للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَوْلٌ كَامِلٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ حَتَّى الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ اسْتِمْرَارَهُ حَوْلًا مَعَ اخْتِلَافِ فُصُولِهِ آيَةُ اسْتِحْكَامِهِ أَمَّا مَا دُونَ الْحَوْلِ فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْمَوْتِ، وَالْمُرَادُ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِلِحَاقِهِ؛ لِأَنَّ لِحَاقَهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، فَإِذَا حَكَمَ بِهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ بِالْإِجْمَاعِ.

وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَمَوْقُوفَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَهُ فَكَذَا وَكَالَتُهُ، فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَتْ، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَتَصَرُّفَاتُهُ نَافِذَةٌ فَلَا تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ هَذَا إذَا كَانَتْ الْوَكَالَةُ غَيْرَ لَازِمَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً لَا تَبْطُلُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَكَالَةُ مَشْرُوطَةً فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَكَذَا إذَا جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا ثُمَّ جُنَّ الزَّوْجُ لَا يَبْطُلُ أَمْرُهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَّكَهَا التَّصَرُّفَ فَصَارَ كَتَمْلِيكِ الْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِالنِّكَاحِ تَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ؛ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلنِّكَاحِ بِنَفْسِهِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِهِ أَيْضًا ثُمَّ لَا تَعُودُ بِالْإِسْلَامِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَلَا تَبْطُلُ وَكَالَةُ الْمَرْأَةِ بِارْتِدَادِهَا مَا لَمْ تَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَيَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِلَحَاقِهَا وَكَذَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهَا بَعْدَ ارْتِدَادِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ مَالِكَةً لِلتَّصَرُّفِ بِنَفْسِهَا، وَرِدَّتُهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِهَا إلَّا إذَا وَكَّلَتْهُ بِالتَّزْوِيجِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِنَفْسِهَا فَكَذَا لَا يُزَوِّجُهَا وَكِيلُهَا، وَلَوْ وَكَّلَتْ وَكِيلًا فِي حَالِ رِدَّتِهَا فَزَوَّجَهَا بَعْدَمَا أَسْلَمَتْ صَحَّ كَالْمُعْتَدَّةِ إذَا وَكَّلَتْ وَكِيلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهَا فَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَتْهُ قَبْلَ ارْتِدَادِهَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَأَسْلَمَتْ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا؛ لِأَنَّ ارْتِدَادَهَا إخْرَاجٌ لَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ فَصَارَ مَعْزُولًا مِنْ جِهَتِهَا وَلَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ بَعْدَ الْعَزْلِ، وَإِنْ عَادَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا بَعْدَ اللِّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ كَانَ وَكِيلًا فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَعُودُ وَكِيلًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ.

وَلِهَذَا لَا يَعُودُ مِلْكُهُ فِي مُدَبَّرِيهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَيُعْتَقْنَ بِهِ كَمَا يُعْتَقْنَ بِالْمَوْتِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ التَّصَرُّفِ يَمْلِكُهُ بِأَهْلِيَّتِهِ وَوِلَايَةُ التَّنْفِيذِ بِالْمِلْكِ وَبِاللِّحَاقِ لَحِقَ بِالْأَمْوَاتِ فَلَا مِلْكَ وَلَا أَهْلِيَّةَ لَهُ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ بِمَعَانٍ قَائِمَةٍ بِهِ وَالْعَجْزُ بِعَارِضِ اللِّحَاقِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَالتَّوْكِيلُ إطْلَاقٌ، فَإِذَا زَالَ الْعَجْزُ وَالْإِطْلَاقُ بَاقٍ عَادَ وَكِيلًا لِبَقَاءِ تِلْكَ الْمَعَانِي وَهُوَ الْعَقْلُ وَالْقَصْدُ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ وَالذِّمَّةِ الصَّالِحَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ لَحِقَ الْمُوَكِّلَ وَحَقُّهُ بَاقٍ بَعْدَ لِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَإِنَّمَا عَجَزَ عَنْ التَّصَرُّفِ بِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَلَا يَنْعَزِلُ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ، فَإِذَا زَالَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَبَقِيَ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ زَمَانًا ثُمَّ أَفَاقَ، وَإِنْ كَانَ الْعَائِدُ مُسْلِمًا هُوَ الْمُوَكِّلُ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ فِي الظَّاهِرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تَعُودُ كَمَا قَالَ فِي الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَادَ مِلْكُهُ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا كَانَ، وَقَدْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً لَا تَبْطُلُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ) أَيْ الْمَوْتِ وَالْجُنُونِ وَاللِّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا اهـ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَهَذَا كُلُّهُ فِي مَوْضِعٍ يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ أَمَّا فِي مَوْضِعٍ لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ كَالْعَدْلِ فِي بَابِ الرَّهْنِ وَالْأَمْرِ بِالْيَدِ لِلْمَرْأَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ وَالْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ بِالْتِمَاسِ الْخَصْمِ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ، وَالْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ يَنْعَزِلُ بِجُنُونِ الْمُوَكِّلِ اسْتِحْسَانًا وَلَا يَنْعَزِلُ قِيَاسًا وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ مِنْ شَرْحِ الْكَافِي، وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ وَكِيلًا فِي خُصُومَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءِ شَيْءٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ صَحَّ لِحَقِّ الْمُوَكِّلِ فَكَانَ لَهُ إبْطَالُهُ، فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ حَتَّى ذَهَبَ عَقْلُ الْمُوَكِّلِ زَمَانًا دَائِمًا فَقَدْ خَرَجَ الْوَكِيلُ مِنْ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ بَقَاءَ النِّيَابَةِ يَسْتَدْعِي بَقَاءَ أَهْلِيَّةِ الْمَنُوبِ عَنْهُ فَقَدْ بَطَلَتْ وَهَذَا فِي شَيْءٍ يَقْبَلُ الْعَزْلَ فَأَمَّا فِي شَيْءٍ لَا يُمْكِنُهُ عَزْلُهُ فَلَا يَبْطُلُ مِثْلُ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَمَا أَشْبَهَهُ لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ لَازِمٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّجْدِيدِ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْأَهْلِيَّةِ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ الْجَائِزِ لِأَنَّهُ يَتَلَاشَى فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَاعْتُبِرَ بَقَاؤُهُ أَهْلًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ فَطَلَبَ خَصْمَهُ ثُمَّ جُنَّ الْمُوَكِّلُ أَوْ مَاتَ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ وَالرَّاهِنُ إذَا سَلَّطَ الْعَدْلَ عَلَى الْبَيْعِ ثُمَّ جُنَّ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ الْعَدْلُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَرِدَّتُهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِهَا) لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا لِأَنَّ عِلَّةَ الْقَتْلِ الْحِرَابُ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا بِنْيَةٌ صَالِحَةٌ لِلْحِرَابِ. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ: وَلَا يَعُودُ وَكِيلًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ ثُمَّ قَدَّرَ مُدَّةَ اللِّحَاقِ بِأَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ قَالَ إنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ سَنَةٍ ثُمَّ عَادَ تَعُودُ الْوَكَالَةُ لِأَنَّا بَقَّيْنَاهَا عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَعُودَ فَأَمَّا إذَا بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ سَنَةٍ ثُمَّ عَادَ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْعَوْدِ قَدْ بَطَلَ بِالْحَوْلِ ظَاهِرًا وَغَالِبًا فَصَارَ كَالْجُنُونِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ لَا تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ، وَإِذَا اسْتَوْعَبَ السَّنَةَ تَبْطُلُ إلَى هُنَا لَفْظُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْكَافِي اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَبِاللِّحَاقِ لَحِقَ بِالْأَمْوَاتِ إلَخْ) وَالْوَكَالَةُ لَا تَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ فَبَطَلَ وَالْبَاطِلُ لَا يَعُودُ بِخِلَافِ أَمْلَاكِهِ، فَإِنَّهَا قَائِمَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَجَازَ أَنْ تَعُودَ وَلِأَنَّ اللِّحَاقَ يَمْنَعُ ابْتِدَاءً الْوَكَالَةَ، فَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهَا أَبْطَلَهَا كَالْجُنُونِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ) أَيْ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَدَمَ نَفَاذِ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ انْعَزَلَ بَلْ لِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَتَنَاوَلْ تِلْكَ الْبُقْعَةَ كَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْ ثَوْبِي بِبَغْدَادَ فَأَخْرَجَهُ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، فَإِذَا عَادَ جَازَ بَيْعُهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْعَائِدُ مُسْلِمًا هُوَ الْمُوَكِّلُ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ) بِالِاتِّفَاقِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. اهـ. غَايَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>