للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَلَّقَتْ الْوَكَالَةُ بِقَدِيمِ مِلْكِهِ فَيَعُودُ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْوَكَالَةَ تَعَلَّقَتْ بِمِلْكِ الْمُوَكِّلِ، وَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ بِرِدَّتِهِ وَلِحَاقِهِ فَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ عَلَى الْبَتَاتِ بِخِلَافِ رِدَّةِ الْوَكِيلِ، فَإِنَّ مِلْكَ الْمُوَكِّلِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ، وَقَدْ تَعَلَّقَتْ الْوَكَالَةُ بِهِ، وَإِنَّمَا انْقَطَعَ تَصَرُّفُهُ لِعَجْزِهِ، وَقَدْ زَالَ فَتَعُودُ الْوَكَالَةُ كَمَا كَانَتْ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَافْتِرَاقُ الشَّرِيكَيْنِ) أَيْ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِافْتِرَاقِ الشَّرِيكَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ وَالْعَزْلُ الْحُكْمِيُّ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ ثُمَّ هَذَا الْكَلَامُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَنْعَزِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عَقْدُ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِالتَّصَرُّفِ فَيَنْعَزِلُ بِالِافْتِرَاقِ عَنْ هَذِهِ الْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عَقْدُ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ ثَابِتَةً فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ فَتَبْطُلُ بِبُطْلَانِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُصَرَّحًا بِهَا وَفِيهِ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِفَسْخِ الشَّرِكَةِ بِدُونِ عِلْمِ صَاحِبِهِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ قَصْدِيٌّ فَكَيْفُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْعَزِلَ بِدُونِ عِلْمِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا هَلَكَ الْمَالَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ، فَإِنَّ الشَّرِكَةَ تَبْطُلُ بِهِ وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي ضِمْنِهَا عَلِمَا بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمَا؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ إذَا لَمْ تَكُنْ الْوَكَالَةُ مُصَرَّحًا بِهَا عِنْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَالثَّانِي أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا لَوْ وَكَّلَ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَالِ جَازَ عَلَى مَا عُرِفَ فَلَوْ افْتَرَقَا انْعَزَلَ هَذَا الْوَكِيلُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُوَكِّلِ مِنْهُمَا إذَا لَمْ يُصَرِّحَا بِالْإِذْنِ فِي التَّوْكِيلِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَجَزَ مُوَكِّلُهُ لَوْ مُكَاتَبًا وَحَجَرَهُ لَوْ مَأْذُونًا) مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ مُكَاتَبًا أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَحَجْرِ الْعَبْدِ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْوَكَالَةِ مُعْتَبَرٌ بِابْتِدَائِهَا لِكَوْنِهَا غَيْرَ لَازِمَةٍ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي لَا تَلْزَمُ لِبَقَائِهَا حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فَيُشْتَرَطُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ قِيَامُ الْأَمْرِ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ، وَقَدْ بَطَلَ بِالْعَجْزِ وَالْحَجْرِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ وَيَسْتَوِي فِيهِ عِلْمُ الْوَكِيلِ وَجَهْلُهُ؛ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ حُكْمِيٌّ كَمَا إذَا تَصَرَّفَ الْمُوَكِّلُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي وَكَّلَ فِيهِ هَذَا إذَا كَانَ وَكِيلًا فِي الْعُقُودِ وَالْخُصُومَاتِ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَاقْتِضَائِهِ فَلَا يَنْعَزِلُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَلَا بِحَجْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ أَوْ الْحَجْرَ يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ مِنْ إنْشَاءِ التَّصَرُّفِ فَيَخْرُجُ وَكِيلُهُ عَنْ الْوَكَالَةِ وَلَا يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَاقْتِضَائِهِ فَكَذَا لَا يُوجِبُ عَزْلَ وَكِيلِهِ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كُوتِبَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ أَذِنَ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَمْ تُعَدَّ الْوَكَالَةُ الَّتِي بَطَلَتْ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا كَانَتْ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ التَّصَرُّفَ عِنْدَ التَّوْكِيلِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْعَجْزِ وَالْحَجْرِ بَعْدَ الْوَكَالَةِ فَلَمْ يُعَدَّ بِالْكِتَابَةِ الثَّانِيَةِ وَالْإِذْنِ الثَّانِي، وَلَوْ عَزَلَ الْمَوْلَى وَكِيلَ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ لَا يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَجْرٌ خَاصٌّ وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَكُونُ إلَّا عَامًّا فَكَانَ بَاطِلًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَنْ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ الْإِذْنِ فَكَذَا لَا يَنْفُذُ فِعْلُهُ الْحُكْمِيُّ فِيهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصَرُّفُهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِتَصَرُّفِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ فِيمَا وَكَّلَهُ بِهِ لِفَوَاتِ الْمَحِلِّ وَالْمُرَادُ بِتَصَرُّفِهِ مَا يَعْجِزُ الْوَكِيلُ عَنْ الِامْتِثَالِ بِهِ مِثْلُ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ ثُمَّ يَبِيعَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ أَوْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْجِزْهُ عَنْ الِامْتِثَالِ فَالْوَكَالَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا وَهَذَا أَصْلُهُ حَتَّى لَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا هُوَ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِطَلَبِ الْوَكَالَةِ لِعَجْزِهِ عَنْ الِامْتِثَالِ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِتَحَقُّقِ عَجْزِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْإِيقَاعِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَكَذَا الْوَكِيلُ، وَإِنَّمَا تَمَكَّنَ مِنْ الْإِيقَاعِ بَعْدَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لِلْوَكِيلِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِبَقَاءِ الْمَحِلِّ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهُ إيَّاهَا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ انْقَضَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ لِبَقَاءِ الْحَاجَةِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ الزَّوْجُ فَطَلَاقُ الْوَكِيلِ يَقَعُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِبَقَاءِ تَمَكُّنِ الزَّوْجِ مِنْ الْإِيقَاعِ، وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ.

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُلَعِ ثُمَّ خَلَعَهَا الزَّوْجُ بِنَفْسِهِ خَرَجَ الْوَكِيلُ مِنْ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ بَعْدَ الْخُلْعِ لَا يَصِحُّ فَتَعَذَّرَ التَّصَرُّفُ عَلَى الْوَكِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ خَالَعَهَا الزَّوْجُ حَيْثُ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُ الْوَكِيلِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ طَلَاقَ الزَّوْجِ يَقَعُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَبْقَى الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا كَانَ الْمُوَكِّلُ فِيهِ قَادِرًا عَلَى الْإِيقَاعِ كَانَ وَكِيلُهُ أَيْضًا قَادِرًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ إلَخْ) كَمَا قَالُوا فِيمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ انْعَزَلَ الْوَكِيلُ، فَإِذَا رُدَّ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ عَادَتْ الْوَكَالَةُ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْأَوَّلَ عَادَ فَعَادَ حُقُوقُهُ. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ: تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِافْتِرَاقِ الشَّرِيكَيْنِ) يَعْنِي أَحَدَ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَوْ الْمُفَاوَضَةِ (قَوْلُهُ: فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِبَقَاءِ الْمَحِلِّ) بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِنَفْسِهِ ثَلَاثًا حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا فِي الْعِدَّةِ وَلَا بَعْدَهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ لِبَقَاءِ الْحَاجَةِ) وَلَوْ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ وَأَسْلَمَتْ فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ الْوَكِيلُ جَازَ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَمَةً وَنِكَاحُ الْأَمَةِ لَيْسَ بِمَعْهُودٍ وَغَيْرُ الْمَعْهُودِ خَارِجٌ عَنْ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ عِنْدَهُمَا. اهـ. غَايَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>