أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذَا خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ صَرْفُ الدِّرْهَمِ فِي عَشْرَةِ أَرْطَالٍ مِنْ اللَّحْمِ، وَقَدْ صَرَفَهُ فِيهِ مَعَ زِيَادَةِ خَيْرٍ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ كَمَا إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى مَا يُسَاوِي عِشْرِينَ رِطْلًا مِنْهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ حَيْثُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَهُ إلَى شَرٍّ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ تَنَاوَلَ لَحْمًا يُسَاوِي عَشْرَةَ أَرْطَالٍ مِنْهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَشْرَةٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَيَنْفُذُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ وَالْعَشَرَةُ عَلَى الْآمِرِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ فِيهِ بَدَلُ مِلْكِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا هَرَوِيًّا بِعَشْرَةٍ فَاشْتَرَى لَهُ ثَوْبَيْنِ هَرَوِيَّيْنِ بِعَشْرَةٍ يُسَاوِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ حَيْثُ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ إذْ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْحَزْرِ وَكَذَا الْمُشْتَرِي لِلْمُوَكِّلِ مَجْهُولٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ اللَّحْمِ، فَإِنَّهُ مَوْزُونٌ مُقَدَّرٌ فَيَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَى أَجْزَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُوَافِقًا بِمِثْلِهِ عِنْدَهُ كَمَا إذَا أَمَرَ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا حَيْثُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَهُ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَ الشُّهُودُ بِمِثْلِ هَذَا الِاخْتِلَافِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِلِاخْتِلَافِ؛ لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ فِيهَا شَرْطٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَاكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا عَلَى الْوَكِيلِ، وَأَمَّا إذَا وَجَدَ فَيَنْفُذُ وَفِي ضِمْنِهِ يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ وَهَذَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا وَالْعَشَرَةُ دَاخِلَةٌ فِي الْعِشْرِينَ فَبِنُفُوذِ الْعِشْرِينَ تَنْفُذُ الْعَشَرَةُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَالشَّهَادَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَنْفُذُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلَا عَلَى الْمُوَكِّلِ لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُوَافَقَةُ شَرْطٌ فِيهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ) مَعْنَاهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ بَلْ لَوْ اشْتَرَاهُ يَنْوِي بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ أَوْ تَلَفَّظَ بِذَلِكَ يَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ عَزْلَ نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ، وَالْمُوَكِّلُ غَائِبٌ حَتَّى (لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ) كَانَ الْمُشْتَرِي لَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرًا لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ نَفْسَ الْعَبْدِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لَهُ مِنْ مَوْلَاهُ أَوْ وَكَّلَ الْعَبْدُ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَهُ لَهُ مِنْ مَوْلَاهُ فَاشْتَرَى حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْآمِرِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِلْمَوْلَى أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ فِيهِمَا لِلْآمِرِ مَعَ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً مُعَيَّنَةً حَيْثُ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الَّذِي أَتَى بِهِ الْوَكِيلُ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْوَكَالَةِ نِكَاحٌ مُضَافٌ إلَى الْمُوَكِّلِ فَكَانَ مُخَالِفًا بِإِضَافَتِهِ إلَى نَفْسِهِ فَانْعَزَلَ، وَفِي الْوَكَالَةِ بِالشِّرَاءِ الدَّاخِلِ فِيهَا شِرَاءٌ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْإِضَافَةِ إلَى أَحَدٍ فَكُلُّ شَيْءٍ أَتَى بِهِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا بِهِ إذْ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُطَلَّقَاتِ إلَّا ذَاتُهُ دُونَ صِفَاتِهِ فَيَتَنَاوَلُ الذَّاتَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ فَيَكُونُ مُوَافِقًا بِذَلِكَ حَتَّى لَوْ خَالَفَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْآمِرِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ قَدْرُهُ كَانَ مِثْلَهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ وَكَّلَهُ رَجُلٌ آخَرُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ لَهُ كَانَ لِلْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ الشِّرَاءَ لِغَيْرِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ النُّقُودِ أَوْ بِخِلَافِ مَا سُمِّيَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَقَعَ لِلْوَكِيلِ)؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَهُ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ فَيَنْعَزِلُ فِي ضِمْنِ الْمُخَالَفَةِ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ هَذَا الْوَكِيلُ رَجُلًا فَاشْتَرَاهُ وَكِيلُهُ وَهُوَ غَائِبٌ كَانَ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِحَضْرَتِهِ نَفَذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا يُمْكِنُ نَقْلُ كَلَامِهِ إلَيْهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَائِبًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
« وَكَّلَ عُرْوَةَ الْبَارِقِيَّ لِيَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً وَاشْتَرَى شَاتَيْنِ فَأَجَازَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ» وَلِأَنَّهُ أَمَرَ الْوَكِيلَ بِصَرْفِ الدِّرْهَمِ فِي اللَّحْمِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ سِعْرَ اللَّحْمِ عَشَرَةٌ بِدِرْهَمٍ، فَإِذَا زَادَ فَقَدْ فَعَلَ خَيْرًا فَلَزِمَ الْآمِرَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ خَالَفَهُ إلَى شَرٍّ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ السَّمِينِ لَا الْمَهْزُولِ وَهَذَا مَهْزُولٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَنْفُذُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ وَالْعَشَرَةُ عَلَى الْآمِرِ) وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْنَا الزِّيَادَةُ الْقَلِيلَةُ كَعَشَرَةِ أَرْطَالٍ وَنِصْفِ رِطْلٍ حَيْثُ يَلْزَمُ الْجَمِيعَ الْآمِرُ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ فَلَا يَتَحَقَّقُ حُصُولُ الزِّيَادَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ إلَخْ) ذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ وَقَالَ: إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا هَرَوِيًّا بِعَشَرَةٍ فَاشْتَرَى لَهُ هَرَوِيَّيْنِ بِعَشَرَةٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُسَاوِي عَشَرَةً قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنِّي لَا أَدْرِي أَيَّهُمَا أُعْطِيهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْعَشَرَةِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ وَنَقَلَهُ عَنْ الْمُنْتَقَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ جَوَابِ إشْكَالُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ) الْفَرْضُ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ يُسَاوِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَشَرَةً فَكَيْفَ يُقَالُ بَعْدَ ذَلِكَ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ) وَهَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الثَّمَنَ أَمَّا إذَا عَيَّنَ فَخَالَفَ فَسَيَأْتِي اهـ (قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ فِيهِ الْغَدْرُ بِالْمُسْلِمِ وَهُوَ حَرَامٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ يَشْتَرِيهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ يَلْزَمُ مِنْهُ إخْرَاجُهُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ فَسْخُ عَقْدٍ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ صَاحِبِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ عَزْلُهُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ يَقَعُ شِرَاؤُهُ عَنْ الْمُوَكِّلِ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ لِنَفْسِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ اشْتَرَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ إنْ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا خَالَفَ فِي الثَّمَنِ لَا إلَى خَيْرٍ أَوْ إلَى جِنْسٍ غَيْرِ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُوَكِّلُ، وَإِذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ بِالشِّرَاءِ فَاشْتَرَاهُ لَهُ صَحَّ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ بِخِلَافِ مَا سَمَّى لَهُ مِنْ الثَّمَنِ) كَمَا إذَا وَكَّلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute