للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا عَزَلَهُ تَجَدَّدَتْ الْوَكَالَةُ لَهُ وَقِيلَ يَنْعَزِلُ بِقَوْلِهِ كُلَّمَا وَكَّلْتُك فَأَنْتَ مَعْزُولٌ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عِنْدِي أَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَهُ بِأَنْ يَقُولَ عَزَلْتُك عَنْ جَمِيعِ الْوَكَالَاتِ فَيَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى الْمُعَلَّقِ وَالْمُنْفَذِ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْ ذَلِكَ أَدَّى ذَلِكَ إلَى تَغْيِيرِ حُكْمِ الشَّرْعِ بِجَعْلِ الْوَكَالَةِ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ وَكِلَاهُمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ عَزْلَهُ وَتَوْكِيلَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَهُمَا دَائِمًا لَا إلَى نِهَايَةٍ وَلَيْسَ فِيهِ وَكَالَةٌ تَنْفَعُ وَلَا عَزْلٌ يَمْنَعُ وَلَيْسَ فِي الثَّانِي مَا يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ الْمُعَلَّقَةَ؛ لِأَنَّ عَزْلَهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْمَوْجُودَةَ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ عَزْلُ الْوَكِيلِ قَبْلَ الْوَكَالَةِ كَمَا لَا يُتَصَوَّرُ عَزْلُ الْقَاضِي أَوْ السُّلْطَانِ قَبْلَ التَّوْلِيَةِ وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ إذَا أَرَادَ عَزْلَهُ وَأَرَادَ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ الْوَكَالَةُ بَعْدَ الْعَزْلِ أَنْ يَقُولَ رَجَعْت عَنْ الْمُعَلَّقَةِ وَعَزَلْتُك عَنْ الْمُنَجَّزَةِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ لَازِمًا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَالْوَكَالَةُ مِنْهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِالْعَزْلِ إذَا عَلِمَ بِهِ الْوَكِيلُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعَزْلُ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَزْلِ يُسْقِطُ حَقَّ نَفْسِهِ وَجَوَازَ الْوَكَالَةِ لِحَقِّهِ، وَالْمَرْءُ يَنْفَرِدُ بِإِسْقَاطِ حَقِّ نَفْسِهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَكَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ مِثْلُ الْمَوْتِ وَالْجُنُونِ وَلَنَا أَنَّ الْعَزْلَ خِطَابٌ مُلْزِمٌ مَقْصُودٌ وَحُكْمُ الْخِطَابِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُخَاطَبِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ كَخِطَابِ الشَّرْعِ حَتَّى إذَا بُدِّلَ بِالنَّسْخِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّسْخِ حَتَّى يَبْلُغَ الْمُكَلَّفَ وَلِأَنَّ فِي انْعِزَالِهِ إضْرَارًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَصَرَّفُ بَعْدَ الْعَزْلِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ بِذَلِكَ وَالضَّرَرُ مَدْفُوعٌ شَرْعًا بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ فِيهِ حُكْمِيٌّ لِضَرُورَةِ عَدَمِ الْمَحِلِّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرُهُ وَالرَّسُولُ يَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ حَتَّى إذَا أَرْسَلَهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ غَيْرِهِ فَعَزَلَهُ قَبْلَ التَّبْلِيغِ انْعَزَلَ؛ لِأَنَّهُ مُبَلِّغٌ عِبَارَةَ الْمُرْسِلِ وَنَاقِلٌ لَهَا فَيَكُونُ عَزْلُهُ رُجُوعًا عَنْ الْإِيجَابِ وَلَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبُولِ كَمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي أَوْجَبَهُ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، فَإِنَّهُ يَعْقِدُ بِعِبَارَةٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْحُقُوقُ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا كَمَا فِي النِّكَاحِ وَأَمْثَالِهِ وَلَيْسَ بِنَاقِلٍ عِبَارَةَ الْمُرْسِلِ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّوْكِيلُ فِيهِ إيجَابًا، وَإِنَّمَا الْإِيجَابُ مِنْ الْوَكِيلِ فَلَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يَبْلُغَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَصِيلًا فِي حَقِّ الْعِبَارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصِيلًا فِي حَقِّ الْحُقُوقِ وَالرَّسُولُ لَيْسَ بِأَصِيلٍ فِي شَيْءٍ مَا فَافْتَرَقَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ فِي الْمُبَلِّغِ غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَا نُعِيدُهُ وَكَذَا لَوْ عَزَلَ الْوَكِيلُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ لَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ، وَلَوْ جَحَدَ الْمُوَكِّلُ الْوَكَالَةَ فَقَالَ لَمْ أُوَكِّلْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَزْلًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَوْتُ أَحَدِهِمَا وَجُنُونُهُ مُطْبِقًا وَلُحُوقُهُ مُرْتَدًّا) يَعْنِي تَبْطُلُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَكَانَ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فَيُشْتَرَطُ لِقِيَامِ الْأَمْرِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ مَا يُشْتَرَطُ لِلِابْتِدَاءِ وَشُرِطَ فِي الْجُنُونِ أَنْ يَكُونَ مُطْبِقًا أَيْ مُسْتَوْعِبًا مِنْ قَوْلِهِمْ أَطْبَقَ الْغَيْمُ السَّمَاءَ أَيْ اسْتَوْعَبَهَا؛ لِأَنَّ كَثِيرَهُ كَالْمَوْتِ وَقَلِيلَهُ كَالْإِغْمَاءِ وَحَدُّ الْمُطْبِقِ شَهْرٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ الصَّوْمُ وَعَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ الصَّلَوَاتُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ فِي الرَّجُلِ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَخْرَجَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ فَهُوَ وَكِيلُهُ قَالَ نُصَيْرٌ تَجُوزُ هَذِهِ الْوَكَالَةُ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ لَا تَجُوزُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا لِاخْتِلَافِ تَفْسِيرِ هَذَا الشَّرْطِ فَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ فَهِمَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ مَتَى أَخْرَجَهُ عَنْ هَذِهِ الْوَكَالَةِ فَهُوَ وَكِيلُهُ بِهَذِهِ الْوَكَالَةِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَكَالَةِ فِي الشَّرْعِ أَنْ لَا تَكُونَ لَازِمَةً وَيَرِدُ عَلَيْهَا الْعَزْلُ وَنُصَيْرٌ فَهِمَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ مَتَى أَخْرَجَهُ عَنْ هَذِهِ الْوَكَالَةِ فَهُوَ وَكِيلُهُ وَكَالَةً مُسْتَقْبَلَةً وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ كَانَ جَائِزًا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ إنَّمَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ أَمَّا فِي الْوَقْفِ، وَإِنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ، فَإِنَّا نُبْطِلُهُ صِيَانَةً لِلْوَقْفِ عَنْ الْبُطْلَانِ ثُمَّ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ إذَا جَازَتْ الْوَكَالَةُ بِهَذَا الشَّرْطِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ رَجَعْت عَنْ قَوْلِي مَتَى أَخْرَجْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ فَأَنْتَ وَكِيلِي فَيَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ ثُمَّ يَقُولُ أَخْرَجْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِالْعَزْلِ إذَا عَلِمَ بِهِ الْوَكِيلُ) قَالَ فِي الْمَتْنِ فِي آخِرِ مَسَائِلَ شَتَّى قُبَيْلَ كِتَابِ الشَّهَادَةِ وَمَنْ أُعْلِمَ بِالْوَكَالَةِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَلَا يَثْبُتُ عَزْلُهُ إلَّا بِعَدْلٍ أَوْ مَسْتُورَيْنِ اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ يَتَصَرَّفُ بَعْدَ الْعَزْلِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ) أَيْ بَيْعًا أَوْ شِرَاءً فَتَنْصَرِفُ حُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِ مِنْ نَقْدِ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ إذَا كَانَ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ وَمِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إذَا كَانَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ ثُمَّ إذَا عَقَدَ أَوْ سَلَّمَ يَضْمَنُ مَا تَصَرَّفَ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بَعْدَ الْعَزْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ الْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ، فَإِنَّهُ كَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرُهُ) يَعْنِي الْعَزْلُ قَبْلَ الْعِلْمِ لَا يَصِحُّ أَصْلًا وَالْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ عَزَلَ الْوَكِيلُ نَفْسَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْوَكَالَةِ فِي الْجِنْسِ الَّذِي عَقَدَهُ لِلْعَزْلِ وَفِي النَّوَازِلِ لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ رُدَّ عَلَيَّ الْوَكَالَةَ فَقَالَ رَدَدْت الْوَكَالَةَ يَنْعَزِلُ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقُلْ الْمُوَكِّلُ رُدَّ عَلَيَّ الْوَكَالَةَ وَلَكِنَّ الْوَكِيلَ قَالَ رَدَدْت الْوَكَالَةَ وَعَلِمَ الْمُوَكِّلُ يَنْعَزِلُ. اهـ. قُلْت وَاسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ حَتَّى يَعْلَمَ الْمُوَكِّلُ، فَإِذَا عَلِمَ انْعَزَلَ وَهُوَ حِينَئِذٍ نَظِيرُ مَا إذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ، فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى الْوَكَالَةِ حَتَّى يَبْلُغَهُ خَبَرُ الْعَزْلِ اهـ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي رَدِّ الْوَكَالَةِ مَا نَصُّهُ وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ لَا يَصِحُّ عَزْلُهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَوْتُ أَحَدِهِمَا وَجُنُونُهُ مُطْبِقًا) بِسُكُونِ الطَّاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ دَائِمٌ وَمِنْهُ تَسْمِيَةُ الْأَطِبَّاءِ الْحُمَّى الدَّمَوِيَّةَ اللَّازِمَةَ بِالْمُطْبِقَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَحْرِيرِ التَّنْبِيهِ الْمَجْنُونُ الْمُطْبَقُ بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ الَّذِي أَطْبَقَ جُنُونُهُ وَدَامَ مُتَّصِلًا وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ الْحُمَّى الْمُطْبَقَةُ بِفَتْحِ الْبَاء وَهِيَ الدَّائِمَةُ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>