- رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ إقْرَارُهُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي أَيْضًا وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْخُصُومَةِ وَهِيَ مُنَازَعَةٌ وَالْإِقْرَارُ يُضَادُّهَا؛ لِأَنَّهُ مُسَالَمَةٌ وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَتَنَاوَلُ ضِدَّهُ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ وَالصُّلْحَ وَيَصِحُّ إذَا اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ وَلَوْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الْخُصُومَةِ مَهْجُورَةً لَمَا صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا يَتَقَيَّدُ بِجَوَابٍ هُوَ خُصُومَةٌ عِنْدَهُمَا لِقَصْدِهِ الْإِنْكَارَ وَلِهَذَا يَخْتَارُ فِيهَا الْأَهْدَى فَالْأَهْدَى فِي الْخُصُومَةِ وَهَذَا هُوَ الْعُرْفُ وَالْوَكَالَةُ تَتَقَيَّدُ بِهِ كَمَا تَتَقَيَّدُ بِالتَّقْيِيدِ صَرِيحًا وَلِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْمُوَكِّلِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي مَالِ الصَّغِيرِ مَعَ أَنَّ وِلَايَتَهُمَا أَوْفَرُ قُلْنَا التَّوْكِيلُ صَحِيحٌ فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ مَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ وَهُوَ الْجَوَابُ مُطْلَقًا دُونَ أَحَدِهِمَا عَيْنًا إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُنْكِرَ إذَا كَانَ خَصْمُهُ مُحِقًّا وَالْخُصُومَةُ يُرَادُ بِهَا مُطْلَقُ الْجَوَابِ عُرْفًا مَجَازًا؛ لِأَنَّهَا سَبَبُهُ.
فَذِكْرُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبِّبِ شَائِعٌ أَوْ لِخُرُوجِهِ بِمُقَابِلَتِهَا أَوْ لِأَنَّ الْجَوَابَ يَكُونُ فِي مَوْضِعٍ تَكُونُ فِيهِ الْخُصُومَةُ وَهُوَ مَجْلِسُ الْحُكْمِ وَالْجَوَابُ يَتَنَاوَلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ عَمَلًا بِعُمُومِ الْمَجَازِ كَمَا لَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ، فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ مَجَازًا فَيَتَنَاوَلُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَمَلًا بِعُمُومِ الْمَجَازِ، وَالدَّلِيلُ أَنَّهُ يُرَادُ بِهَا الْجَوَابُ مُطْلَقًا أَنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُهُ بِالْجَوَابِ فَيَقُولُ لَهُ أَجِبْ خَصْمَك وَلَا يَأْمُرُهُ بِالْخُصُومَةِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْجَوَابِ لِيَصِحَّ تَوْكِيلُهُ قَطْعًا وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْإِنْكَارِ لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُحِقًّا بِالْإِنْكَارِ، وَإِنْ كَانَ مُبْطِلًا لَا يَصِحُّ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ وَالْمُوَكِّلُ لَا يَمْلِكُ الْإِنْكَارَ عَيْنًا، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ مُطْلَقَ الْجَوَابِ وَهُوَ بِنَعَمْ إنْ كَانَ خَصْمُهُ مُحِقًّا أَوْ بِلَا إنْ كَانَ مُبْطَلًا فَكَذَا لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِالْإِنْكَارِ عَيْنًا فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي حَمْلِهِ عَلَيْهِ فَسَادَهُ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حَمْلِهِ عَلَى مُطْلَقِ الْجَوَابِ صِحَّتُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ أَوْلَى لِصِحَّتِهِ بِيَقِينٍ قَطْعًا بِلَا احْتِمَالِ الْفَسَادِ، وَلَوْ اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَوْكِيلًا بِالْإِنْكَارِ فَقَطْ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ عَيْنًا فَكَذَا لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِهِ فَلَا يَلْزَمُنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُحِقًّا بِالْإِنْكَارِ فَيَمْلِكُهُ وَتَنْصِيصُهُ عَلَيْهِ يُرَجِّحُ تِلْكَ الْجِهَةَ فَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ بِهِ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِهِ وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى مُطْلَقِ الْجَوَابِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ فَصَحَّحَهُ مِنْ الطَّالِبِ دُونَ الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ فَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ عَلَى مَا يَخْتَارُ وَالْمَطْلُوبُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا فَلَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِمَا فِيهِ إضْرَارٌ بِالطَّالِبِ وَلِأَنَّ الطَّالِبَ يَثْبُتُ حَقُّهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِنُكُولِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَحْلِفُ فَلَا يُفِيدُ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ فِي حَقِّهِ.
وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ مِنْهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ الْإِنْكَارَ حَقِيقَةٌ فِي الْخُصُومَةِ فَلَا يُعَارِضُهُ الْمَجَازُ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِالْحَقِيقَةِ ثُمَّ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ الْوَكِيلُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ بِإِقَامَتِهِ فَإِقْرَارُهُ لَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي فَكَذَا إقْرَارُ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا إلَّا بِانْضِمَامِ الْقَضَاءِ إلَيْهِ كَالْبَيِّنَةِ وَالنُّكُولِ، فَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَمُوجِبٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ إقْرَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ غَيْرِهِ وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ قَوْلُهُ: وَإِذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إلَخْ قَالَ الْكَاكِيُّ أَطْلَقَ الْإِقْرَارَ وَالْمُوَكِّلَ لِيَتَنَاوَلَ اسْمَ الْمُوَكِّلِ الْمُدَّعِيَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ جَوَابَ الْإِقْرَارِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُوَكِّلُهُ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ سِوَى أَنَّ مَعْنَى الْإِقْرَارِ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمُوَكِّلِ فَإِقْرَارُ وَكِيلِ الْمُدَّعِي هُوَ أَنْ يُقِرَّ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ وَإِقْرَارُ وَكِيلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ أَنْ يُقِرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَى مُوَكِّلِهِ اهـ
(قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَيْضًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ وَالْمُنَازَعَةِ وَالْإِقْرَارِ مُسَالَمَةً وَمُسَاعَدَةً فَكَانَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْخُصُومَةِ تَضَادٌّ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مَا يُضَادُّهُ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ صُلْحُهُ وَإِبْرَاؤُهُ مَعَ أَنَّ الصُّلْحَ أَقْرَبُ إلَى الْخُصُومَةِ مِنْ الْإِقْرَارِ وَكَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ وَاسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتُك بِالْخُصُومَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا تُقِرَّ عَلَيَّ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لِأَنَّ لَفْظَ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْإِقْرَارَ فَلَوْ تَنَاوَلَهُ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ وَصَحَّ الْإِقْرَارُ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ) أَيْ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ إذَا اسْتَثْنَى إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت الظَّاهِرَ أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْإِقْرَارَ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ كَمَا لَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ خِلَافِيَّةٌ لَيْسَ إيرَادُهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِشْهَادِ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الشَّارِحِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِقْرَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ: دُونَ أَحَدِهِمَا عَيْنًا) أَيْ أَحَدَ الْجَوَابَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِخُرُوجِهِ بِمُقَابِلَتِهَا) كَمَا سُمِّيَ جَزَاءُ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةً فِي قَوْله تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] لِخُرُوجِ الْجَزَاءِ فِي مُقَابَلَةِ السَّيِّئَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَيَصِحُّ إذَا اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَلَا يُفِيدُ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ) صَوَابُهُ الْإِقْرَارُ قَالَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى إذَا وَكَّلَ بِالْخُصُومَةِ وَاسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ صَحَّتْ الْوَكَالَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ مِنْ الطَّالِبِ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ) صَوَابُهُ الْإِقْرَارُ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْإِنْكَارَ) صَوَابُهُ الْإِقْرَارُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute