وَبِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ الثَّانِي أَوْ أَعْتَقَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ وَإِنْ حَضَرَهُ رَأْيُهُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ كَالرَّسُولِ فَلَا يَتَصَرَّفُ مِنْ عِنْدِهِ بِشَيْءٍ بَلْ يُبَلِّغُ الرِّسَالَةَ، فَإِذَا تَصَرَّفَ فَقَدْ خَالَفَ فَلَا يَنْفُذُ، وَالْوَكِيلُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ وَهُوَ أَصِيلٌ فِيهِ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَلِهَذَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ تَوْكِيلٍ مِنْهُ فَأَجَازَهُ الْوَكِيلُ جَازَ وَفِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَمْ يَجُزْ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلَعُ وَالْكِتَابَةُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِيمَا ذَكَرْنَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَالشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِهِ) أَيْ إنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَى عَبْدًا فَهُوَ لِلْوَكِيلِ إلَّا إذَا قَالَ نَوَيْت الشِّرَاءَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِهِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِهِ أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَيْهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ إمَّا أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى ثَمَنٍ مُعَيَّنٍ أَوْ إلَى مُطْلَقٍ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مُعَيَّنٍ كَانَ الْمُشْتَرَى لِصَاحِبِ ذَلِكَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُضِيفُ الشِّرَاءَ إلَى مَالِ مَنْ يَشْتَرِيهِ لَهُ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الثَّمَنَ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَيَّنُ لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةَ التَّعَيُّنِ مِنْ حَيْثُ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ بِهِ وَتَعَيُّنُ قَدْرِهِ وَوَصْفِهِ وَلِهَذَا لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ إذَا اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ وَدِينُهُ يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى مَالِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا وَعَادَةً فَلَا يَرْتَكِبُهُ وَقَدْ جَرَى الْعُرْفُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى لِنَفْسِهِ أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى مَالِهِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُسْتَنْكَرٍ شَرْعًا وَعُرْفًا فَيَكُونُ الْمُشْتَرَى لِمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الثَّمَنَ وَإِنْ نَوَى خِلَافَ ذَلِكَ جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الْعُرْفِ وَالشَّرْعِ ثُمَّ إذَا نَقَدَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ فِيمَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى ثَمَنٍ مُطْلَقٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا.
فَإِنْ كَانَ حَالًّا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ عَلَى عَدَمِهَا أَوْ يَخْتَلِفَا فِيهِ، فَإِنْ كَانَ حَالًّا وَاتَّفَقَا عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ لِأَحَدِهِمَا كَانَ لِمَنْ نُوِيَ لَهُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِاتِّفَاقِهِمَا كَالثَّابِتِ عِيَانًا وَاتِّفَاقُهُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى النَّقْدِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُوَكِّلِ، فَإِذَا عَيَّنَهُ بِنِيَّتِهِ فَقَدْ تَعَيَّنَ وَيَكُونُ بِالنَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ غَاصِبًا فِيمَا إذَا نَوَاهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي النِّيَّةِ يُحَكَّمُ النَّقْدُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى التَّعْيِينِ مِثْلُ دَلَالَةِ إضَافَةِ الشِّرَاءِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ شَرْعًا أَوْ يَجْرِيَ عَلَى عَوَائِدِهِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ لِلْعَاقِدِ؛ لِأَنَّ مَا يُطْلِقُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ يَكُونُ لِنَفْسِهِ فَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ إذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يَنْوِ أَنَّهُ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَكَّمُ النَّقْدُ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ التَّقْيِيدَ فَبَقِيَ مَوْقُوفًا فَمِنْ أَيِّ الْمَالَيْنِ نَقَدَ فَقَدْ عَيَّنَ الْمُحْتَمَلَ بِهِ فَصَارَ كَحَالَةِ التَّكَاذُبِ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ، فَإِنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ وَهُوَ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِالنِّيَّةِ فَكَانَ مَأْمُورًا بِأَنْ يَنْوِيَ الْحَجَّ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ كَانَ مُخَالِفًا، وَأَمَّا الْمُعَامَلَاتُ فَالنِّيَّةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهَا فَلَا يَصِيرُ بِتَرْكِهَا مُخَالِفًا فَيَبْقَى الْحُكْمُ مَوْقُوفًا عَلَى النَّقْدِ وَالتَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ فِي الطَّعَامِ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ حَتَّى يُحَكِّمَ أَوَّلًا الْإِضَافَةَ فَيَكُونُ الْمُسْلَمُ فِيهِ لِمَنْ أُضِيفَ عَقْدُ السَّلَمِ إلَى مَالِهِ ثُمَّ النِّيَّةُ فَيَكُونُ لِمَنْ نُوِيَ لَهُ بِالْعَقْدِ إنْ تَصَادَقَا عَلَى النِّيَّةِ.
وَإِنْ تَكَاذَبَا فَيُحَكَّمُ النَّقْدُ، وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ فَعَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ اهـ ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي مَسَائِلِ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِعْتَاقِ، وَإِذَا وَكَّلَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَتَاقِ فَطَلَّقَ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ أَعْتَقَ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ عِبَارَتُهُ فِي أَوَّلِ وَكَالَةِ الْعُيُونِ وَفِي مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ النَّوَازِلِ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ الْوَكِيلُ رَجُلًا فَطَلَّقَ الثَّانِي لَا يَقَعُ، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَفَعَلَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ أَوْ فَعَلَ أَجْنَبِيٌّ ذَلِكَ فَبَلَغَ الْوَكِيلَ فَأَجَازَ ذَلِكَ يَجُوزُ. إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَكَالَةَ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَى الْغَيْرِ لِيَعْمَلَ فِيهِ بِرَأْيِهِ، فَإِذَا كَانَ الْوَكِيلُ الثَّانِي فَعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وُجِدَ رَأْيُ الْأَوَّلِ وَكَذَا إذَا فَعَلَ أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَهُ الْوَكِيلُ ثُمَّ حَقِيقَةُ الْوَكَالَةِ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِيمَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالْإِجَارَةِ وَلَا تَتَحَقَّقُ فِيمَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِغَيْرِ مَالٍ فَكَانَ الْوَكِيلُ رَسُولًا يَنْقُلُ كَلَامَ الْمُوَكِّلِ، وَطَلَاقُ الْوَكِيلِ الثَّانِي وَعَتَاقُهُ لَيْسَ بِطَلَاقِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَقَعْ نَقْلًا لِكَلَامِ الْمُوَكِّلِ، وَالْمُوَكِّلُ إنَّمَا وَكَّلَ بِنَقْلِ كَلَامِهِ فَلِأَجْلِ هَذَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُ الْوَكِيلِ الثَّانِي وَعَتَاقُهُ، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَالشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ) قَالَ فِي التَّهْذِيبِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ إنَّمَا يَصِيرُ لِلْمُوَكِّلِ بِنِيَّةِ الْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ بِصَرِيحِ ذِكْرِهِ أَوْ يَشْتَرِي بِمَالِهِ وَلَوْ اشْتَرَى بِغَيْرِ مَالِهِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ اهـ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ يَشْتَرِيهِ بِمَالِهِ أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَيْهِ) لَا الدَّفْعَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ ثُمَّ نَقَدَ، فَإِنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْمُوَكِّلِ يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ، وَإِنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْوَكِيلِ يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ اهـ غَايَةٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ إلَى مَالِ الْمُوَكِّلِ فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ أَوْ يُطْلِقَ فِي أَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ كَمَا يَأْتِي ذَلِكَ صَرِيحًا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ آخِرَ هَذِهِ الصَّفْحَةِ فِي قَوْلِهِ فَيَكُونَ الْمُشْتَرَى لِمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الثَّمَنَ، وَإِنْ نَوَى خِلَافَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي النِّيَّةِ) فَقَالَ الْمُوَكِّلُ: اشْتَرَيْتَهُ لِي وَقَالَ الْوَكِيلُ اشْتَرَيْتُهُ لِنَفْسِي اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute