للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ مَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ مَا دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَإِنْ أَتْلَفَا مَنْفَعَةً بِأَنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَكْرَى دَابَّتَهُ بِمِائَةٍ وَأَجَّرَ مِثْلَهَا مِائَتَانِ فَرَكِبَهَا ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُسْتَأْجِرَ، وَالْمُنْكِرُ صَاحِبَ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ مُجَرَّدَ الْمَنْفَعَةِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا شُبْهَةِ عَقْدٍ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ لِمَا عُرِفَ.

وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي صَاحِبَ الدَّابَّةِ، وَالْآخَرُ يُنْكِرُ ضَمِنَا لَهُ مَا زَادَ عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ ذَلِكَ الْقَدْرَ بِلَا عِوَضٍ وَقُدِّرَ أَجْرُ الْمِثْلِ بِعِوَضٍ فَلَمْ يَضْمَنَاهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَضْمَنَا فِي الْبَيْعِ إلَّا مَا نَقَصَ) يَعْنِي إذَا شَهِدَا عَلَى الْبَائِعِ بِأَنَّهُ بَاعَ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ لَمْ يَضْمَنَا لَهُ إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ الْمَبِيعَ بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ أَوْ يَفُوقُهُ، وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافَ، وَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ بَاعَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ ضَمِنَا النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ أَوْ كَانَ بَاتًّا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْبَيْعُ السَّابِقُ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَيَكُونُ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِمَا، فَإِنْ قِيلَ: الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ وَقَدْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِفَسْخِ الْبَيْعِ فِي الْمُدَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ رَضِيَ بِالْبَيْعِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَا لَهُ شَيْئًا قُلْنَا: السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِزَوَالِ الْمِلْكِ هُوَ الْبَيْعُ الْمَشْهُودُ بِهِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ حُكْمُهُ وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِزَوَائِدِهِ عِنْدَ النَّفَاذِ فَكَانَ الْإِتْلَافُ حَاصِلًا بِشَهَادَتِهِمَا فَيَضْمَنَانِ.

وَهَذَا لِأَنَّ الْبَائِعَ كَانَ مُنْكِرًا لِلْبَيْعِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِحُكْمِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُقِرِّ بِالْبَيْعِ فَيَتَنَاقَضُ كَلَامُهُ عِنْدَ النَّاسِ فَيَكُونُ كَاذِبًا عِنْدَهُمْ فَيَتَوَقَّاهُ حَذَرًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى إذَا أَجَازَهُ بِاخْتِيَارِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِمُبَاشَرَتِهِ وَلَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الْمُسَبِّبِ مَعَ وُجُودِ الْمُبَاشِرِ هَذَا إذَا شَهِدَا بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَشْهَدَا بِنَقْدِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَهِدَا بِنَقْدِ الثَّمَنِ مَعَ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِالْبَيْعِ يُنْظَرُ، فَإِنْ شَهِدَا بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ مَثَلًا فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ شَهِدَا عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ ضَمِنَا الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ تَقَرَّرَ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي بِالْقَضَاءِ ثُمَّ أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا بِالْقَبْضِ فَيَضْمَنَانِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ يَضْمَنَانِ الزِّيَادَةَ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ هَذَا الْقَدْرَ بِشَهَادَتِهِمَا الْأُولَى، وَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِيمَةُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالْبَيْعِ لَا بِوُجُوبِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالثَّمَنِ يُقَارِنُهُ مَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ وَهُوَ الْقَضَاءُ بِالْقَبْضِ، وَالْقَضَاءُ بِالشَّيْءِ إذَا اقْتَرَنَ بِهِ مَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ لَا يُقْضَى بِهِ وَلِهَذَا قُلْنَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْبَيْعِ، وَالْإِقَالَةِ دُفْعَةً وَاحِدَةً أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَشْتَغِلُ بِالْقَضَاءِ بِالْبَيْعِ لِاقْتِرَانِ مَا يُوجِبُ انْفِسَاخَهُ وَهُوَ الْقَضَاءُ بِالْإِقَالَةِ فَكَذَا هُنَا، وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِالشِّرَاءِ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا.

فَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَضْمَنَا لِلْمُشْتَرِي شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِعِوَضٍ لَا يَكُونُ إتْلَافًا فِي الْمَعْنَى عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ضَمِنَا مَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ الزَّائِدَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَضْمَنَانِهِ لَهُ وَكَذَا إذَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَجَازَ الْبَيْعُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَإِنْ جَازَ بِإِجَازَتِهِ لَا يَضْمَنَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي حَقِّ الْبَائِعِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَطْءِ ضَمِنَا نِصْفَ الْمَهْرِ) يَعْنِي إذَا شَهِدَا بِأَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لِلزَّوْجِ نِصْفَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُمَا أَكَّدَا عَلَيْهِ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ ارْتِدَادِهَا وَتَقْبِيلِ ابْنِ زَوْجِهَا ثَابِتٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُوجَدَ ذَلِكَ مِنْهَا فَيَسْقُطُ الْمَهْرُ بِهِ وَلِلتَّأْكِيدِ حُكْمُ الْإِيجَابِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا أَوْجَبَا عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا أَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ آخَرُ فِي يَدِهِ يَلْزَمُ الْآخِذَ الْجَزَاءُ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ قَرَّرَ عَلَيْهِ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِالتَّسْبِيبِ وَلِلتَّقْرِيرِ حُكْمُ الْإِيجَابِ وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مَعْنَى الْفَسْخِ فَلَا تُوجِبُ شَيْئًا إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ جِهَتِهِ وَهُمَا بِإِضَافَةِ الْفُرْقَةِ إلَيْهِ أَلْزَمَاهُ نِصْفَ الْمَهْرِ فَيَضْمَنَانِ لَهُ ذَلِكَ وَيُنْتَقَضُ هَذَا بِمَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي التَّحْرِيرِ إحْدَاهُمَا امْرَأَةٌ لَهَا عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلٌ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ حَالٌّ فَأَخَذَتْهُ مِنْهُ ثُمَّ ارْتَدَّتْ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَسُبِيَتْ ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ لَا يَضْمَنُونَ وَهَذَا الدَّيْنُ كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَى حَالِهِ لَسَقَطَ بِارْتِدَادِهَا، وَالثَّانِيَةُ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ امْرَأَةً قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ) وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُسْتَنْكَرُ عُرْفًا هُوَ الْأَصَحُّ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>