للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهَا زَوْجُهَا حَتَّى لَزِمَهُ جَمِيعُ الْمَهْرِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنْ وُجِدَ التَّأْكِيدُ مِنْهُ إذْ لَوْلَا قَتْلُهُ لَكَانَ احْتِمَالُ السُّقُوطِ ثَابِتًا وَلَكِنْ نَقُولُ الْقَتْلُ مِنْهُ لِلنِّكَاحِ، وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ، وَالدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ ثَابِتٌ فِي الْحَالِّ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ يَحِلُّ وَلَمْ يُؤَكِّدَا بِشَهَادَتِهِمَا شَيْئًا إذْ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ أَوْ نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ بِأَنَّ دَيْنَهَا يَسْقُطُ بَلْ يَكُونُ لِوَرَثَتِهَا وَتَقْضِي بِهِ دُيُونَهَا فَلَا يَسْقُطُ فَبَطَلَ السُّؤَالُ مِنْ الْأَصْلِ، وَالِابْنُ إذَا أَكْرَهَ امْرَأَةَ أَبِيهِ فَزَنَى بِهَا يَلْزَمُ أَبَاهُ نِصْفُ الْمَهْرِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الِابْنِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ بِإِكْرَاهِهِ إيَّاهَا أَلْزَمَ أَبَاهُ نِصْفَ الْمَهْرِ فَصَارَ نَظِيرَ الشُّهُودِ.

وَلَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ غَرِمُوا لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ وَلَمْ تَرِثْ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالْقَضَاءِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَلَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي حَيَاتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ وَقَعَتْ لَهُمْ وَضَمِنَا لِلْمَرْأَةِ نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ كَانَ مُؤَكَّدًا ظَاهِرًا بِالْمَوْتِ بِحَيْثُ لَا يَسْقُطُ بِمُسْقِطٍ وَكَذَا الْمِيرَاثُ كَانَ وَاجِبًا لَهَا بِمَوْتِهِ فَهُمَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ أَبْطَلَا عَلَيْهَا نِصْفًا مُؤَكَّدًا مِنْ الْمَهْرِ وَإِرْثًا ثَابِتًا بِالظَّاهِرِ فَيَضْمَنَانِ لَهَا ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَضْمَنَا لَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا بَعْدَمَا دَخَلَ بِهَا فَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ لَمْ يَضْمَنَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَأَكَّدَ بِالدُّخُولِ لَا بِشَهَادَتِهِمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَضْمَنَانِ لِلزَّوْجِ مَهْرَ الْمِثْلِ وَكَذَا إذَا قَتَلَهَا قَاتِلٌ يَضْمَنُ الْقَاتِلُ لِلزَّوْجِ مَهْرَ الْمِثْلِ عِنْدَهُ وَكَذَا إذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْرَمَ لِلزَّوْجِ نِصْفَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ حَالَ الدُّخُولِ حَتَّى لَا يُتَصَوَّرَ أَنْ يَتَمَلَّكَ بِلَا عِوَضٍ فَكَذَا عِنْدَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ عَيْنُ مَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ فَمِنْ ضَرُورَةِ تَقَوُّمِهِ فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ التَّقَوُّمُ فِي الْحَالَةِ الْأُخْرَى كَمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَنَا أَنَّ مِلْكَ الزَّوْجِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ اسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَ الْمُتْلِفُ بِالْوَطْءِ شَيْئًا حَتَّى لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْعُقْرُ لَهَا، وَلَوْ كَانَ مِلْكُهُ مُتَقَوِّمًا لَكَانَ لَهُ وَلَكَانَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ إنْسَانٍ كَمِلْكِ الْيَمِينِ وَلِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ شَرْطِهِ الْمُمَاثَلَةُ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْبُضْعِ وَالْمَالِ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا، وَأَمَّا عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ فَالْمُتَقَوِّمُ هُوَ الْمَمْلُوكُ دُونَ الْمِلْكِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ وَتَقَوُّمُهُ لِإِظْهَارِ خَطَرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ حَتَّى يَكُونَ مَصُونًا عَنْ الِابْتِذَالِ وَلَا يُمْلَكُ مَجَّانًا، فَإِنَّ مَا يُمْلَكُ مَجَّانًا لَا يَعْظُمُ خَطَرُهُ عِنْدَ إصَابَتِهِ وَذَلِكَ مَحَلٌّ لَهُ خَطَرٌ مِثْلُ النُّفُوسِ؛ لِأَنَّ النَّسْلَ يَحْصُلُ بِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَحْصُلُ فِي طَرَفِ الْإِزَالَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَتَمَلَّكُ عَلَى الزَّوْجِ شَيْئًا لَكِنْ يَسْقُطُ عَنْهَا مِلْكُ الزَّوْجِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ مَا هُوَ مَشْرُوطٌ لِمَعْنَى الْخَطَرِ عِنْدَ التَّمَلُّكِ كَالشُّهُودِ، وَالْوَلِيِّ لَا يُشْتَرَطُ شَيْءٌ مِنْهُ عِنْدَ الْإِزَالَةِ وَلِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ دُونَ الدُّخُولِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْلَعَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ عَلَى مَالِهَا مِنْ زَوْجِهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ عَلَى مَالِهِ بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ، فَإِنَّهُ مِلْكُ مَالٍ، وَالْمَالُ مِثْلٌ لِلْمَالِ فَعِنْدَ الْإِتْلَافِ يَضْمَنُ بِالْمَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَفِي الْعِتْقِ ضَمِنَا الْقِيمَةَ) أَيْ إذَا شَهِدَا بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِعِتْقِهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ ضَمِنَا قِيمَةَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَالْوَلَاءُ لِلَّذِي شَهِدَا عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَحَوَّلُ إلَيْهِمَا بِهَذَا الضَّمَانِ فَلَا يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ وَلَا يَمْتَنِعُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا بِثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ بَلْ هُوَ كَالنَّسَبِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لَحْمَةٌ كَلَحْمَةِ النَّسَبِ» فَلَا يَكُونُ الضَّمَانُ بَدَلًا عَنْهُ بَلْ عَمَّا أَتْلَفَا عَلَيْهِ مِنْ مِلْكِ الْمَالِ وَهَذَا الضَّمَانُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ إلَّا مِلْكَهُ وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَزِمَ مِنْهُ فَسَادُ مِلْكِ صَاحِبِهِ فَأَوْجَبَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ الْمُوَاسَاةَ صِلَةً، وَالصِّلَاتُ تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ دُونَ الْمُعْسِرِ كَالزَّكَاةِ وَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ.

وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ دَبَّرَهُ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا مَا نَقَصَهُ التَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا لِلْعَبْدِ حَقَّ الْعِتْقِ وَبِذَلِكَ تُنْتَقَصُ مَالِيَّتُهُ، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَيَضْمَنَانِ لِلْوَرَثَةِ بَقِيَّةَ قِيمَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سَوَاءٌ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَسَعَى فِي ثُلُثَيْهِ وَيَضْمَنَانِ لِلْوَرَثَةِ ثُلُثَ قِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُعْسِرًا يَضْمَنَانِ جَمِيعَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَيَرْجِعَانِ بِهِ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدَهُ فَقَضَى بِالْكِتَابَةِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ كُلَّهَا؛ لِأَنَّهُمَا حَالَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ فَصَارَا كَالْغَاصِبِ لَهُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ ثُمَّ الشَّاهِدَانِ يَتْبَعَانِ الْمُكَاتَبَ بِالْكِتَابَةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَضْمَنَا لَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَقَدْ دَخَلَ بِهَا وَقَضَى الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا إلَّا مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْمَهْرِ إتْلَافٌ بِعِوَضٍ وَهُوَ اسْتِيفَاءُ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ إنْ كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى ضَمِنَا النِّصْفَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مُسَمًّى يَضْمَنَانِ الْمُتْعَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِمُقَابَلَةِ عِوَضٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>