؛ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ أَنْ يَقُولَ: زَنَيْت أَوْ أَنْتَ زَانٍ، وَالْإِخْبَارَ أَنْ يَقُولَ: قَذَفْتُك بِالزِّنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا سَمِعَ الْإِنْشَاءَ، وَالْآخَرُ سَمِعَ الْإِقْرَارَ بِهِ وَيَثْبُتُ عِنْدَهُ قَذْفُهُ فَهُمَا شَاهِدَانِ بِهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَآخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِصْرَ رُدَّتَا) يَعْنِي طَائِفَتَيْنِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ اجْتَمَعَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَشَهِدَا عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَهُ تُرَدُّ الطَّائِفَتَانِ؛ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ الْأُخْرَى وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْ بَابِ الْفِعْلِ، وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ لَا يَتَكَرَّرُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَرَكَاتٌ انْقَرَضَ لِكَوْنِهِ عَرْضًا لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ، وَالثَّانِيَ حَرَكَاتٌ أُخَرُ غَيْرُ الْأَوَّلِ يُحْدِثُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الثَّانِي إخْبَارًا عَنْ الْأَوَّلِ حَتَّى يَصِيرَ تَكْرَارَ الْأَوَّلِ وَإِعَادَتَهُ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ الْفِعْلِ بِالْفِعْلِ لَا يُتَصَوَّرُ فَكَانَا غَيْرَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا بِخِلَافِ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ يُحْكَى بِالْقَوْلِ فَيَكُونُ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ حُكْمًا وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْآلَةِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الْقَتْلُ لَا تُقْبَلُ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ قَضَى بِإِحْدَاهُمَا أَوَّلًا بَطَلَتْ الْأُخْرَى) يَعْنِي لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ بِشَهَادَةِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى ثُمَّ شَهِدَتْ الْأُخْرَى لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَرَجَّحَتْ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا فَلَا يُنْتَقَضُ بِالثَّانِيَةِ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِأَنَّهُ قَتَلَ بِمَكَّةَ صَارَ ذَلِكَ حُكْمًا بِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ فِي غَيْرِهَا إذْ قَتْلُ شَخْصٍ وَاحِدٍ فِي مَكَانَيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ كَانَ مَعَ رَجُلٍ ثَوْبَانِ أَحَدُهُمَا نَجِسٌ فَتَحَرَّى وَصَلَّى فِي أَحَدِهِمَا ثُمَّ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى طَهَارَةِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اتَّصَلَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَلَا يُنْتَقَضُ بِوُقُوعِ التَّحَرِّي فِي الْآخَرِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَهِدَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا قُطِعَ بِخِلَافِ الذُّكُورَةِ، وَالْأُنُوثَةِ، وَالْغَصْبِ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى سَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِ الْبَقَرَةِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا سَرَقَ بَقَرَةً بَيْضَاءَ وَقَالَ الْآخَرُ بَقَرَةً سَوْدَاءَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَتُقْطَعُ يَدُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا سَرَقَ ذَكَرًا، وَالْآخَرُ قَالَ أُنْثَى أَوْ اخْتَلَفَا فِي لَوْنِ الْبَقَرَةِ فِي الْغَصْبِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِيهِمَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِي السَّرِقَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَقَرَةَ الْبَيْضَاءَ غَيْرُ السَّوْدَاءِ فَكَانَا سَرِقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ نِصَابُ الشَّهَادَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ وَصَارَ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الذُّكُورَةِ، وَالْأُنُوثَةِ وَكَاخْتِلَافِهِمَا فِي اللَّوْنِ فِي الْغَصْبِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْغَصْبِ ضَمَانٌ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالثَّابِتُ بِالسَّرِقَةِ حَدٌّ يَسْقُطُ بِهَا فَصَارَ نَظِيرَ اخْتِلَافِهِمَا فِي قِيمَتِهَا وَلَهُ أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِيمَا لَمْ يُكَلَّفَا نَقْلَهُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يُضَافُ إلَى إثْبَاتِ الْوَصْفِ فَصَارَ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي ثِيَابِ السَّارِقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ سَكَتَا عَنْ بَيَانِ اللَّوْنِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا بِخِلَافِ بَيَانِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ الشَّهَادَةِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا تَبْلُغُ نِصَابًا وَلِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَكُونُ فِي اللَّيَالِي غَالِبًا وَيَكُونُ التَّحَمُّلُ فِيهَا مِنْ بَعِيدٍ فَيَتَشَابَهُ عَلَيْهِمَا اللَّوْنَانِ أَوْ يَجْتَمِعَانِ فِي بَقَرَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَنْ كَانَ أَحَدُ جَانِبَيْهَا أَبْيَضَ، وَالْجَانِبُ الْآخَرُ أَسْوَدَ فَيَشْهَدُ كُلٌّ بِمَا رَأَى أَوْ بِمَا وَقَعَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ وَصْفِ الذُّكُورَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَآخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِصْرَ) لَفْظَةُ يَوْمِ النَّحْرِ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ: تُرَدُّ الطَّائِفَتَانِ) فَلَا يُقْتَلُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ شَهِدَتْ الْأُخْرَى لَا تُقْبَلُ) وَحِينَئِذٍ فَيُقْتَلُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَرَجَّحَتْ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا)، فَإِنَّهُ حِينَ قَضَى بِالْأُولَى وَلَا مُعَارِضَ لَهَا إذْ ذَاكَ يَنْفُذُ شَرْعًا فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي ثَبَتَ شَرْعًا بِحُدُوثِ مُعَارِضٍ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى طَهَارَةِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ) وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِتَحَرِّيهِ الْأَوَّلِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ الصِّحَّةُ بَعْدَ الْوُجُوبِ فِيهِ فَلَا يُؤَثِّرُ التَّحَرِّيَ الثَّانِيَ فِي رَفْعِهِ اهـ فَتْحٌ
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ إلَخْ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّهُ سَرَقَ بَقَرَةً وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا قَالَ أُجِيزُ الشَّهَادَةَ وَأَقْطَعُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا نُجِيزُ الشَّهَادَةَ وَلَا نَقْطَعُهُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَرَقَ بَقَرَةً وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ سَرَقَ ثَوْرًا فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا قُطِعَ) قَالَ الْكَمَالُ صُورَتُهَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ لَهُ بَقَرَةً وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا لَوْنًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَشَهِدَ وَاحِدٌ بِسَرِقَتِهِ حَمْرَاءَ وَالْآخَرُ سَوْدَاءَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقْبَلُ وَيُقْطَعُ وَقَالَا هُمَا وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لَا يُقْطَعُ وَلَوْ أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ عَيَّنَ لَوْنًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا سَوْدَاءُ لَا يُقْطَعُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ لَوْ ادَّعَى سَرِقَةَ ثَوْبٍ مُطْلَقًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا هَرَوِيٌّ وَالْآخَرُ مَرْوِيٌّ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لَمْ تُقْبَلْ إجْمَاعًا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ السَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَاخْتِلَافِهِمَا فِي اللَّوْنِ فِي الْغَصْبِ)، فَإِنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى غَصْبِ بَقَرَةٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا سَوْدَاءُ أَوْ حَمْرَاءُ وَالْآخَرُ بَيْضَاءُ لَمْ تُقْبَلْ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ قَبُولُهَا إثْبَاتَ حَدٍّ فَلَأَنْ لَا يُقْبَلَ فِيمَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَدَّ أَعْسَرُ إثْبَاتًا، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَأَمَّا مَا زِيدَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ فَلَيْسَ مِمَّا فِيهِ الْكَلَامُ مِنْ السَّرِقَةِ بَلْ يَخُصُّ الزِّنَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ وَصْفِ الذُّكُورَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَبِخِلَافِ اخْتِلَافِهِمَا فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ لَيْسَ بِمُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا أَوْ تَشَابُهَهُمَا لَا يَكُونُ فِي حَيَوَانٍ وَاحِدٍ عَادَةً وَلِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ يُكَلَّفَانِ بَيَانَ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِمَا فَكَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِيهِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute