للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَفَتْ ثَلَاثَةٌ) أَيْ كَفَى ذِكْرُ ثَلَاثٍ مِنْ الْحُدُودِ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَكْفِي وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْحُدُودِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَمْ يَتِمَّ بِذِكْرِ الثَّلَاثَةِ كَمَا لَا يَتِمُّ بِذِكْرِ الِاثْنَيْنِ وَلَنَا أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ بِخِلَافِ مَا إذَا غَلِطَ فِي الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِهِ الْمُدَّعِي وَلَا كَذَلِكَ تَرَكَهَا وَنَظِيرُهُ إذَا ادَّعَى شِرَاءَ شَيْءٍ بِثَمَنٍ مَنْقُودٍ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ، وَإِنْ سَكَتُوا عَنْ بَيَانِ جِنْسِ الثَّمَنِ، وَلَوْ ذَكَرُوا ذَلِكَ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ لَمْ تُقْبَلْ وَكَمَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْحَدِّ فِي الدَّعْوَى يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا لِلْقَاضِي

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَسْمَاءُ أَصْحَابِهَا) أَيْ ذِكْرُ أَسْمَاءِ أَصْحَابِ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَذِكْرُ أَنْسَابِهِمْ لِيَتَمَيَّزُوا عَنْ غَيْرِهِمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ إنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا) أَيْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ جَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدُودِ إنْ لَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ مَشْهُورًا بَيْنَ النَّاسِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ تَمَامَ التَّعْرِيفِ يَحْصُلُ بِهِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا يُكْتَفَى بِذِكْرِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنَّهُ فِي يَدِهِ) أَيْ وَذَكَرَ أَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَكُونُ خَصْمًا إلَّا إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَثْبُتُ الْيَدُ فِي الْعَقَارِ بِتَصَادُقِهِمَا بَلْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ) أَيْ لَا تَثْبُتُ الْيَدُ فِيهِ بِتَصَادُقِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ غَيْرُ مُشَاهَدَةٍ وَلَعَلَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا تَوَاضَعَا فِيهِ لِيَكُونَ لَهُمَا ذَرِيعَةً إلَى أَخْذِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِيهِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي لِتَنْتَفِيَ تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُعَايَنَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِ الزِّيَادَةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) أَيْ ذَكَرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِالشَّيْءِ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَعْلَمُ لِمَاذَا ذَكَرَ حَقَّهُ عِنْدَهُ فَبِذِكْرِهِ أَنَّهُ طَالِبُ يَتَبَيَّنُ لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الطَّلَبِ لَحَسِبَ الْقَاضِي أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ لَهُ عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ فَيُزِيلُ ذَلِكَ الْوَهْمَ بِالنَّصِّ عَلَى الطَّلَبِ وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَهُ لِاحْتِمَالِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا إذَا طَلَبَ؛ لِأَنَّهُ نُصِّبَ لِقَطْعِ الْخُصُومَاتِ لَا لِإِنْشَائِهَا، فَإِذَا بَيَّنَ طَلَبَهُ أَجَابَهُ وَإِلَّا فَلَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ بِرَهْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ إجَارَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَزُولُ الِاحْتِمَالُ بِدُونِ طَلَبِهِ وَلِهَذَا قَالُوا يَجِبُ فِي الْمَنْقُولِ أَنْ يَقُولَ هُوَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَانَ دَيْنًا ذَكَرَ وَصْفَهُ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَا لَهُ دَارٌ وَلَا عَقَارٌ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَقِيلَ الْعَقَارُ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ الْمَبْنِيَّةِ وَالضَّيْعَةُ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ لَا غَيْرُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا يُكْتَفَى بِذِكْرِهِ) كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرُ الْبُخَارِيُّ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا لَا عَيْنًا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِحْضَارُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ لِأَنَّ الْإِحْضَارَ إنَّمَا اُشْتُرِطَ ثَمَّةَ لِيَمْتَازَ الْمُدَّعَى مِنْ غَيْرِهِ بِالْإِشَارَةِ الَّتِي عِنْدَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ وَعِنْدَ اسْتِحْلَافِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَشْتَرِكُ مَعَ عَيْنٍ أُخْرَى فِي الْوَصْفِ وَالْحِلْيَةِ فَلَا يَنْقَطِعُ الشَّكُّ مَا لَمْ تَكُنْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا فِي الْحُضُورِ وَالدَّيْنُ لَا يُمْكِنُ إعْلَامُهُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ إحْضَارُهُ بَلْ اُكْتُفِيَ بِبَيَانِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَالْوَصْفِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ مُسْتَهْلَكَةً حَيْثُ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إشَارَةٍ لِأَنَّ الدَّعْوَى فِي قِيمَتِهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَفِي مِثْلِهَا إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَالْمِثْلُ وَالْقِيمَةُ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الدُّيُونِ تُقْبَلُ بِلَا إشَارَةٍ إلَيْهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْقُدُورِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا تُقْبَلُ الدَّعْوَى حَتَّى يَذْكُرَ شَيْئًا مَعْلُومًا فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَشْمَلُ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ جَمِيعًا وَلَكِنْ إنْ كَانَ نَقْلِيًّا قَائِمًا بِعَيْنِهِ يُشْتَرَطُ الْإِحْضَارُ، وَإِنْ كَانَ عَقَارًا يَجِبُ التَّحْدِيدُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَافْهَمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(فُرُوعٌ) فِي التَّتِمَّةِ لَوْ ادَّعَى دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ وَقَالَ كُلُّ التَّرِكَةِ فِي يَدِ هَذَا يَحْلِفُ وَحْدَهُ بِاَللَّهِ مَا وَصَلَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ دَيْنًا عَلَى أَبِيهِ وَقِيلَ يَحْلِفُ يَمِينَيْنِ عَلَى الْوُصُولِ عَلَى الْبَتَاتِ وَعَلَى الدَّيْنِ عَلَى الْعِلْمِ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُدَّعِيَ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا اسْتَوْفَاهُ وَلَا أَبْرَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْخَصْمُ وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى رَجُلٌ ادَّعَى دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا اسْتَوْفَيْتَهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ وَهَذَا لَيْسَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ خَاصَّةً بَلْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَدَّعِي حَقًّا فِي التَّرِكَةِ وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ أَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَهُوَ مِثْلُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ دَعْوَى اهـ.

قَالَ الْإِمَامُ النَّاصِحِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ مَا مُلَخَّصُهُ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى مَيِّتٍ شَيْئًا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَارِثٍ وَاحِدٍ أَوْ عَلَى الْوَصِيِّ فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ خَصْمٌ فِيمَا يَجِبُ لِلْمَيِّتِ وَعَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ لِلْمَيِّتِ قِبَلَهُ دَيْنٌ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَيُقْضَى بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَبِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِذَا كَانَ خَصْمًا فِي الْجَمِيعِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ لِأَنَّ الْوَصِيَّ خَصْمٌ عَنْ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُخَاصِمُ عَنْهُ وَيَرُدُّ بِالْعَيْبِ فَهَذِهِ بَيِّنَةٌ أَقَامَهَا خَصْمٌ فَوَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ، وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى غَرِيمٍ أَوْ مُوصَى لَهُ لَمْ يُقْضَ بِهَا وَلَا يَكُونُ الْخَصْمُ عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا وَارِثًا أَوْ وَصِيًّا لِأَنَّ الْغَرِيمَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فَهَذِهِ بَيِّنَةٌ أُقِيمَتْ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ فَلَا تُقْبَلُ، وَإِذَا كَانَ الْوَرَثَةُ صِغَارًا نَصَّبَ لَهُمْ وَصِيًّا وَيَجُوزُ إثْبَاتُ الْحَقِّ الْمُدَّعَى عَلَى الْمَيِّتِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَلِي عَلَيْهِمْ فَصَارَ كَالْأَبِ وَلِلْأَبِ أَنْ يُنَصِّبَ عَلَيْهِمْ وَصِيًّا كَذَلِكَ هَذَا وَلِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي أَبْسَطُ مِنْ وِلَايَةِ الْوَصِيِّ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ كَذَلِكَ لِلْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ لَهُمْ وَصِيًّا ثُمَّ إذَا دَفَعَ الْمَالَ إلَى الْغَرِيمِ اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ مَا قَبَضَ هَذَا الْمَالَ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَلَا مِنْ أَحَدٍ أَدَّاهُ إلَيْهِ وَلَا قَبَضَ لَهُ قَابِضٌ بِأَمْرِهِ وَلَا أَبْرَأَهُ مِنْهُ وَلَا عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا حَطَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>