للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَحَمْلُهُ عَلَى الْحَوَالَةِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتْوَى فِيهَا بِمَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا بَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُحِيلِ، وَإِنَّمَا يَتْوَى بِمَوْتِهِمَا مُفْلِسَيْنِ فَصَارَ كَالْكَفَالَةِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالتَّوَى تَوًى مُضَافٌ إلَى أَخْذِهِ الْكَفِيلَ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْمُرَافَعَةِ إلَى حَاكِمٍ يَرَى بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ عَنْ الدَّيْنِ بِالْكَفَالَةِ وَلَا يَرَى الرُّجُوعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَوْتِهِ مُفْلِسًا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مَالِكِيًّا وَيَحْكُمَ بِهِ ثُمَّ يَمُوتَ الْكَفِيلُ مُفْلِسًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَتَصَرَّفُ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ وَحْدَهُ)؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لَا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ كَانَ الْبَدَلُ مُقَدَّرًا؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَفِي اخْتِيَارِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا فِي تَصَرُّفٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَأَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا فِيهِ وَكَانَ تَوْكِيلُهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا مَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ لَا يُمْكِنُ الِاجْتِمَاعُ فِيهِ كَالْخُصُومَةِ جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ دُونَ صَاحِبِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ تَوْكِيلُهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ وَقْتَ تَوْكِيلِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَصِيَّيْنِ إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَلَامٍ عَلَى حِدَةٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ صَارَا وَصِيَّيْنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَالْوَكَالَةُ حُكْمُهَا يَثْبُتُ بِنَفْسِ التَّوْكِيلِ

فَإِذَا أُفْرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ اسْتَبَدَّ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ وَإِذَا وَكَّلَهُمَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ لَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا وَالْآخَرُ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ، فَإِنْ أَجَازَهُ صَاحِبُهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ كَانَ غَائِبًا فَأَجَازَهُ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ لَمْ يَجُزْ لِلْآخَرِ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَحْدَهُ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إلَّا فِي خُصُومَةٍ وَطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ بِلَا بَدَلٍ وَرَدِّ وَدِيعَةٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ وَالْخُصُومَةِ، وَإِنْ كَانَ يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ لَكِنَّ اجْتِمَاعَهُمَا فِي التَّكَلُّمِ فِي مَجْلِسٍ الْقَاضِي مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّلْبِيسِ عَلَى الْقَاضِي وَإِلَى الشَّغَبِ، وَالرَّأْيُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ سَابِقًا عَلَى الْخُصُومَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ صَاحِبِهِ وَقْتَ الْخُصُومَةِ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِالتَّوَى إلَخْ) أَخَذَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا مِنْ الْكَافِي فَقَدْ قَالَ فِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَتْوَى الْمَالَ عَلَى الْكَفِيلِ بِأَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى قَاضٍ يَرَى بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ بِنَفْسِ الْكَفَالَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فَيَحْكُمُ بِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ فَتْوَى الْمَالَ عَلَى الْكَفِيلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَكَانَ تَوْكِيلُهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وُكِّلَا فِيهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالُوا هَذَا إذَا وَكَّلَهُمَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ دُفْعَةً وَاحِدَةً بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتُكُمَا بِبَيْعِ عَبْدِي وَخُلْعِ امْرَأَتِي أَمَّا إذَا وَكَّلَهُمَا بِكَلَامَيْنِ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَلَّطٌ عَلَى الْبَيْعِ وَالْخُلْعِ بِانْفِرَادِهِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْوَكِيلَيْنِ بِالْمُبَادَلَةِ إذَا فَعَلَ أَحَدُهُمَا بِالْمُبَادَلَةِ دُونَ صَاحِبِهِ لَمْ يَجُزْ وَلَا يَنْفُذُ حَتَّى يُجِيزَهُ الْوَكِيلُ الْآخَرُ أَوْ الْمُوَكِّلُ وَلَا يَجُوزُ فِعْلُ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ تَتَعَلَّقُ بِالرَّأْيِ وَالْمَشُورَةِ وَقَدْ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا وَمَشُورَتِهِمَا وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ مُسَمًّى أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى وَالْوَكِيلُ الْآخَرُ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ إلَّا أَنَّ فِي الشِّرَاءِ يَنْفُذُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ لَا يَتَوَقَّفُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ أَوْ الْوَكِيلِ وَكَذَا الْوَكِيلَانِ بِالتَّزْوِيجِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ عَلَى مَالٍ إذَا فَعَلَهُ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ حَتَّى يُجِيزَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ الْوَكِيلُ الْآخَرُ وَأَمَّا الْوَكِيلَانِ بِالْعِتْقِ عَلَى غَيْرِ مَالٍ وَالْوَكِيلَانِ بِالطَّلَاقِ عَلَى غَيْرِ مَالٍ فَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يَعْتِقَ وَيُطَلِّقَ وَكَذَا الْوَكِيلَانِ بِالْخُصُومَةِ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُخَاصِمَ إلَّا أَنَّهُ إذَا انْتَهَى إلَى قَبْضِ الْمَالِ لَا يَجُوزُ قَبْضُ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا لِأَنَّ الْخُصُومَةَ مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِيهَا اثْنَانِ بِالِاجْتِمَاعِ وَالْقَبْضِ مِمَّا يَتَأَتَّى فِيهِ الِاجْتِمَاعُ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ بِتَسْلِيمِ مَا وَهَبَ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا صَحَّتْ الْهِبَةُ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَسَلَّمَ الْمَالَ إلَيْهِمَا فَقَضَاهُ أَحَدُهُمَا جَازَ

