للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِنَفْسِهِ فَلَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: ١٥٢] وَقَالَ تَعَالَى {قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: ٢٢٠] وَلَيْسَ فِي إقْرَارِهِ خَيْرٌ لَهُمْ وَهُمَا يَقُولَانِ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْخُصُومَةِ الْجَوَابُ مَجَازًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَمْلِكُ الْإِقْرَارَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَوَابٌ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إقْرَارٌ وَالْجَوَابُ يَسْتَحِقُّ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَيَكُونُ التَّوْكِيلُ مُخْتَصًّا بِهِ فَيَقُومُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَا غَيْرُ وَلَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي غَيْرِهِ، فَإِذَا أَقَرَّ فِيهِ لَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا فَلَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَكِنْ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فَيُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ إذَا أَقَرَّا بِمَالِ الصَّغِيرِ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْوِلَايَةِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ، وَلَوْ اسْتَثْنَى الْإِنْكَارَ صَحَّ إقْرَارُهُ وَكَذَا إنْكَارُهُ وَلَا يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ مُقِرًّا بِالتَّوْكِيلِ بِالْإِقْرَارِ، وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ جُعِلَ تَوْكِيلًا بِالْجَوَابِ مَجَازًا بِالِاجْتِهَادِ فَتَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ فِي إقْرَارِ الْوَكِيلِ فَيُورِثُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ مَا يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ تَوْكِيلُهُ الْكَفِيلَ بِمَالٍ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ وَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ فَوَكَّلَ الطَّالِبُ الْكَفِيلَ بِقَبْضِ ذَلِكَ الدَّيْنِ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ صَحَّحْنَا هَذِهِ الْوَكَالَةَ صَارَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ سَاعِيًا فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ فَبَطَلَ وَلِأَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ مُلَازِمٌ لِلْوَكَالَةِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا، وَلَوْ صَحَّحْنَاهَا وَجَبَ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ مُتَّهَمًا فِيهِ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمَدِينَ حَتَّى لَزِمَهُ ضَمَانُ قِيمَتِهِ لِلْغُرَمَاءِ وَلَزِمَ الْعَبْدَ جَمِيعُ الدَّيْنِ ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى ضَمِنَ الدَّيْنَ لِلْغُرَمَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِمَا ذَكَرْنَا فَكَذَا هَذَا، فَإِنْ قَبِلَ الدَّائِنُ إذَا وَكَّلَ الْمَدِينَ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ عَنْ الدَّيْنِ يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ سَاعِيًا فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ قُلْنَا ذَلِكَ تَمْلِيكٌ وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك، فَإِذَا بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ فَلَوْ قَبَضَهُ مِنْ الْمَدِينِ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَهْلَكْ عَلَى الطَّالِبِ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ لَا تَنْقَلِبُ صَحِيحَةً لِوُقُوعِهَا بَاطِلَةً ابْتِدَاءً كَمَا لَوْ كَفَلَ عَنْ غَائِبٍ، فَإِنَّهُ يَقَعُ بَاطِلًا ثُمَّ إذَا بَلَغَهُ فَأَجَازَهُ لَمْ يَجُزْ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ تَبْطُلَ الْكَفَالَةُ وَتَصِحَّ الْوَكَالَةُ كَعَكْسِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ ثُمَّ ضَمِنَ الْوَكِيلُ الدَّيْنَ صَحَّ الضَّمَانُ وَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكَفَالَةُ أَقْوَى مِنْ الْوَكَالَةِ لِكَوْنِهَا لَازِمَةً فَتَصْلُحُ نَاسِخَةً لَهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ بِالْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَقُومُ بِهِمَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ الْغَائِبِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ فَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ أُمِرَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَا يَقْبِضَهُ خَالِصُ حَقِّهِ إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَيَكُونُ مُقِرًّا بِوُجُوبِ دَفْعِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْوِلَايَةِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ) وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِمَا لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا بِاعْتِبَارِ النَّظَرِ وَهُوَ حِفْظُ الْمَالِ وَالْإِقْرَارُ لَا يَكُونُ حِفْظًا بَلْ هُوَ إضَاعَةٌ، فَإِذَا أُخِذَ الْمَالُ مِنْ الْغَرِيمِ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِمَا لِلتَّنَاقُضِ كَمَا لَوْ ادَّعَيَا مَالًا لِلصَّغِيرِ عَلَى رَجُلٍ فَأَنْكَرَ فَصَدَّقَهُ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ ثُمَّ جَاءَ يَدَّعِي الْمَالَ لَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ لِأَنَّهُمَا خَرَجَا مِنْ الْوِلَايَةِ وَالْوِصَايَةِ فَكَذَا الْوَكِيلُ اهـ كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ الدَّائِنُ إذَا وَكَّلَ الْمَدِينُ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الْوَكَالَةِ مَا نَصُّهُ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ صَاحِبُ الدَّيْنِ إذَا وَكَّلَ الْمَدْيُون أَنْ يُبْرِئَ نَفْسَهُ عَنْ الدَّيْنِ صَحَّ، وَإِذَا أَبْرَأ نَفْسَهُ بَرِئَ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْمَأْذُونِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَإِذَا أَبْرَأ نَفْسه لَا يَبْرَأُ وَفِي حَوَالَةِ الْأَصْلِ الْمُحْتَالُ لَهُ إذَا وَكَّلَ الْمُحِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ وَكَذَلِكَ رَبُّ الدَّيْنِ إذَا وَكَّلَ الْمَدْيُونَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَصِحُّ وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ بِالْمَالِ كَفِيلٌ فَوَكَّلَهُ الطَّالِبُ بِقَبْضِهِ مِنْ الْمَطْلُوبِ فَقَبَضَ لَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ، وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ عِنْدَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رَسُولٌ وَلَمْ يَقْبِضْهُ لِنَفْسِهِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ التَّكْمِلَةِ وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ عَبْدٍ لَهُ فِي يَدِ آخَرَ وَغَابَ فَأَقَامَ مَنْ فِي يَدِهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ بَاعَهُ إيَّاهُ وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْغَائِبِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ لَا بِالْخُصُومَةِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يُوقَفَ الْأَمْرُ كَمَا لَا يُقْضَى بِالْبَيْعِ لِبُطْلَانِ الْبَيِّنَةِ إلَّا أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ لِقِصَرِ يَدِهِ عَنْ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِصُورَةِ الْقَبْضِ وَلِهَذَا لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ تُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ بِنَقْلِ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ فَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعِتْقِ وَالْمَرْأَةُ عَلَى الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنٍ عَلَى رَجُلٍ وَغَابَ فَأَقَامَ مَنْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَضَاهُ حَيْثُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَيَبْرَأُ الْغَرِيمُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَكِيلٌ بِالتَّمْلِيكِ، وَالتَّمَلُّكِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ قَضَاءَ الدُّيُونِ إنَّمَا يَكُونُ بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا فَصَارَ خَصْمًا كَالْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ وَالْقِسْمَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ وَكِيلًا بِالتَّمْلِيكِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْهُ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ قَاضِي خَانْ وَلَوْ وَكَّلَ الْمَدْيُونُ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ عَنْ الدَّيْنِ صَحَّ تَوْكِيلُهُ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ إلَخْ) أَمَّا لَوْ أَنْكَرَ الْغَرِيمُ الْوَكَالَةَ وَأَقَرَّ بِالدَّيْنِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ) قَالَ الْكَاكِيُّ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَمَالِكٌ لَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْوَكِيلُ بَيِّنَةً عَلَى وَكَالَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ فِي الدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ هَذَا تَسْلِيمٌ لَا يُبْرِئُهُ عَنْ الدَّيْنِ فَلَا يُؤْمَرُ بِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْحَقُّ عَيْنًا وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا وَصِيُّ الصَّغِيرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَارِثُهُ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إقْرَارَهُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِسِوَاهُ وَقُلْنَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّ لَهُ حَقَّ الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّ مَا يَقْبِضُهُ خَالِصُ مَالِهِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَمْرُ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَى الْوَكِيلِ مَذْهَبُنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ اهـ.

قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: فَإِنْ قُلْت: يُرَدُّ عَلَى هَذَا الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّ الْمُودَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>