للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُطْلَقِ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ لِتَأَكُّدِهَا بِالْيَدِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ أَوْ عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ وَالْمَرْأَةُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّهُ يَكُونُ أَوْلَى، وَلَوْ ادَّعَيَا أَمَةً وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا أَمَتُهُ دَبَّرَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا وَأَقَامَا بَيِّنَةً كَانَ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ أَوْلَى، وَلَنَا أَنَّ الْبَيِّنَاتِ شُرِعَتْ لِلْإِثْبَاتِ؛ لِأَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ مُبَيِّنَةً مُظْهِرَةً لَكِنَّهَا أَخَذَتْ حُكْمَ الْإِثْبَاتِ لِمَا أَنَّا لَا عِلْمَ لَنَا بِهِ إذْ الْأَحْكَامُ تَثْبُتُ بِأَسْبَابِهَا فَصَارَتْ كَالْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنَّهَا أَمَارَاتٌ فِي حَقِّ الشَّارِعِ وَفِي حَقِّنَا لَهَا حُكْمُ الْإِثْبَاتِ.

وَلِهَذَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ عِنْدَ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُحَالُ إلَى شَهَادَتِهِمْ إيجَابًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ بَيِّنَتُهُ أَكْثَرَ إثْبَاتًا؛ لِأَنَّهُ بِبَيِّنَتِهِ يَسْتَحِقُّ عَلَى ذِي الْيَدِ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِظَاهِرِ يَدِهِ وَذُو الْيَدِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْخَارِجِ بِبَيِّنَتِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْخَارِجِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِوَجْهٍ مَا، وَقَدْرُ مَا أَثْبَتَتْهُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ كَانَ ثَابِتًا بِظَاهِرِ يَدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إنْسَانٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِأَنَّهُ لَهُ وَإِذَا نَازَعَهُ أَحَدٌ فِي الْمِلْكِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ دَفَعَ الْقَاضِي عَنْهُ وَلَمْ تَثْبُتْ بَيِّنَتُهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ، وَأَمَّا بَيِّنَةُ الْخَارِجِ، فَإِنَّهَا أَثْبَتَتْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَهُ فَكَانَتْ أَوْلَى إذْ الْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ النِّتَاجِ، فَإِنَّ بَيِّنَةَ صَاحِبِ الْيَدِ فِيهِ مُتَضَمِّنَةٌ لِدَفْعِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهَا تَقُومُ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ وَأَوَّلِيَّةُ الْمِلْكِ لَا تَثْبُتُ إلَّا لِأَحَدِهِمَا، فَإِذَا قَدَّرْنَا ثُبُوتَهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ مُتَضَمِّنَةً دَفَعَ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فَوُجِدَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ فَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ بِالْيَدِ وَفِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَمْ يُوجَدْ التَّعَارُضُ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ لَمْ تُثْبِتْ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ حَتَّى تُعَارِضَهَا بَيِّنَةُ ذِي الْيَد بِالدَّفْعِ وَالتَّرْجِيحُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ التَّعَارُضِ.

