرُجِّحَ الْجَرْحُ؛ لِأَنَّ الْمُعَدِّلَ وَقَفَ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ وَالْجَارِحَ وَقَفَ عَلَى الْبَاطِنِ وَهُوَ شَيْءٌ لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُعَدِّلُ فَالْجَارِحَانِ يُثْبِتَانِ شَيْئًا لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُعَدِّلُونَ وَالشَّهَادَةُ لِلْإِثْبَاتِ اهـ مِنْ الْوَاقِعَاتِ لِحُسَامِ الدِّينِ الْبُخَارِيِّ

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْوَاحِدُ يَكْفِي لِلتَّزْكِيَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالتَّرْجَمَةِ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَالتُّرْجُمَانُ إذَا كَانَ أَعْمَى فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ. اهـ. غَايَةٌ وَقَالَ الْكَمَالُ فِي بَابِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى وَيُقْبَلُ أَيْ الْأَعْمَى فِي التَّرْجَمَةِ عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَحْصُلُ بِالسَّمَاعِ وَقَدْ كَتَبْت عِبَارَتَهُ بِكَمَالِهَا هُنَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَجُوزَ تَزْكِيَةُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْمَحْدُودُ إذَا كَانُوا عُدُولًا وَلَا يَجُوزُ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ إلَّا مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إلَّا لَفْظُ الشَّهَادَةِ فَقَطْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُشْتَرَطُ فِي التَّزْكِيَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَمَّا ظَهَرَ مِنْ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارُ التَّزْكِيَةِ بِالشَّهَادَةِ فِي حَقِّ الْعَدَدِ قَالَ الْمَشَايِخُ فَيَجِبُ عِنْدَهُ اشْتِرَاطُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الْمُزَكِّينَ فِي شُهُودِ الزِّنَا اهـ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ لِحُسَامِ الدِّينِ رَجُلٌ صَحِبَ رَجُلًا فِي حَضَرِهِ وَسَفَرِهِ وَلَمْ يَرَ مِنْهُ إلَّا الصَّلَاحَ وَالْخَيْرَ لَا يَسَعُهُ أَنْ يُزَكِّيَهُ مَا لَمْ يَصْحَبْهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ سَنَةً وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَسَعُهُ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِنْ عَرَفَهُ بِالْعَدَالَةِ عَدَّلَهُ، وَإِنْ عَرَفَهُ ثُمَّ تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ لَا يَسَعُهُ أَنْ يُعَدِّلَهُ بِتِلْكَ الْمَعْرِفَةِ وَحَدُّ التَّطَاوُلِ سَنَةٌ أَوْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ) أَيْ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْحُرِّيَّةُ وَالْعَدَالَةُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَجَازَ تَزْكِيَةُ إلَخْ) أَيْ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتَعْدِيلُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ وَالِابْنِ لِلْأَبِ فِي السِّرِّ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالصَّبِيُّ أَهْلٌ لِتَعْدِيلِ السِّرِّ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ

وَقَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلُّهُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ اهـ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ شَرَطَ الْخَصَّافُ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>