للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يَشْتَرِ حَتَّى رَدَّ الشِّرَاءَ نَفَذَ عَلَى الْمَأْمُورِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الشِّرَاءَ يَتَحَقَّقُ فِيهِ التُّهْمَةُ دُونَ الْبَيْعِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ يُصَادِفُ مِلْكَهُ فَيَصِحُّ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ إطْلَاقُهُ وَالْأَمْرُ بِالشِّرَاءِ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَلَمْ يَصِحَّ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى شِرَاءِ الْبَاقِي وَلَا يُقَالُ: إنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَبِكَيْفَ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالتَّوَقُّفِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا لَا يَتَوَقَّفُ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْ فَيَتَوَقَّفُ كَشِرَاءِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمَا لِغَيْرِهِمَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ مَنْ اُشْتُرِيَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا عَلَى الْمُشْتَرِي فَكَذَا هُنَا شِرَاءُ النِّصْفِ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ لِعَدَمِ النَّفَاذِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُخَالِفًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَافِقْ أَمْرَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَقُلْنَا بِالتَّوَقُّفِ.

فَإِنْ اشْتَرَى بَاقِيَهُ لَزِمَ الْآمِرَ وَإِلَّا لَزِمَ الْمَأْمُورَ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْآمِرُ فِي زَمَنِ التَّوَقُّفِ نَفَذَ عِتْقُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْمَأْمُورِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَالَفَ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْخِلَافَ يُتَوَهَّمُ رَفْعُهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ فَقَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بَقِيَ مُخَالِفًا، فَإِذَا أَعْتَقَهُ الْآمِرُ لَمْ يَنْفُذْ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: إنَّ الْعَقْدَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَجَازَ صَرِيحًا نَفَذَ عَلَيْهِ، وَالْإِعْتَاقُ إجَازَةٌ مِنْهُ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْفُذُ إعْتَاقُ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَنَاوَلَتْ مَحِلًّا بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَمْلِكْ الْوَكِيلُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى إجَازَتِهِ فَلَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْعَيْبِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ رَدَّهُ عَلَى الْآمِرِ وَكَذَا بِإِقْرَارٍ فِيمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ)؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ وَالْوَكِيلُ مُضْطَرٌّ فِي النُّكُولِ لِعَدَمِ مُمَارَسَتِهِ الْمَبِيعَ فَلَزِمَ الْآمِرَ وَإِقْرَارُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِنَّمَا يَرُدُّهُ عَلَيْهِ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَعْلَمُ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ مُسْتَنِدًا إلَى الْإِقْرَارِ وَلَا إلَى الْبَيِّنَةِ وَالنُّكُولِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعَيْبَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ حَادِثًا كَالسِّنِّ الزَّائِدَةِ وَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ أَوْ يَكُونَ حَادِثًا لَكِنَّهُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ يَحْدُثُ فِي مِثْلِهَا، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ حَادِثٍ رَدَّهُ الْقَاضِي بِغَيْرِ حُجَّةٍ مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ أَوْ إقْرَارٍ وَكَذَا إذَا كَانَ حَادِثًا لَكِنَّهُ لَا يَحْدُثُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ رَدَّهُ الْقَاضِي بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا نُكُولٍ وَلَا إقْرَارٍ لِعِلْمِهِ بِكَوْنِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَتَأْوِيلُ اشْتِرَاطِ الْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ أَوْ الْإِقْرَارِ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْحَالَ قَدْ يَشْتَبِهُ عَلَى الْقَاضِي بِأَنْ لَا يَعْرِفَ تَارِيخَ الْبَيْعِ فَاحْتَاجَ إلَى هَذِهِ الْحُجَّةِ لِيَظْهَرَ التَّارِيخُ أَوْ كَانَ عَيْبًا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْأَطِبَّاءُ أَوْ النِّسَاءُ وَقَوْلُهُمْ حُجَّةٌ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا فِي الرَّدِّ فَيَفْتَقِرُ إلَيْهَا لِلرَّدِّ حَتَّى لَوْ كَانَ الْقَاضِي عَايَنَ الْبَيْعَ وَكَانَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ عَيْبًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إنْ كَانَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ، وَكَذَا النُّكُولُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا رَدُّ الْقَاضِي عَلَى الْوَكِيلِ يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ.

وَإِنْ رَدَّهُ عَلَيْهِ فِي هَذَا النَّوْعِ بِإِقْرَارٍ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ فَلَا يَتَعَدَّى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ فَيَرُدَّهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةِ أَوْ بِنُكُولِهِ، وَإِنْ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِرِضَاهُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ إقَالَةٌ وَهِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْمُوَكِّلُ ثَالِثُهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِقَضَاءِ قَاضٍ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ حَصَلَ بِالْقَضَاءِ فَكَانَ مُكْرَهًا فَانْعَدَمَ التَّرَاضِي وَهُوَ شَرْطٌ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ فَجُعِلَ فَسْخًا فِي حَقِّ الْكُلِّ وَلَكِنَّ الْفَسْخَ اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ قَاصِرٍ وَهُوَ الْإِقْرَارُ فَعَمِلْنَا بِهِمَا فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الرَّدَّ فَسْخٌ كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ قَاصِرٍ لَزِمَ الْوَكِيلَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ حُجَّةً عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ غَيْرَ حَادِثٍ أَوْ كَانَ حَادِثًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَرَدَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ بِإِقْرَارِهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَزِمَ الْوَكِيلَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ فِي عَامَّةِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ.

وَذَكَرَ فِي الْبُيُوعِ أَنَّهُ يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُمَا فَعَلَا عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي لَوْ رُفِعَ إلَيْهِ إذْ لَا يُكَلِّفُهُ الْقَاضِي إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا إلَى الْحَلِفِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ بِلَا حُجَّةٍ فَكَانَ الْحَقُّ مُتَعَيِّنًا فِي الرَّدِّ قُلْنَا: الرَّدُّ بِالتَّرَاضِي بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْمُوَكِّلُ ثَالِثُهُمَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَقَّ مُتَعَيِّنٌ فِي الرَّدِّ بَلْ يَثْبُتُ حَقُّهُ أَوَّلًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلَهُ فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْآمِرُ فِي زَمَنِ التَّوَقُّفِ نَفَذَ عِتْقُهُ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّقْرِيبِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا فَاشْتَرَى نِصْفَهُ جَازَ عِتْقُ الْآمِرِ فِيهِ وَلَمْ يَجُزْ عِتْقُ الْوَكِيلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ عِتْقُ الْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ: وَتَأْوِيلُ اشْتِرَاطِ الْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ أَوْ الْإِقْرَارِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَإِنَّمَا شَرَطَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْبَيِّنَةَ أَوْ الْإِبَاءَ أَوْ الْإِقْرَارَ لِاشْتِبَاهِ الْأَمْرِ عَلَى الْقَاضِي بِأَنَّ الْعَيْبَ قَدِيمٌ أَمْ لَا أَوْ يَعْلَمُ الْقَاضِي يَقِينًا أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْعَيْبِ لَا يَحْدُثُ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ مَثَلًا وَلَكِنَّهُ لَا يَعْلَمُ تَارِيخَ الْبَيْعِ مَتَى كَانَ فَيَحْتَاجُ الْمُشْتَرِي إلَى وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْحُجَجِ عَلَى أَنَّ تَارِيخَ الْبَيْعِ مُنْذُ شَهْرٍ حَتَّى يَظْهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيَرُدُّ الْمَبِيعَ عَلَيْهِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>