وَأَمَّا الْوَصِيَّانِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا التَّصَرُّفُ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَالْوَكِلَيْنِ بِالْبَيْعِ إلَّا فِي أَشْيَاءَ مَعْرُوفَةٍ فَذَكَرَهَا فِي الْوَصَايَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ عَلَى حِدَةٍ وَلَوْ دَفَعَ مَالَهُ إلَى اثْنَيْنِ مُضَارَبَةً فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا التَّصَرُّفُ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ إلَّا فِي خُصُومَةٍ وَطَلَاقٍ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: الْأَوَّلُ إذَا وَكَّلَهُمَا بِالطَّلَاقِ وَالثَّانِي إذَا وَكَّلَهُمَا بِالْعَتَاقِ وَالثَّالِثُ إذَا وَكَّلَهُمَا بِرَدِّ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ دَيْنٍ عَلَيْهِ لِرَجُلٍ، وَالرَّابِعُ إذَا وَكَّلَهُمَا بِالْخُصُومَةِ لِأَنَّ فِي الثَّلَاثَةِ لَا يُحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ وَأَمَّا فِي الْخُصُومَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِيهَا الْمَعْنَى اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ صَاحِبِهِ وَقْتَ الْخُصُومَةِ) وَلَكِنَّهُمَا لَا يَقْبِضَانِ إلَّا مَعًا وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ الِانْفِرَادُ فِي الْخُصُومَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ وَرَأْيُ الِاثْنَيْنِ لَا يَكُونُ كَرَأْيِ الْوَاحِدِ فَرِضَاهُ بِرَأْيِهِمَا لَا يَكُونُ رِضًا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلَنَا أَنَّ الْمَعْهُودَ بَيْنَ النَّاسِ هُوَ الِانْفِرَادُ بِالتَّكَلُّمِ صِيَانَةً لِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ عَنْ الشَّغَبِ وَتَحَرِّيًا لِلصَّوَابِ إذْ الْإِنْسَانُ يُبْتَلَى بِالْغَلَطِ عِنْدَ كَثْرَةِ اللَّغَطِ وَفِي الِاجْتِمَاعِ إخْلَالٌ بِالِاسْتِمَاعِ وَلَمَّا وَكَّلَهُمَا بِالْخُصُومَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا صَارَ رَاضِيًا بِخُصُومَةِ أَحَدِهِمَا وَلَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يُفَوِّتُ فَائِدَةَ تَوْكِيلِهِمَا وَذَا بِأَنْ يَتَنَاوَبَا الْأَمْرَ بِرَأْيِهِمَا، وَإِنَّمَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّكَلُّمِ. اهـ. كَافِي

<<  <  ج: ص:  >  >>