مَالِهِ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَوْفَى الدَّيْنَ إلَى الطَّالِبِ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الدَّفْعُ إلَى الْوَكِيلِ بِإِقْرَارِهِ وَثَبَتَتْ الْوَكَالَةُ بِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْإِيفَاءُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ فَلَا يُؤَخَّرُ حَقُّهُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا وَادَّعَى ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ رَبَّ الْمَالِ وَيَسْتَحْلِفَهُ وَلَا يَسْتَحْلِفُ الْوَكِيلَ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا يَعْلَمُ أَنَّ الطَّالِبَ قَدْ اسْتَوْفَى الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَجْرِي فِي الْأَيْمَانِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ حَيْثُ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ فَكَانَ الْحَلِفُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ دُونَ النِّيَابَةِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ نَوْعُ إشْكَالٍ وَهُوَ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ تَوْكِيلٌ بِالِاسْتِقْرَاضِ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَمَا قَبَضَهُ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَلَهُ عَلَى الْغَرِيمِ مِثْلُ ذَلِكَ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا وَالتَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَصِحُّ وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ رِسَالَةٌ بِالِاسْتِقْرَاضِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ بِالِاسْتِقْرَاضِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ إضَافَةِ الْقَبْضِ إلَى مُوَكِّلِهِ بِأَنْ يَقُولَ: إنَّ فُلَانًا وَكَّلَنِي بِقَبْضِ مَالَهُ عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ كَمَا لَا بُدَّ لِلرَّسُولِ فِي الِاسْتِقْرَاضِ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُرْسِلِ بِأَنْ يَقُولَ أَرْسَلَنِي إلَيْك وَقَالَ لَك أَقْرِضْنِي فَصَحَّ مَا ادَّعَيْنَاهُ أَنَّ هَذَا رِسَالَةٌ مَعْنًى وَالرِّسَالَةُ بِالِاسْتِقْرَاضِ جَائِزَةٌ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَهَذَا سُؤَالٌ حَسَنٌ وَالْجَوَابُ غَيْرُ مُخْلَصٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَأَنْ لَوْ كَانَ رَسُولًا لَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ فَصَدَّقَهُ وَإِلَّا دَفَعَ إلَيْهِ الْغَرِيمُ الدَّيْنَ ثَانِيًا)؛ لِأَنَّهُ إذَا صَدَّقَهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ وَكِيلًا لَهُ وَقَبْضُ الْوَكِيلِ قَبْضُ الْمُوَكِّلِ فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ وَكَالَتُهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُمَا حُجَّةً عَلَيْهِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ الدَّيْنَ ثَانِيًا إنْ لَمْ يَجْرِ اسْتِيفَاؤُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ لَوْ بَاقِيًا) أَيْ رَجَعَ الْغَرِيمُ بِمَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَانْقَطَعَ حَقُّ الطَّالِبِ عَنْهُ وَلَمْ يَبْقَ الِاحْتِمَالُ فِيهِ حَيْثُ قَبَضَ دَيْنَهُ مِنْهُ ثَانِيًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ضَاعَ لَا) أَيْ إنْ ضَاعَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ بِإِقْرَارِهِ صَارَ مُحِقًّا فِي قَبْضِهِ الدَّيْنَ، وَإِنَّمَا ظَلَمَهُ الطَّالِبُ بِالْأَخْذِ مِنْهُ ثَانِيًا وَالْمَظْلُومُ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ وَيَرِدُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَلَهُ أَلْفٌ آخَرُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ فَمَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَاقْتَسَمَا الْأَلْفَ الْعَيْنَ نِصْفَيْنِ فَادَّعَى الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنَّ الْمَيِّتَ اسْتَوْفَى مِنْهُ الْأَلْفَ حَالَ حَيَاتِهِ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ فَالْمُكَذِّبُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَيَرْجِعُ بِهَا الْغَرِيمُ عَلَى الْمُصَدِّقِ وَهُوَ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْمُكَذِّبَ ظَلَمَهُ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهِ وَظَلَمَ هُوَ الْمُصَدِّقَ بِالرُّجُوعِ بِمَا أَخَذَهُ الْمُكَذِّبُ وَذَكَرَ فِي الْأَمَالِي أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ زَعَمَ أَنَّهُ بَرِئَ عَنْ جَمِيعِ الْأَلْفِ إلَّا أَنَّ الِابْنَ الْجَاحِدَ ظَلَمَهُ وَمَنْ ظُلِمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ وَمَا أَخَذَهُ الْجَاحِدُ دَيْنٌ عَلَى الْجَاحِدِ وَدَيْنُ الْوَارِثِ لَا يُقْضَى مِنْ التَّرِكَةِ.
وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمُصَدِّقَ أَقَرَّ عَلَى أَبِيهِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالِاسْتِيفَاءِ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا، فَإِذَا كَذَّبَهُ الْآخَرُ وَأَخَذَ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ لَمْ تَسْلَمْ لَهُ الْبَرَاءَةُ إلَّا عَنْ خَمْسِمِائَةٍ فَبَقِيَتْ خَمْسُمِائَةٍ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ فَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُصَدِّقِ فَيَأْخُذُ مَا أَصَابَهُ بِالْإِرْثِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا إذَا ضَمِنَهُ عِنْدَ الدَّفْعِ) أَيْ إلَّا أَنْ يُضَمِّنَ الْغَرِيمُ الْوَكِيلَ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ الْغَرِيمُ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مُوجِبٌ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ ضَمَّنَهُ التَّشْدِيدُ وَالتَّخْفِيفُ فَمَعْنَى التَّشْدِيدِ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَرِيمُ الْوَكِيلَ وَمَعْنَى التَّخْفِيفِ أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلُ الْمَالَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
إذَا صَدَّقَهُ ثُمَّ أَبَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ إلَيْهِ قُلْت: إنَّمَا لَمْ يُجْبَرْ الْمُودَعُ عَلَى التَّسْلِيمِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِثُبُوتِ الْحَقِّ فِي الْقَبْضِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ مِلْكُ الْغَيْرِ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَلِأَجْلِ هَذَا لَمْ يُجْبِرْهُ الْقَاضِي عَلَى التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ، فَإِنَّ إقْرَارَهُ بِحَقِّ الْقَبْضِ وَقَعَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ لَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ فَصَدَّقَهُ) أَيْ صَدَّقَ الْغَائِبُ وَهُوَ رَبُّ الدَّيْنِ الْوَكِيلَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا دَفَعَ الْغَرِيمُ إلَيْهِ الدَّيْنَ ثَانِيًا) لِأَنَّ الْغَائِبَ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ فِي دَعْوَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ عَنْ الْحَقِّ لَمْ يَصِحَّ الْأَدَاءُ فَأُمِرَ بِالدَّفْعِ ثَانِيًا إلَى الْمُوَكِّلِ قَالَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ إثْبَاتِ الْوَكَالَةِ كَانَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا قَبَضَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ هَذَا الْمَالَ بِأَمْرِك وَوَكَالَتِك لِأَنَّ الْغَرِيمَ يَدَّعِي عَلَيْهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ، فَإِذَا أَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ، فَإِذَا حَلَفَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغَرِيمِ وَالْغَرِيمُ يَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُمَا حُجَّةً) أَيْ الْغَرِيمِ وَالْوَكِيلِ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمَّا صَدَّقَهُ فِي الْوَكَالَةِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْقَبْضِ وَلَكِنَّ الْمُوَكِّلَ يَظْلِمُهُ فِيمَا يُطَالِبُهُ ثَانِيًا فَلَمَّا كَانَ أَمِينًا كَانَ مُحِقًّا فِي الْقَبْضِ ثُمَّ لَمَّا أَخَذَ الْغَرِيمُ مِنْ الْوَكِيلِ كَانَ ذَلِكَ ظُلْمًا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ مَظْلُومًا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْمَظْلُومُ لَا يَظْلِمُ، وَإِنْ نَكَلَ الطَّالِبُ عَنْ الْيَمِينِ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ فَلَا يَكُونُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ سَبِيلٌ لَا عَلَى الْمَطْلُوبِ وَلَا عَلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ ثُمَّ الْغَائِبُ إذَا لَمْ يُصَدِّقْ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْوَكِيلَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَكِيلَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِالدَّفْعِ فَكَانَ لَهُ اتِّبَاعُ الذِّمَّةِ فَأَمَّا الْوَكِيلُ، فَإِنَّمَا قَبَضَ مَالَ الدَّافِعِ فَلَا سَبِيلَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَمَعْنَى التَّخْفِيفِ أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلُ الْمَالَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ) مَعْنَاهُ أَنْ يَضْمَنَ الْكَفِيلُ نَظِيرَ الْمَالِ الَّذِي يَأْخُذُهُ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ عَلَى تَقْدِيرِ أَخْذِهِ مِنْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَضْمَنُ لِلْمَدْيُونِ الْمَالَ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْوَكِيلُ مِنْ الْمَدْيُونِ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِهَذَا الْمَالِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَقَدْ مَزَجَ بِأَكْبَرَ فِي شَرْحِهِ هَكَذَا (إلَّا إذَا ضَمَّنَهُ عِنْدَ الدَّفْعِ) بِأَنْ قَالَ الْوَكِيلُ إنْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ التَّوْكِيلَ، فَإِنِّي ضَامِنٌ لِهَذَا الْمَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute