للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ الْإِشْهَادَ، وَمَعْنَاهُ إذَا قَالَ شُهُودُ الْأَصْلِ لَمْ نَعْرِفْهُمْ وَلَمْ نُشْهِدْهُمْ عَلَى شَهَادَتِنَا فَمَاتُوا أَوْ غَابُوا ثُمَّ جَاءَ الْفُرُوعُ وَشَهِدُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ شَرْطٌ وَلَمْ يَثْبُتْ لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ خَبَرِ الْأُصُولِ وَبَيْنَ خَبَرِ الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ الْأُصُولَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا صَادِقِينَ بِذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ التَّحْمِيلُ مَعَ الِاحْتِمَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَلَى فُلَانَةِ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ بِأَلْفٍ وَقَالَا أَخْبَرَانَا أَنَّهُمَا يَعْرِفَانِهَا فَجَاءَ بِامْرَأَةٍ فَقَالَا: لَا نَدْرِي أَهِيَ هَذِهِ أَمْ لَا قِيلَ لِلْمُدَّعِي هَاتِ شَاهِدَيْنِ أَنَّهَا فُلَانَةُ)؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالنِّسْبَةِ قَدْ تَحَقَّقَ بِشَهَادَتِهِمَا، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَنَّ تِلْكَ النِّسْبَةَ لِلْحَاضِرَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ تِلْكَ النِّسْبَةِ لِلْحَاضِرَةِ وَنَظِيرُهُ إذَا شَهِدُوا بِبَيْعِ مَحْدُودٍ بِذِكْرِ حُدُودِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ عَيْنِهِ وَشَهِدُوا عَلَى الْخَصْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ الْمَحْدُودَ بِتِلْكَ الْحُدُودِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيَصِحَّ الْقَضَاءُ بِهِ، وَكَذَا إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْحُدُودَ الْمَذْكُورَةَ فِي الشَّهَادَةِ حُدُودُ مَا فِي يَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ الْحُدُودَ الْمَذْكُورَةَ فِي الشَّهَادَةِ حُدُودُ مَا فِي يَدِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(وَكَذَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَتَبَ إلَى الْقَاضِي الْآخَرِ أَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا شَهِدَا عِنْدِي بِكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ وَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي امْرَأَةً عِنْدَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَنْسُوبَةَ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهَا هِيَ الْمَنْسُوبَةُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ لِوِلَايَتِهِ يَنْفَرِدُ بِنَقْلِ الشَّهَادَةِ إلَيْهِ وَفِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ عَلَى كُلِّ أَصْلٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ قَالَا فِيهِمَا التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسُبَاهَا إلَى فَخْذِهَا) أَيْ لَوْ قَالَ الشَّاهِدَانِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَفِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسُبَاهَا إلَى فَخْذِهَا وَهُوَ الْجَدُّ الْأَعْلَى؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ شَرْطٌ فِيهِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامَّةِ وَهِيَ عَامَّةٌ وَيَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخَاصَّةِ، وَالنِّسْبَةُ إلَى الْفَخْذِ خَاصَّةٌ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ النَّسَبِ الشَّعْبُ ثُمَّ الْقَبِيلَةُ ثُمَّ الْفَصِيلَةُ ثُمَّ الْعِمَارَةُ ثُمَّ الْبَطْنُ ثُمَّ الْفَخْذُ فَكَانَ أَخَصَّ مِنْ الْكُلِّ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الصِّحَاحِ وَجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيّ فِيمَا حَكَاهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ الْفَصِيلَةَ آخِرَ الْكُلِّ فَالشَّعْبُ مَجْمَعُ الْقَبَائِلِ، وَالْقَبِيلَةُ مَجْمَعُ الْعَمَائِرِ، وَالْعِمَارَةُ مَجْمَعُ الْبُطُونِ، وَالْبَطْنُ مَجْمَعُ الْأَفْخَاذِ، وَالْفَخْذُ مَجْمَعُ الْفَصَائِلِ خُزَيْمَةُ شَعْبٌ وَكِنَانَةُ قَبِيلَةٌ وَقُرَيْشٌ عُمَارَةٌ وَقُصَيٌّ بَطْنٌ وَهَاشِمٌ فَخْذٌ، وَالْعَبَّاسُ فَصِيلَةٌ وَسُمِّيَ الشَّعْبُ شَعْبًا؛ لِأَنَّ الْقَبَائِلَ تَتَشَعَّبُ مِنْهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ النَّسَبِ حُصُولُ الْعِلْمِ بِالْمَنْسُوبِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالنَّسَبِ إلَى الْخَاصِّ دُونَ الْعَامِّ وَبَنُو تَمِيمٍ عَامٌّ فَلَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ والفرغانية نِسْبَةٌ عَامَّةٌ وَكَذَا السَّمَرْقَنْدِيَّة، وَالْبُخَارِيَّةُ، وَالْمِصْرِيَّةُ، والأوزجندي ةُ خَاصَّةٌ وَكَذَا النِّسْبَةُ إلَى السِّكَّةِ الصَّغِيرَةِ بِخِلَافِ الْمَحَلَّةِ الْكَبِيرَةِ ثُمَّ التَّعْرِيفُ، وَإِنْ كَانَ يَتِمُّ بِذِكْرِ الْجَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَذِكْرُ الْفَخْذِ أَوْ الْفَصِيلَةِ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ يَقُومُ مَقَامَ الْجَدِّ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا يُشَهَّرُ وَلَا يُعَزَّرُ) أَيْ لَا يُضْرَبُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يَوْجَعُ ضَرْبًا وَيُحْبَسُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اتَّصَلَ بِشَهَادَتِهِ الْقَضَاءُ أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً وَفِيهَا ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ إزَالَةً لِلْفَسَادِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهَا كَبِيرَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّهَا النَّاسُ عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الْإِشْرَاكَ بِاَللَّهِ ثُمَّ تَلَا قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: ٣٠]» وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلُ الزُّورِ»، فَإِذَا كَانَتْ كَبِيرَةً وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تَعْزِيرِهِ فَقَطْ لَهُمْ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ ضَرَبَ شَاهِدَ الزُّورِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَسَخَّمَ وَجْهَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ شُرَيْحًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

بِنَفْسِ الْحَادِثَةِ أَوْ أَنْكَرُوا إشْهَادَهُمْ الْفُرُوعَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَلَكِنْ مَتْنُ الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَا صَوَّرَهُ فِي الْكَافِي لَا عَلَى مَا صَوَّرَهُ الشَّارِحُ حَيْثُ قَالَا بِإِنْكَارِ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ وَلَمْ يَقُولَا بِإِنْكَارِ الْإِشْهَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ قَالَا فِيهِمَا التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسُبَاهَا إلَى فَخْذِهَا) فَسَّرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْفَخْذَ بِالْقَبِيلَةِ الْخَاصَّةِ وَفَسَّرَهَا الْعَتَّابِيُّ بِالْأَبِ الْأَعْلَى الَّذِي يُنْسَبُ أَبُوهَا إلَيْهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَنِي تَمِيمٍ قَوْمٌ لَا يُحْصَوْنَ فَلَا يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ بِذَلِكَ مَا لَمْ يُنْسَبُوا إلَى الْقَبِيلَةِ الْخَاصَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: الشَّعْبُ) بِفَتْحِ الشِّينِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ) أَيْ قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيّ وَقَوْلِ صَاحِبِ الصِّحَاحِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا يُشَهَّرُ وَلَا يُعَزَّرُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ شَاهِدَانِ أَقَرَّا أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ لَمْ يُضْرَبَا وَقَالَا يُعَزَّرَانِ وَفَائِدَتُهُ أَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ فِي حَقِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُكْمِ هُوَ الْمُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ نَفَى الشَّهَادَةَ وَالْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ وَفَائِدَتُهُ أَيْ وَفَائِدَةُ وَضْعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِيهِ فِيمَا إذَا أَقَرَّا أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ كَذِبُ الشَّاهِدِ إلَّا بِإِقْرَارِهِ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إذَا قَامَتْ عَلَى أَنَّهُمَا شَهِدَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ لَا تُسْمَعُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَتْ كَبِيرَةً وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ بِالْإِجْمَاعِ) غَيْرَ أَنَّهُ اكْتَفَى بِتَشْهِيرِ حَالِهِ فِي الْأَسْوَاقِ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرْبِ خُفْيَةً وَهُمَا أَضَافَا إلَى ذَلِكَ الضَّرْبِ وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَسَخَّمَ) يُقَالُ سَخَّمَ وَجْهَهُ إذَا سَوَّدَهُ مِنْ السُّخَامِ وَهُوَ سَوَادُ الْقُدُورِ وَقَدْ جَاءَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْأَسْحَمِ وَهُوَ الْأَسْوَدُ وَفِي الْمُغْنِي وَلَا يُسَخِّمُ وَجْهَهُ بِالْخَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>