وَلَا يُقَالُ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَهُوَ مَنْعُ الظَّالِمِ عَنْ الظُّلْمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُنْصُرْ أَخَاك الظَّالِمَ أَوْ الْمَظْلُومَ»؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا ضَرُورَةَ إلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِخْبَارِ لِلْقَاضِي سِرًّا حَتَّى يَرُدَّ شَهَادَتَهُمَا فَأَمْكَنَ الِامْتِنَاعُ عَنْ الظُّلْمِ بِذَلِكَ.
أَمَّا إذَا كَانَ الْجَرْحُ غَيْرَ مُجَرَّدٍ بِأَنْ كَانَ فِيهِ إثْبَاتُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِمَا زَنَوْا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ أَوْ سَرَقُوا أَوْ كَانَ فِيهِ إثْبَاتُ حَقِّ الْعَبْدِ كَقَوْلِهِمَا أَخَذُوا الْمَالَ أَوْ قَتَلُوا النَّفْسَ عَمْدًا فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ضَرُورَةَ إحْيَاءِ الْحُقُوقِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَتْكٌ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا إيجَابُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْحَدُّ أَوْ إيجَابُ حَقِّ الْعَبْدِ وَهُوَ ضَمَانٌ يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَفِي ضِمْنِهِ يَثْبُتُ الْجَرْحُ وَكَذَا إذَا قَالَ صَالَحْت الشُّهُودَ بِكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَذَا الْبَاطِلِ وَقَدْ شَهِدُوا عَلَيَّ بِهِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَطَلَبَ اسْتِرْدَادَ الْمَالِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَكَذَا إذَا قَالَ أَعْطَاهُمْ الْمُدَّعِي مِنْ مَالِي الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ حَتَّى يَشْهَدُوا لَهُ بِالزُّورِ وَطَلَبَ اسْتِرْدَادَهُ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ صَحِيحَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إيجَابِ رَدِّ الْمَالِ عَلَى الشُّهُودِ وَهُوَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ حَتَّى لَوْ قَالَ صَالَحْتهمْ بِكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ وَلَمْ أَدْفَعْ إلَيْهِمْ الْمَالَ أَوْ قَالَ: اسْتَأْجَرَهُمْ الْمُدَّعِي بِكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى أَنْ يَشْهَدُوا لَهُ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ إذْ الْمُدَّعِي مُجَرَّدُ جَرْحٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ قَبْلَهُ حَقًّا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِهِ وَدَعْوَى الِاسْتِئْجَارِ، وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَكِنَّهُ يَدَّعِيهَا لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إلْزَامِ غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ فَكَانَ جَرْحًا مُجَرَّدًا، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّ الشُّهُودَ فَسَقَةٌ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَعْنَى وَكَذَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الشُّهُودَ أَوْ عَلَى إقْرَارِ الشُّهُودِ أَنَّهُمْ لَمْ يَحْضُرُوا الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْحَقُّ.
وَكَذَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ؛ لِأَنَّ فِي الْعَبِيدِ إثْبَاتَ الْحَقِّ عَلَيْهِمْ وَهُوَ الرِّقُّ وَفِي غَيْرِهِ لَيْسَ فِيهِ إشَاعَةُ الْفَاحِشَةِ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَإِنَّمَا حُكُوا بِإِظْهَارِ فَاحِشَةٍ مِنْ غَيْرِهِمْ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الشُّهُودِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزُّورِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ فِي أَدَاءِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُبْطِلٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ.
وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الشُّهُودَ زُنَاةٌ أَوْ شَرَبَةُ خَمْرٍ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ زَنَوْا أَوْ وَصَفُوا الزِّنَا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ أَوْ سَرَقُوا مِنِّي كَذَا وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ قَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَقَادِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَقَادِمًا لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ إثْبَاتِ الْحَقِّ بِهِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ مَرْدُودَةٌ وَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ مَقْبُولَةٌ تَأْوِيلُهُ إذَا أَقَامَهَا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ أَوْ عَلَى التَّزْكِيَةِ وَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ شَهِدُوا أَنَّ الشُّهُودَ زُنَاةٌ أَوْ شَرَبَةُ خَمْرٍ لَمْ تُقْبَلْ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ زَنَوْا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ أَوْ سَرَقُوا تُقْبَلُ يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَقَادِمًا وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ زُنَاةٌ أَوْ زَنَوْا إلَخْ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ شَهِدَ وَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى قَالَ أَوْهَمْتُ بَعْضَ شَهَادَتِي تُقْبَلُ لَوْ عَدْلًا) قَوْلُهُ أَوْهَمْتُ أَيْ أَخْطَأْت بِذِكْرِ زِيَادَةٍ كَانَتْ بَاطِلَةً أَوْ بِنِسْيَانِ بَعْضِ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيَّ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يُبْتَلَى بِالْغَلَطِ لِمَهَابَةِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَوَضَحَ الْعُذْرُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَدَارَكَهُ فِي أَوَانِهِ وَهُوَ عَدْلٌ، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَمَا قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ غَرَّهُ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ بِالرِّشْوَةِ ثُمَّ قِيلَ يَقْضِي بِجَمِيعِ مَا شَهِدَ بِهِ أَوَّلًا حَتَّى لَوْ شَهِدَ بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ غَلِطْت فِي خَمْسِمِائَةٍ يُقْضَى بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ أَوَّلًا صَارَ حَقًّا لِلْمُدَّعِي وَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي الْقَضَاءُ بِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ، وَقِيلَ يُقْضَى بِمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَحُدُوثِهِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إذَا كَانَ مَوْضِعَ شُبْهَةٍ كَمَا بَيَّنَّا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ شُبْهَةٍ فَلَا بَأْسَ بِإِعَادَةِ الْكَلَامِ مِثْلُ أَنْ يَدَّعِ لَفْظَ الشَّهَادَةِ أَوْ اسْمَ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ يَتْرُكَ الْإِشَارَةَ إلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ، وَإِنْ قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مَأْمُونًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ قَوْلَهُ يُقْبَلُ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ فِي الْكُلِّ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا قَالَ أَوْهَمْت فِي الزِّيَادَةِ أَوْ فِي النُّقْصَانِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا وَلَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَى هَذَا لَوْ وَقَعَ الْغَلَطُ فِي ذِكْرِ بَعْضِ حُدُودِ الْعَقَارِ أَوْ فِي بَعْضِ النَّسَبِ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُبْتَلَى بِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَذِكْرُهُ ذَلِكَ لِلْقَاضِي دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ وَاحْتِيَاطِهِ فِي الْأُمُورِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى مُجَرَّدِ الْجَرْحِ وَالْفِسْقِ لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ يَا زَانِي ثُمَّ أَثْبَتَ زِنَاهُ بِبَيِّنَةٍ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْحَدِّ. اهـ. قُنْيَةٌ فِي الْحُدُودِ
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ حَتَّى قَالَ أَوْهَمْت) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَوَهِمَ فِي الْحِسَابِ غَلِطَ مِنْ بَابِ لَبِسَ وَأَوْهَمَ فِيهِ مِثْلُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ، فَإِنْ قَالَ: أَوْهَمْت أَوْ أَخْطَأَتْ أَوْ نَسِيت وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ الشَّاهِدَانِ أَوْهَمْنَا إنَّمَا السَّارِقُ هَذَا وَيُرْوَى وَهِمْنَا وَأَوْهَمَ فِي الْحِسَابِ مِائَةً أَيْ أَسْقَطَ وَأَوْهَمَ مِنْ صَلَاتِهِ رَكْعَةً وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى وَأَوْهَمَ فِي صَلَاتِهِ فَقِيلَ لَهُ كَأَنَّك أَوْهَمْت فِي صَلَاتِك» اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute