فَيَتَقَيَّدُ بِهَا وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الْإِطْلَاقِ فِي الشِّرَاءِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ لَاشْتَرَاهُ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ وَبِزِيَادَةٍ فَيَلْحَقُهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ إطْلَاقِ الْآمِرِ فِيهِ فَافْتَرَقَا وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الشِّرَاءُ بِالنَّقْدَيْنِ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ بِهِ يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ الْمَوْصُوفُ مِنْهُ ثَمَنٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُعَيَّنًا ثُمَّ قَدَّرَ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ هُنَا بِمَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ وَمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَاحِشٌ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ فَيُعْذَرُ فِيمَا يَشْتَبِهُ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَا يُعْذَرُ فِيمَا لَا يَشْتَبِهُ لِفُحْشِهِ وَلِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي مِثْلِهِ عَادَةً إلَّا عَمْدًا وَقِيلَ حَدُّ الْفَاحِشِ فِي الْعُرُوضِ نِصْفُ عُشْرِ الْقِيمَةِ وَفِي الْحَيَوَانِ عُشْرُ الْقِيمَةِ وَفِي الْعَقَارِ خُمُسُ الْقِيمَةِ وَفِي الدَّرَاهِمِ رُبُعُ عُشْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْغَبْنَ يَحْصُلُ لِقِلَّةِ الْمُمَارَسَةِ فِي التَّصَرُّفِ فَكُلَّمَا كَانَتْ الْمُمَارَسَةُ فِيهِ أَقَلَّ كَانَ الْغَبْنُ فِيهِ أَكْثَرَ فَيُعْفَى عَنْ التَّفَاوُتِ بِحَسَبِ الْمُمَارَسَةِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَفِي النِّهَايَةِ جَعَلَ هَذَا الْقَدْرَ مَعْفُوًّا وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَقِيلَ لَا يَتَحَمَّلُ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ أَيْضًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ سِعْرُهُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بَيْنَ النَّاسِ وَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْمَوْزِ وَالْجُبْنِ لَا يُعْفَى فِيهِ الْغَبْنُ، وَإِنْ قَلَّ، وَلَوْ كَانَ فَلْسًا وَاحِدًا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ صَحَّ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ الِاجْتِمَاعِ فَيَجُوزُ مُطْلَقًا مُجْتَمِعًا وَمُتَفَرِّقًا فَصَارَ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ كُلَّهُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الثَّمَنِ جَازَ عِنْدَهُ فَبِنِصْفِهِ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرَ الشَّرِكَةِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَادٍ أَوْ هُوَ عَيْبٌ وَيُنْتَقَصُ بِهِ الْقِيمَةُ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا؛ لِأَنَّ بَيْعَ النِّصْفِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الِامْتِثَالِ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَشْتَرِيهِ جُمْلَةً فَيَحْتَاجُ إلَى التَّفْرِيقِ فَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِبَيْعِ الْبَاقِي بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي تَبْعِيضِهِ وَلَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِذَلِكَ. قُلْنَا: ضَرَرُ الشَّرِكَةِ أَهْوَنُ مِنْ ضَرَرِ بَيْعِ الْكُلِّ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الشِّرَاءِ يَتَوَقَّفُ مَا لَمْ يَشْتَرِ الْبَاقِيَ) أَيْ فِي الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ إذَا اشْتَرَى نِصْفَهُ يَتَوَقَّفُ شِرَاؤُهُ، فَإِنْ اشْتَرَى بَاقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا لَزِمَ الْمُوَكِّلَ وَإِلَّا لَزِمَ الْوَكِيلَ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْبَعْضِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الْإِمْسَاكِ بِأَنْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى شِرَاءِ كُلِّهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَيَحْتَاجُ إلَى شِرَائِهِ شِقْصًا فَشِقْصًا حَتَّى يَشْتَرِيَ الْكُلَّ، فَإِذَا اشْتَرَى الْكُلَّ قَبْلَ رَدِّ الْآمِرِ الشِّرَاءَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ فَيَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ، وَإِنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
لِعُمُومِ الْأَمْرِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي النِّهَايَةِ جَعَلَ هَذَا الْقَدْرَ مَعْفُوًّا) وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْمَجْمَعِ فَقَالَ: وَيَجُوزُ لِلْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ الْعَقْدُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَزِيَادَةٍ يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهَا كَنِصْفِ دِرْهَمٍ فِي عَشَرَةٍ فِي الْعُرُوضِ وَدِرْهَمٍ فِي الْحَيَوَانِ وَدِرْهَمَيْنِ فِي الْعَقَارِ قَالَ شَارِحُهُ هَذَا بَيَانٌ لِلْغَبْنِ الْيَسِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَاَلَّذِي لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ وَقِيلَ فِي الْعُرُوضِ دَهٍ نُيَمّ وَفِي الْحَيَوَانِ دَهٍ يازده وَفِي الْعَقَارِ دَهٍ دوايزده لِأَنَّ التَّصَرُّفَ يَكْثُرُ وُجُودُهُ فِي الْأَوَّلِ وَيَقِلُّ فِي الْأَخِيرِ وَيَتَوَسَّطُ فِي الْأَوْسَطِ وَكَثْرَةُ الْغَبْنِ لِقِلَّةِ التَّصَرُّفِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ هَذَا كُلُّهُ إلَخْ) أَيْ جَوَازُ عَقْدِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا اهـ وَقَوْلُهُ هَذَا كُلُّهُ نَقَلَهُ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ الْإِمَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ فِي بُيُوعِ التَّتِمَّةِ وَبِهِ يُفْتِي. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ) أَيْ أَوْ جُزْءًا مَعْلُومًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَيَجُوزُ مُجْتَمِعًا وَمُتَفَرِّقًا) سَوَاءٌ بَاعَ الْبَاقِيَ مِنْهُ أَوْ لَمْ يَبِعْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ كُلَّهُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الثَّمَنِ جَازَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ بِمَا قَلَّ وَكَثُرَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا) أَيْ فَهُمَا جَعَلَاهُ كَالشِّرَاءِ وَهُوَ فَرْقُ بَيْنَهُمَا. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَهُمَا اسْتِحْسَانًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُ الْعُمُومَ وَالْإِطْلَاقَ فِي التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَأَمَّا فِي التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَيَعْتَبِرُ الْمُتَعَارَفَ الَّذِي لَا ضَرَرَ فِيهِ وَلَا تُهْمَةَ وَعِنْدَهُمَا كِلَاهُمَا سَوَاءٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفِي الشِّرَاءِ يَتَوَقَّفُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ قُلْت فِيهِ خِلَافَ زُفَرَ وَالثَّلَاثَةُ، فَإِنَّ عِنْدَهُمْ لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ إلَّا فِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: فَإِنْ ابْتَاعَ الْبَاقِيَ مِنْهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ لَزِمَ الْآمِرَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ دُونَ الْآمِرِ وَلَوْ اخْتَصَمَ الْوَكِيلُ مَعَ الْمُوَكِّلِ إلَى الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَكِيلُ الْبَاقِيَ وَأَلْزَمَ الْقَاضِي الْوَكِيلَ ثُمَّ إنَّ الْوَكِيلَ اشْتَرَى الْبَاقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي فِي تَبْعِيضِهَا مَضَرَّةٌ وَيَكُونُ التَّشْقِيصُ فِيهِ عَيْبًا كَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءٍ لَيْسَ فِي تَبْعِيضِهِ مَضَرَّةٌ وَلَا يَكُونُ التَّبْعِيضُ فِيهِ عَيْبًا فَاشْتَرَى بَعْضَهُ لَزِمَ الْآمِرَ نَحْوُ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِشِرَاءِ كُرٍّ مِنْ حِنْطَةٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى نِصْفَ الْكُرِّ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَزِمَ الْآمِرَ وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ فَاشْتَرَى لَهُ أَحَدَهُمَا لَزِمَ الْآمِرَ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعَدَدِيِّ فَاشْتَرَى وَاحِدًا مِنْهَا لَزِمَ الْآمِرَ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute