للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاتَّبَعَ رَبَّ الْمَالِ وَاسْتَحْلَفَهُ) أَيْ الْغَرِيمُ يَتْبَعُ رَبَّ الْمَالِ فَيَسْتَحْلِفُهُ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ يُوجِبُ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ وَالطَّالِبُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَيُسْتَحْلَفُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَكَّلَهُ بِعَيْبٍ فِي أَمَةٍ وَادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي) أَيْ وَكَّلَهُ بِرَدِّ جَارِيَةٍ بِسَبَبِ عَيْبٍ فِيهَا فَقَالَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي رَضِيَ بِالْعَيْبِ لَا يَرُدُّ عَلَى الْبَائِعِ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ هُنَاكَ بِاسْتِرْدَادِ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ إذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ عِنْدَ نُكُولِهِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْفَسْخِ نَافِذٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَصِحُّ الْقَضَاءُ وَيَلْزَمُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إذْ لَا يَجُوزُ فَسْخُ الْقَضَاءِ وَفِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ لَيْسَ فِيهِ قَضَاءٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَمْرُ بِالتَّسْلِيمِ، فَإِذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ فِيهِ أَمْكَنَ نَزْعُهُ مِنْهُ وَدَفْعُهُ إلَى الْغَرِيمِ مِنْ غَيْرِ نَقْضِ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّ حَقَّ الطَّلَبِ فِي الدَّيْنِ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ لِتَحَقُّقِ الْمُوجِبِ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْوَكِيلِ اسْتِيفَاؤُهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ الْغَرِيمُ مَا يُسْقِطُهُ وَلَا كَذَلِكَ الْعَيْبُ؛ لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ ثُبُوتُ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَأَى الْعَيْبَ وَرَضِيَ بِهِ وَقْتَ التَّسْلِيمِ فَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُ حَقِّهِ فِي الرَّدِّ أَصْلًا وَقَالُوا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بَلْ يُرَدُّ فِيهِمَا لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْخَطَأِ لَا يَنْفُذُ إلَّا ظَاهِرًا عِنْدَهُمَا فَأَمْكَنَ التَّدَارُكُ فِيهِمَا وَقِيلَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُؤَخَّرَ فِي الْفَصْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَرُدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْبَائِعِ مَا لَمْ يَسْتَحْلِفْ الْمُشْتَرِيَ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا رَضِيتُ بِهَذَا الْعَيْبِ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْبَائِعُ الرِّضَا فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْمُشْتَرِي وَحَلِفِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةً يُنْفِقُهَا عَلَى أَهْلِهِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمْ عَشَرَةً مِنْ عِنْدِهِ فَالْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَهُ فَتُرَدُّ الْعَشَرَةُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْإِنْفَاقِ وَكِيلٌ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ لَا يَكُونُ بِدُونِ الشِّرَاءِ فَيَكُونُ التَّوْكِيلُ بِهِ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ وَالْوَكِيلُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ وَقَالَ زُفَرُ أُحَلِّفُهُ عَلَى عِلْمِهِ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ خَرَجَ مِنْ الْوَكَالَةِ وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ قَامَ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْخُصُومَةِ وَمَنْ قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيمَا يُدَّعَى قِبَلَهُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ كَالْوَصِيِّ وَلِأَنَّ الْغَرِيمَ يَدَّعِي الْإِيفَاءَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَصِحَّ النِّيَابَةُ فِيهَا وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَمَّا جَازَ أَنْ تُسْمَعَ عَلَى الْوَكِيلِ لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ حَقِّهِ فِي الْخُصُومَةِ جَازَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ لِيَنْكُلَ فَيَثْبُتَ هَذَا الْمَعْنَى وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ سَقَطَتْ خُصُومَتُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَاتَّبَعَ رَبَّ الْمَالِ وَاسْتَحْلَفَهُ)، فَإِنْ حَلَفَ مَضَى الْأَدَاءُ، وَإِنْ نَكَلَ يُتْبَعُ الْقَابِضُ فَيُسْتَرَدُّ مَا قَبَضَ. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي) قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ فَيُرَدُّ كَمَا فِي الدَّيْنِ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْبَائِعُ عِلْمَهُ أَمَّا لَوْ ادَّعَى عِلْمَهُ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَعِنْدَنَا لَا يَحْلِفُ أَيْضًا اهـ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ حَيْثُ يَدْفَعُ الْمَالَ إلَى الْوَكِيلِ بِلَا تَأْخِيرٍ إلَى حُضُورِ رَبِّ الدَّيْنِ وَحَلَّفَهُ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يُرَدُّ الْمَبِيعُ عَلَى الْبَائِعِ بَلْ يُؤَخَّرُ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي فَيَحْلِفَ أَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْفَسْخِ نَافِذٌ)، وَإِنْ ظَهَرَ الْخَطَأُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)، فَإِذَا سَقَطَ الْبَيْعُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لَا يُمْكِنُ إعَادَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلِأَجْلِ هَذَا يُؤَخَّرُ الرَّدُّ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي فَيَحْلِفَ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يُؤَخَّرَ فِي الْفَصْلَيْنِ) نَظَرًا لِلْغَرِيمِ وَالْبَائِعِ. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ لِلْغَرِيمِ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ اهـ قَوْلُهُ وَالْبَائِعُ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَالْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ) وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَالْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ أَيْ تَكُونُ الْعَشَرَةُ الَّتِي حَبَسَهَا عِنْدَهُ لَهُ بِالْعَشَرَةِ الَّتِي أَنْفَقَهَا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالْعَشَرَةِ الَّتِي أَنْفَقَهَا وَلَا تُرَدُّ الْعَشَرَةُ الْمَحْبُوسَةُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ مَسْأَلَةَ الْإِنْفَاقِ بَلْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَقَالَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ، وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ ادْفَعْهَا إلَى فُلَانٍ قَضَاءً عَلَيَّ فَدَفَعَ الْوَكِيلُ غَيْرَهَا وَاحْتَبَسَ الْأَلْفَ عِنْدَهُ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَدْفَعَ الَّتِي حَبَسَهَا إلَى الْمُوَكِّلِ وَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِي الَّتِي دَفَعَ وَلَكِنِّي أَدَّعِ الْقِيَاسَ وَأَسْتَحْسِنُ أَنْ أُجِيزَهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالُوا فِي شُرُوحِهِ هَذَا الَّذِي ذَكَره اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَيَضْمَنُ إنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ يَتَعَيَّنَانِ فِي الْوَكَالَةِ، وَإِنْ كَانَتَا لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَعِنْدَنَا حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ قَبْلَ الْإِنْفَاقِ أَوْ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِهَا فِي التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ.

فَإِذَا أَنْفَقَ عَشَرَةً مِنْ عِنْدِهِ كَانَ مُتَبَرِّعًا فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّل وَلِأَنَّهُ خَالَفَ الْأَمْرَ فَيُرَدُّ مَالُ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِ الدَّافِعِ لَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَمَّا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ خَالَفَ وَكَانَ مُتَطَوِّعًا اهـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا فَأَنْفَقَ الْوَكِيلُ ثُمَّ تَصَدَّقَ عَنْ الْآمِرِ بِعَشَرَةٍ مِنْ مَالِهِ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ ضَامِنًا لِلْعَشَرَةِ وَلَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ قَائِمَةً فَأَمْسَكَهَا الْوَكِيلُ وَتَصَدَّقَ مِنْ عِنْدِهِ بِعَشَرَةٍ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَتَكُونُ الْعَشَرَةُ لَهُ بِعَشَرَتِهِ، وَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ دِينَارًا إلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ فَبَاعَ الْمَأْمُورُ دِينَارًا مِنْ عِنْدَ نَفْسِهِ وَأَمْسَكَ دِينَارَ الْآمِرُ لِنَفْسِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ ثَوْبًا فَاشْتَرَى بِدِينَارٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ جَازَ شِرَاؤُهُ لِلْآمِرِ وَيَكُونُ الدِّينَارُ لَهُ وَكَذَا لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ دِينَارًا لِيَقْضِيَ غَرِيمًا لَهُ فَقَضَاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَأَمْسَكَ الدِّينَارَ لِنَفْسِهِ جَازَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَرُدُّ الْعَشَرَةُ عَلَى الْمُوَكِّلِ) أَيْ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَيَضْمَنُ إنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. اهـ. غَايَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>