للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ قَالَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَةُ مَنْ قَامَ بِالتَّوْزِيعِ، وَلَوْ كَانَ مُجَازِفًا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْعُمَّالِ أَهْلَ الْحَرْفِ فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ وَبَائِعُ الْكَفَنِ قَالُوا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَنَّى كَثْرَةَ الْمَوْتِ بِالطَّاعُونِ وَغَيْرِهِ وَفِي النِّهَايَةِ شَهَادَةُ الْبَخِيلِ لَا تُقْبَلُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَنْ يَبْخَلُ بِالْوَاجِبَاتِ كَالزَّكَاةِ وَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ، وَالْأَقَارِبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُعْتَقُ لِلْمُعْتِقِ) أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُعْتَقِ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ وَكَذَا بِالْعَكْسِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَنْبَرًا، وَالْحَسَنَ شَهِدَا لِعَلِيٍّ عِنْدَ شُرَيْحٍ فَقَبِلَ شَهَادَةَ قَنْبَرٍ وَهُوَ كَانَ عَتِيقَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَيْهِ، وَالْوَصِيُّ يَدَّعِي جَازَ، وَإِنْ أَنْكَرَ لَا كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دُيُونِهِ وَادَّعَى الْوَكِيلُ أَوْ أَنْكَرَ) يَعْنِي إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَادَّعَيَا أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ، وَالرَّجُلُ يَدَّعِي الْوَصِيَّةَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ أَنْكَرَ الرَّجُلُ الْوَصِيَّةَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا كَمَا لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا أَنَّ أَبَاهُمَا الْغَائِبَ قَدْ وَكَّلَ هَذَا الرَّجُلَ بِقَبْضِ دُيُونِهِ سَوَاءٌ ادَّعَى الرَّجُلُ الْوَكَالَةَ أَوْ أَنْكَرَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا، وَإِنْ ادَّعَى وَكَذَا إذَا شَهِدَ الْمُوصِي إلَيْهِمَا أَوْ لَهُمَا أَوْ الْغَرِيمَانِ لَهُمَا عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ عَلَيْهِمَا لَهُ دَيْنٌ أَنَّهُ أَوْصَى إلَى هَذَا الرَّجُلِ تَجُوزُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّهَا تَجُرُّ مَنْفَعَةً إلَى الشَّاهِدِ بِإِقَامَةِ مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ أَوْ مَنْ يُسْتَوْفَى مِنْهُ أَوْ مَنْ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ أَوْ مَنْ يُعِينُهُ بِالْقِيَامِ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَالشَّهَادَةُ الَّتِي تَجُرُّ مَنْفَعَةً لَا تُقْبَلُ فَصَارَ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْوَكَالَةِ.

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ إذَا كَانَ الْوَصِيُّ طَالِبًا وَكَانَ الْمَوْتُ مَعْرُوفًا فَيَكْفِي الْقَاضِيَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ وَزَكَّيَاهُ بِشَهَادَتِهِمَا إذْ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا كَانَ يُتَأَمَّلُ فِيمَنْ يُعَيِّنُ وَفِيمَنْ يَصْلُحُ فَيُعَيِّنُ مَنْ تَثْبُتُ صَلَاحِيَّتُهُ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ؛ لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا فَلَمْ يَثْبُتْ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلُهُ وَنَظِيرُهَا الْقُرْعَةُ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمُوجِبَةٍ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُ لَوْلَا الْقُرْعَةُ وَمَعَ هَذَا جَازَ اسْتِعْمَالُهَا تَطْيِيبًا لِلْقُلُوبِ وَنَفْيًا لِلتُّهْمَةِ عَنْ الْقَاضِي وَلَا يُقَالُ: إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَصِيَّانِ لَا يَحْتَاجُ الْقَاضِي إلَى وَصِيٍّ ثَالِثٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ مَا قُلْتُمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إذَا أَقَرَّ الْوَصِيَّانِ أَنَّ مَعَهُمَا ثَالِثًا كَانَ لَهُ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِمَا ثَالِثًا لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الْمَيِّتِ بِإِقْرَارِهِمَا أَنَّ مَعَهُمَا ثَالِثًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَصِيُّ جَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ إجْبَارَ أَحَدٍ عَلَى قَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي نَصْبَ الْوَصِيِّ إلَّا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ فَتَصِيرُ الشَّهَادَةُ مُوجَبَةً عَلَى الْقَاضِي فَتَبْطُلُ لِمَعْنَى التُّهْمَةِ وَهُوَ جَرُّ الْمَنْفَعَةِ إلَى الشَّاهِدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَكَالَةِ وَهِيَ مَا إذَا أَقَامَ شَخْصَانِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُمَا الْغَائِبَ وَكَّلَ فُلَانًا بِقَبْضِ حُقُوقِهِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ.

وَإِنْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَكِيلِ عَنْ الْغَائِبِ فَلَوْ ثَبَتَ لَثَبَتَ بِشَهَادَتِهِمَا وَهِيَ غَيْرُ مُوجَبَةٍ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ فَبَطَلَتْ وَفِي الْكَافِي فِي الْغَرِيمَيْنِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُمَا يُقِرَّانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْقَبْضِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ وَثَبَتَ مَوْتُ رَبِّ الدَّيْنِ بِإِقْرَارِهِمَا فِي حَقِّهِمَا وَقِيلَ مَعْنَى الْقَبُولِ أَنْ يَأْمُرَهُمَا الْقَاضِي بِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِمَا إلَيْهِ لَا أَنْ يَبْرَآ عَنْ الدَّيْنِ بِهَذَا الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ مِنْهُمَا حَقٌّ عَلَيْهِمَا فَيُقْبَلُ فِي حَقِّهِ، وَالْبَرَاءَةُ حَقٌّ لَهُمَا فَلَا تُقْبَلُ فِي حَقِّهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ عَلَى جَرْحٍ) أَيْ عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَضَمَّنَ إيجَابَ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ أَوْ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ الْمُجَرَّدَ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ يُرْفَعُ فِسْقُهُ بِالتَّوْبَةِ وَلَعَلَّهُ قَدْ تَابَ فِي مَجْلِسِهِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِلْزَامُ وَلِأَنَّ فِيهِ هَتْكَ السَّتْرِ وَإِشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَهُوَ حَرَامٌ وَلِلضَّرُورَةِ جَائِزٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَةُ مَنْ قَامَ بِالتَّوْزِيعِ وَلَوْ كَانَ مُجَازِفًا) إلَى هُنَا كَلَامُ الشَّارِحِ وَبَعْدَ هَذَا كَتَبْت مُلْحَقًا وَهُوَ فِي كَلَامِهِ مِنْ الْعُمَّالِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ هَذَا الْمُلْحَقُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَلَا يَصِحُّ الْكَلَامُ إلَّا بِهِ.

(قَوْلُهُ وَبَائِعِ الْكَفَنِ قَالُوا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي قَالُوا شَهَادَةُ بَائِعِ الْأَكْفَانِ لَا تَجُوزُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إنَّمَا لَا تَجُوزُ إذَا تَرَصَّدَ لِذَلِكَ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ وَالطَّاعُونَ أَمَّا إذَا كَانَ يَبِيعُ الثِّيَابَ هَكَذَا وَيُشْتَرَى مِنْهُ الْكَفَنُ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا) قَالَ الْكَمَالُ صُورَتُهَا رَجُلٌ ادَّعَى أَنَّهُ وَصِيُّ فُلَانٍ الْمَيِّتِ فَشَهِدَ بِذَلِكَ اثْنَانِ مُوصًى لَهُمَا بِمَالٍ أَوْ وَارِثَانِ كَذَلِكَ أَوْ غَرِيمَانِ لَهُمَا عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّانِ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ هَؤُلَاءِ تَتَضَمَّنُ جَلْبَ نَفْعٍ لِلشَّاهِدِ أَمَّا الْوَارِثَانِ لِقَصْدِهِمَا نَصْبَ مَنْ يَتَصَرَّفُ لَهُمَا وَيُرِيحُهُمَا وَيَقُومُ بِإِحْيَاءِ حُقُوقِهِمَا وَالْغَرِيمَانِ الدَّائِنَانِ وَالْمُوصَى لَهُمَا لِوُجُودِ مَنْ يَسْتَوْفِيَانِ مِنْهُ وَالْمَدْيُونَانِ لِوُجُودِ مَنْ يَبْرَآنِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَالْوَصِيَّانِ مَنْ يُعَيِّنُهُمَا فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَالْمُطَالَبَةِ وَكُلُّ شَهَادَةٍ جَرَّتْ نَفْعًا لَا تُقْبَلُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا شَهِدَ الْمُوصَى إلَيْهِمَا) يُقَالُ أَوْصَى إلَيْهِ أَيْ جَعَلَهُ وَصِيًّا وَأَوْصَى لَهُ بِكَذَا أَيْ جَعَلَهُ مُوصَى لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: تَجُوزُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ اسْتِحْسَانًا) وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَوْتُ ظَاهِرًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ هَؤُلَاءِ إلَّا الْغَرِيمَيْنِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا تُقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ مَعْرُوفًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يَصِحُّ مَا قُلْتُمْ) قُلْت: إنَّهُمَا شَهِدَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى هَذَا الرَّجُلِ الثَّالِثِ فَقَدْ أَقَرَّا أَنْ لَا حَقَّ لَهُمَا فِي التَّصَرُّفِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا ثَالِثٌ فَلَوْ رَدَّ شَهَادَتَهُمَا لَاحْتَاجَ إلَى نَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ حَتَّى يَتَصَرَّفَ مَعَهُمَا فَلَا يَكُونُ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ فَائِدَةٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: جَائِزٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُ) قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ فِسْقَهُ بِالْبَيِّنَةِ لِيَدْفَعَ التَّعْزِيرَ عَنْ نَفْسِهِ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>