للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّ الْمُنْكِرَ طَلَبَ مِنْهُ رَدَّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي فَقَالَ لَيْسَ لَك إلَيْهِ سَبِيلٌ وَقَضَى بِالنُّكُولِ بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قالون وَمَعْنَاهَا بِالرُّومِيَّةِ أَصَبْت وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ امْرَأَةً ادَّعَتْ عِنْدَهُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ قَالَ لَهَا حَبْلُك عَلَى غَارِبِك فَحَلَّفَ عُمَرُ الزَّوْجَ بِاَللَّهِ مَا أَرَدْت طَلَاقًا فَنَكَلَ فَقَضَى عَلَيْهِ بِالْفُرْقَةِ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَلِأَنَّ النُّكُولَ دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ أَدَاءً لِلْوَاجِبِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَتَرَجَّحَتْ هَذِهِ الْجِهَةُ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ التَّرَفُّعِ وَالتَّوَرُّعِ وَالِاشْتِبَاه؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَأْتِي بِالْوَاجِبِ فَلَا يَتَرَفَّعُ عَنْ الصَّادِقَةِ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ فَلَا يَكُونُ نُكُولُهُ تَوَرُّعًا عَنْ الْكَاذِبَةِ ظَاهِرًا بِاعْتِبَارِ حَالِهِ، وَلَوْ كَانَ لِاشْتِبَاهِ الْحَالِ لَاسْتَمْهَلَ حَتَّى يَنْكَشِفَ لَهُ الْحَالُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ الْبَذْلِ وَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي لِمَا رَوَيْنَا مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَرْضُ الْيَمِينِ ثَلَاثًا نَدْبًا) أَيْ عَرَضَ الْقَاضِي الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ يَقُولُ لَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْك الْيَمِينَ، فَإِنْ حَلَفْت وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك بِمَا ادَّعَاهُ إعْلَامًا لَهُ لِلْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ خَفَاءٍ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَرَاهُ، فَإِذَا كَرَّرَ عَلَيْهِ الْإِنْذَارَ وَالْعَرْضَ وَلَمْ يَحْلِفْ حَكَمَ عَلَيْهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا آفَةَ بِهِ مِنْ طَرَشٍ وَخَرَسٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ التَّكْرَارَ حَتْمٌ حَتَّى لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِالنُّكُولِ مَرَّةً لَا يَنْفُذُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْفُذُ، وَالْعَرْضُ ثَلَاثًا مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ نَظِيرُ إمْهَالِ الْمُرْتَدِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَكَذَا هَذَا مُبَالَغَةً فِي الْإِنْذَارِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النُّكُولُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ يَمِينٌ قَاطِعٌ لِلْخُصُومَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْيَمِينِ عِنْدَ غَيْرِهِ فِي حَقِّ الْخُصُومَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ عَلَى فَوْرِ النُّكُولِ فِيهِ اخْتِلَافٌ ثُمَّ إذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِيَمِينِهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ، فَإِنْ وَجَدَ بَيِّنَةً أَقَامَهَا عَلَيْهِ وَقَضَى لَهُ بِهَا وَبَعْضُ الْقُضَاةِ مِنْ السَّلَفِ كَانُوا لَا يَسْمَعُونَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْحَلِفِ وَيَقُولُونَ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ صِدْقِهِ بِالْيَمِينِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا يَتَرَجَّحُ جَانِبُ صِدْقِ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ حَتَّى لَا يُعْتَبَرَ يَمِينُ الْمُنْكِرِ مَعَهَا وَهَذَا الْقَوْلُ مَهْجُورٌ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبِلَ الْبَيِّنَةَ مِنْ الْمُدَّعِي بَعْدَ يَمِينِ الْمُنْكِرِ وَكَانَ شُرَيْحٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ أَنْ تُرَدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَهَلْ يَظْهَرُ كَذِبُ الْمُنْكِرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ حَتَّى لَا يُعَاقَبَ عُقُوبَةَ شَاهِدِ الزُّورِ وَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ إنْ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفٌ فَادَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ فَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَظْهَرُ كَذِبُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَظْهَرُ وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ حَلَفَ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ ضَامِنٌ لِلْمَالِ وَحَلَفَ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي نِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ وَفَيْءٍ وَاسْتِيلَادٍ وَرِقٍّ وَنَسَبٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ النُّكُولَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّ النُّكُولَ وَهُوَ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْيَمِينِ جُعِلَ بَذْلًا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ إقْرَارًا عَلَى مَذْهَبِ صَاحِبِيهِ فَلَوْلَا ذَلِكَ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمَلًا بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَحَيْثُ لَمْ يُقْدِمْ عَلَى الْيَمِينِ دَلَّ أَنَّهُ بَذَلَ الْحَقَّ أَوْ أَقَرَّ، فَإِذَا بَذَلَ أَوْ أَقَرَّ وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي الْحُكْمُ بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا نَكَلَ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ يُعْتَبَرُ النُّكُولُ إقْرَارًا وَتَكْرَارُ النُّكُولِ شَرْطٌ دُونَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ شَرْطًا فِي النُّكُولِ عَلَى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ التَّكْرَار شَرْطٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فَنَقُولُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُعْتَبَرَ التَّكْرَارُ فِي النُّكُولِ دُونَ الْإِقْرَارِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَالْبَيِّنَةِ مَعَ الْإِقْرَارِ وَلَا يُقَالُ يُقْبَلُ الرُّجُوعُ عَنْ النُّكُولِ دُونَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّا نَقُولُ يُقْبَلُ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ أَيْضًا فِي الْحُدُودِ الْوَاجِبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ يُقْبَلُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِحَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ، فَإِنَّ الرُّجُوعَ عَنْهُ لَا يَصِحُّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بَاذِلًا) أَيْ حَقَّ الْمُدَّعِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ مُقِرًّا) أَيْ بِحَقِّ الْمُدَّعِي عِنْدَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِمَا رَوَيْنَا مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ) بَيَانُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ لِقِدَمِ الْعَهْدِ فَمَنْ قَالَ بِرَدِّهَا عَلَى الْمُدَّعِي كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ رَدَّا لِحُكْمِ الْحَدِيثِ وَهُوَ فَاسِدٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ: حَكَمَ عَلَيْهِ إذَا عَلِمَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَاتِ اخْتَلَفَتْ فِيمَا إذَا سَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ أَحْلِفُ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إذَا سَكَتَ سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُ هَلْ بِهِ خَرَسٌ أَوْ طَرَشٌ، فَإِنْ قَالُوا لَا جَعَلَهُ نَاكِلًا وَقَضَى عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُحْبَسُ حَتَّى يُجِيبَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَالْخَرَسُ آفَةٌ بِاللِّسَانِ تَمْنَعُ الْكَلَامَ أَصْلًا وَيُقَالُ طَرِشَ يَطْرَشُ طَرَشًا مِنْ بَابِ عَلِمَ أَيْ صَارَ أُطْرُوشًا وَهُوَ الْأَصَمُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ مَا نَصُّهُ وَفِي الْأَقْضِيَةِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَلَزِمَهُ السُّكُوتُ فَلَمْ يُجِبْ أَصْلًا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ ثُمَّ يَسْأَلُ جِيرَانَهُ عَسَى بِهِ آفَةٌ فِي لِسَانِهِ أَوْ سَمْعِهِ، فَإِنْ أَخْبَرُوا أَنَّهُ لَا آفَةَ بِهِ يُحْضَرُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ، فَإِنْ سَكَتَ وَلَمْ يُجِبْ يُنْزَلُ مَنْزِلَةَ مُنْكِرٍ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ هَذَا قَوْلُهُمَا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيُحْبَسُ حَتَّى يُجِيبَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَظْهَرُ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْفَتْوَى فِي دَعْوَى الدَّيْنِ إنْ ادَّعَاهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً يَظْهَرُ كَذِبُهُ، وَإِنْ ادَّعَى الدَّيْنَ بِسَبَبٍ وَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى السَّبَبِ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ وَجَدَ الْقَرْضَ ثُمَّ وَجَدَ الْإِبْرَاءَ أَوْ الْإِيفَاءَ كَذَا فِي الْفُصُولِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا يُسْتَحْلَفُ إلَى قَوْلِهِ وَوَلَاءٌ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ اعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ وَصُورَتُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>