للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصُورَةُ هَذَا الضَّمَانِ أَنْ يَقُولَ الْغَرِيمُ لِلْوَكِيلِ: نَعَمْ أَنْتَ وَكِيلُهُ لَكِنْ لَا آمَنُ أَنْ يَجْحَدَ الْوَكَالَةَ وَيَأْخُذَ مِنِّي ثَانِيًا وَيَصِيرُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنِّي ظُلْمًا فَهَلْ أَنْتَ كَفِيلٌ عَنْهُ بِمَا يَأْخُذُهُ مِنِّي ثَانِيًا فَيَضْمَنُ ذَلِكَ الْمَأْخُوذَ فَيَكُونُ صَحِيحًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ مَا غَصَبَك فُلَانٌ فَعَلَيَّ أَوْ مَا ذَابَ لَك عَلَيْهِ فَعَلَيَّ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ الطَّالِبُ ثَانِيًا غَصْبٌ، وَأَمَّا مَا أَخَذَهُ الْوَكِيلُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ وَالْأَمَانَاتُ لَا تَجُوزُ بِهَا الْكَفَالَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى ادِّعَائِهِ) أَيْ يَضْمَنُ الْغَرِيمُ الْوَكِيلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا وَلَمْ يَرْضَ بِقَبْضِهِ إلَّا لِقَضَاءِ دَيْنِهِ تَحْصِيلًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ وَانْقَطَعَ الرَّجَاءُ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُكَذِّبَهُ صَرِيحًا أَوْ يَسْكُتَ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّصْدِيقِ يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ وَزَعْمُهُ فِيمَا إذَا كَذَّبَهُ أَنَّهُ قَبْضٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَأَنَّ قَبْضَهُ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَكَذَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّصْدِيقِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَدْفُوعَ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ الطَّالِبُ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى صَارَ حَقًّا لِلطَّالِبِ أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَصَادَقَانِ ظَاهِرًا إلَّا عَلَى حَقٍّ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ فَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ، وَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْهُ يَحْتَمِلُ الْإِجَازَةَ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مَعَ بَقَاءِ هَذَا الِاحْتِمَالِ وَلِأَنَّ مَنْ بَاشَرَ التَّصَرُّفَ لِغَرَضٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ مَا لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا دَفَعَهُ إلَى فُضُولِيٍّ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ لَمْ يَمْلِكْ اسْتِرْدَادَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُجِيزَ وَكَذَا لَوْ أَقَامَ الْغَرِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَكِيلٍ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ، وَلَوْ أَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ عَلَى ذَلِكَ لَا يُسْتَحْلَفُ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ لِلْغَائِبِ.

وَلَوْ أَقَامَ الْغَرِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الطَّالِبَ جَحَدَ الْوَكَالَةَ وَأَخَذَ مِنِّي الْمَالَ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَاءً عَلَى إثْبَاتِ سَبَبِ انْقِطَاعِ حَقِّ الطَّالِبِ عَنْ الْمَدْفُوعِ وَهُوَ قَبْضُهُ الْمَالَ بِنَفْسِهِ مِنْهُ فَانْتَصَبَ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فِي إثْبَاتِ السَّبَبِ فَيَثْبُتُ قَبْضُ الْمُوَكِّلِ فَتُنْتَقَضُ يَدُ الْوَكِيلِ ضَرُورَةً وَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ الشَّيْءُ ضِمْنًا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مَقْصُودًا وَلَوْ ادَّعَى الْغَرِيمُ عَلَى الطَّالِبِ حِينَ رَجَعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَكَّلَ الْقَابِضَ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ نَكَلَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ وَلَوْ طَلَبَ الْغَرِيمُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْوَكِيلِ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ بَعْدَمَا أَدَّى إلَى الطَّالِبِ بِنَفْسِهِ فَادَّعَى الْوَكِيلُ هَلَاكَهُ أَوْ دَفْعَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ حَلَّفَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ وَوَرِثَهُ غَرِيمُهُ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي يَدِ الْوَكِيلِ أَخَذَهُ مِنْهُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا ضَمَّنَهُ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مَا إذَا صَدَّقَهُ فِي الْوَكَالَةِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْغَرِيمُ الْوَكَالَةَ وَأَقَرَّ بِالدَّيْنِ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الطَّالِبَ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ) الْغَرِيمُ (عَلَى الْوَكَالَةِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ) بِنَاءً (عَلَى ادِّعَائِهِ) فَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ إنْ أَنْكَرَ الْغَائِبُ فَالْغَرِيمُ يَضْمَنُ الْوَكِيلَ إنْ ضَاعَ الْمَالُ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْمَأْخُوذَ ثَانِيًا مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فِي زَعْمِهِمَا وَهَذِهِ كَفَالَةٌ أُضِيفَتْ إلَى حَالَةِ الْقَبْضِ فَتَصِحُّ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهُ فِي الْوَكَالَةِ، وَإِنَّمَا أَدَّاهُ رَجَاءَ إجَازَةِ الْغَائِبِ، فَإِذَا لَمْ يُجِزْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ اهـ مَا قَالَهُ بَاكِيرٌ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ، فَإِنِّي ضَامِنٌ لِهَذَا الْمَالِ إنْ عُقِدَ الضَّمَانُ وَقَعَ عَلَى الْمَالِ الَّذِي قَبَضَهُ الْوَكِيلُ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَمَانَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ قَوْلِهِ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ إلَخْ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَظِيرَ الْمَالِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْغَرِيمُ مِنْ الْمَدْيُونِ كَمَا قَدَّمْنَا فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: وَصُورَةُ هَذَا الضَّمَانِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ عَلَى مَعْنَى التَّخْفِيفِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى مَعْنَى التَّشْدِيدِ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَزَعْمُهُ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ أَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَدْفُوعَ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا) قَالَ قَاضِي خَانْ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ وَدَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ عَلَى الْإِنْكَارِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَفِي الْمُنْتَقَى لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا مَا نَصُّهُ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: حَالَةُ التَّصْدِيقِ مَعَ التَّضْمِينِ وَمَعَ عَدَمِهِ وَحَالَةُ التَّكْذِيبِ وَحَالَةُ السُّكُوتِ اهـ (قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ مَا لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ مِنْهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْعَى الْإِنْسَانُ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّهُ عَيْبٌ وَهُوَ حَرَامٌ وَلِهَذَا لَمْ تَكُنْ الشُّفْعَةُ لِوَكِيلِ الْمُشْتَرِي حَتَّى لَا يَلْزَمَ نَقْضُ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مَا إذَا صَدَّقَهُ فِي الْوَكَالَةِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فِي الدَّيْنِ، فَإِنْ ضَاعَ الْمَالُ فِي يَدِهِ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ الْغَرِيمُ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ إنْ كَانَ كَذَّبَهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَوْ صَدَّقَهُ وَضَمِنَهُ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ وَكِيلٌ، فَإِذَا أَخْلَفَ ذَلِكَ الظَّنَّ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِقَبْضِهِ، وَإِنْ صَدَّقَهُ وَلَمْ يَضْمَنْهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ قَبْضَهُ وَقَعَ حَقًّا فَلَا يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ أَقُولُ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأَحْوَالَ فِيمَا إذَا ضَاعَ الْمَقْبُوضُ مِنْ يَدِ الْوَكِيلِ أَرْبَعَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا يَضْمَنُ وَهِيَ مَا إذَا صَدَّقَهُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَضَمِنَهُ أَوْ كَذَّبَهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ لَا ضَمَانَ بِهَا وَهِيَ مَا إذَا صَدَّقَهُ وَلَمْ يَضْمَنْهُ وَالْكُلُّ مَفْهُومٌ مِنْ عِبَارَةِ صَاحِبِ الْكَنْزِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَّا الْأُولَى مِنْ أَحْوَالِ الضَّمَانِ فَهِيَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَّا إذَا ضَمِنَهُ أَيْ مَعَ كَوْنِهِ صَدَّقَهُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ مِنْهَا فَدَاخِلَتَانِ فِي قَوْلِهِ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ إلَخْ قَالَ الشَّارِحُ لِأَنَّ عَدَمَ التَّصْدِيقِ يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ وَأَمَّا الرَّابِعَةُ وَهِيَ حَالَةُ عَدَمِ الضَّمَانِ فَهِيَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ ضَاعَ لَا فَتَنَبَّهْ

<<  <  ج: ص:  >  >>