وَيُتَصَوَّرُ فِيهِ أَيْضًا أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ بِهِمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَلَمْ يَكُنْ فِي بَيِّنَتِهِ مَا يَدْفَعُ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فَلَا تُقْبَلُ وَبِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَالْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ مُثْبِتًا فَتَعَارَضَتَا فَتُرَجَّحُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ بِالْيَدِ وَبِخِلَافِ دَعْوَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى سَبَبِ الْمِلْكِ أَيْضًا فَصَارَتْ كَالنِّتَاجِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَكَلَامُنَا فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَا فِي الْمِلْكِ بِسَبَبٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ ذَا الْيَدِ أَوْلَى بِالِاتِّفَاقِ إذَا كَانَ سَبَبًا لَا يَتَكَرَّرُ فِي الْمِلْكِ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا يُقَالُ: إنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرَا سَبَبَ الْمِلْكِ بِأَنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فَبَطَلَ مَا ذَكَرْتُمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: السَّبَبُ فِيهِ مُتَعَيِّنٌ إذْ لَا طَرِيقَ لِهَذَا الْمِلْكِ إلَّا بِهِ فَيَكُونُ دَعْوَى الْمِلْكِ فِيهِ دَعْوَى لِلسَّبَبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي وَلَاءِ شَخْصٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى لِتَعَيُّنِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ فِي مِلْكِهِ وَلَا كَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَلِأَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الْمُدَّعِي، وَالْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بِالنَّصِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَجْهَهُ مِنْ الِاسْتِغْرَاقِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ مَا لَمْ يَكُنْ مُدَّعِيًا بِدَعْوَى السَّبَبِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقُضِيَ لَهُ إنْ نَكَلَ مَرَّةً بِلَا أَحْلِفُ أَوْ سَكَتَ) أَيْ قُضِيَ لِلْمُدَّعِي إنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَرَّةً صَرِيحًا بِقَوْلِهِ لَا أَحْلِفُ أَوْ دَلَالَةً بِسُكُوتِهِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ وَقُضِيَ لَهُ بِمَعْنَى عَلَى أَيْ قُضِيَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاللَّامُ تَأْتِي بِمَعْنَى عَلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: ٧] أَيْ فَعَلَيْهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُقْضَى بِنُكُولِهِ بَلْ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي إذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ يُقْضَى لَهُ بِالْمَالِ، وَإِنْ نَكَلَ انْقَطَعَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ حَلَّفَ الْمُدَّعِيَ بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا وَجَبَتْ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى الْمُنْكِرِ لِكَوْنِ الظَّاهِرِ يَشْهَدُ لَهُ، فَإِذَا نَكَلَ هُوَ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ وَلِأَنَّ النُّكُولَ مُحْتَمَلٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ اشْتِبَاهِ الْحَالِ أَوْ لِأَجْلِ التَّوَرُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ أَوْ لِأَجْلِ التَّرَفُّعِ عَنْ الصَّادِقَةِ كَمَا فَعَلَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّهُ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَقَالَ أَخَافُ أَنْ يُوَافِقَهُ قَضَاءٌ فَيُقَالُ إنَّ عُثْمَانَ حَلَفَ كَاذِبًا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ فَلَا يُقْضَى بِهِ وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا أَنَّهُ وَافَقَ إجْمَاعَهُمْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ بِأَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ أَوْلَى وَقَوْلُ مَالِكٍ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ كَذَا فِي التَّفْرِيعِ وَقَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ كَقَوْلِنَا كَذَا فِي الْخِرَقِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ) أَيْ كَمَا لَا تَدُلُّ الْيَدُ عَلَى النِّتَاجِ فَكَانَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى غَيْرِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْيَدُ فَتَرَجَّحَتْ بِالْيَدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَضَى لَهُ إنْ نَكَلَ) قَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا النُّكُولُ حُجَّةٌ يُقْضَى بِهَا فِي بَابِ الْأَمْوَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ وَقَضَى لَهُ بِمَعْنَى عَلَى) وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الضَّمِيرُ الْبَارِزُ فِي قَوْلِهِ لَهُ وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي قَوْلِهِ نَكَلَ رَاجِعَيْنِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَضَمِيرُ لَهُ رَاجِعٌ لِلْمُدَّعِي وَضَمِيرُ نَكَلَ رَاجِعٌ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ: أَوْ لِأَجْلِ التَّوَرُّعِ عَنْ الْيَمِينِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّ النُّكُولَ عَنْ الْيَمِينِ يَحْمِلُ التَّوَرُّعَ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ وَالتَّحَرُّزَ عَنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ وَالتَّرَوِّيَ لِاشْتِبَاهِ الْأَمْرِ، وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا فَعَلَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) أَيْ حِينَ ادَّعَى عَلَيْهِ الْمِقْدَادُ مَالًا عِنْدَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - اهـ

(قَوْلُهُ: وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ، فَإِنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ أَبَا بَكْرٍ الْمَدْعُوَّ بخواهر زاده قَالَ فِي مَبْسُوطِهِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُمْ قَضَوْا بِالنُّكُولِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَقْرَانِهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>