للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ وَبَيْعٌ قَائِمٌ وَمَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ وَمَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك الْآنَ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْغَصْبِ وَالطَّلَاقِ) وَلَا يُقَالُ بِاَللَّهِ مَا نَكَحْت وَلَا بِاَللَّهِ مَا بِعْت وَلَا بِاَللَّهِ مَا غَصَبْت وَلَا بِاَللَّهِ مَا طَلَّقْت؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ قَدْ تَقَعُ ثُمَّ تَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ كَالطَّلَاقِ وَالْإِقَالَةِ وَالْهِبَةِ وَالنِّكَاحِ الْجَدِيدِ فَلَا يُمْكِنُ تَحْلِيفُهُ عَلَى السَّبَبِ فَيُحَلِّفُهُ عَلَى الْحَاصِلِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالسَّبَبِ ثُمَّ ادَّعَى طُرُوَّ الرَّافِعِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ فَيَحْتَالُ بِهَذَا الطَّرِيقِ إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَسْبَابِ أَحْكَامُهَا فَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِهَا لَا عَلَى نَفْيِ السَّبَبِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّ الْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ وَالْمُدَّعِي هُوَ السَّبَبُ إلَّا إذَا عَرَضَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ قَدْ وَقَعَ الْبَيْعُ ثُمَّ تَقَايَلْنَا وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُحَلِّفُهُ عَلَى الْحَاصِلِ نَظَرًا لَهُ كَيْ لَا يَفُوتَ حَقُّهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ يَحْلِفُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ السَّبَبُ يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ وَلَيْسَ فِي تَحْلِيفِهِ عَلَى الْحَاصِلِ ضَرَرٌ بِالْمُدَّعِي، فَإِنْ كَانَ سَبَبًا لَا يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ كَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إذَا ادَّعَى الْعِتْقَ عَلَى مَوْلَاهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِمَا بِالِارْتِدَادِ وَنَقْضِ الْعَهْدِ ثُمَّ الِالْتِحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَا يَتَكَرَّرُ عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إذْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ عِنْدَ ارْتِدَادِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي التَّحْلِيفِ عَلَى الْحَاصِلِ ضَرَرٌ بِالْمُدَّعِي مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ شُفْعَةً بِالْجِوَارِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَرَاهَا وَمِثْلُ أَنْ تَدَّعِيَ الْمَبْتُوتَةُ النَّفَقَةَ وَالزَّوْجُ لَا يَرَاهَا، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ حِينَئِذٍ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ فِي تَحْلِيفِهِ عَلَى الْحَاصِلِ تَرْكَ النَّظَرِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي إذْ هُوَ يَحْلِفُ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِ فَيَبْطُلُ حَقُّ الْمُدَّعِي

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ ادَّعَى شُفْعَةً بِالْجِوَارِ أَوْ نَفَقَةَ الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُشْتَرِي أَوْ الزَّوْجُ لَا يَرَاهُمَا يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ) لِمَا ذَكَرْنَا فَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّحْلِيفَ عَلَى الْحَاصِلِ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا إلَّا إذَا أَدَّى إلَى الْإِضْرَارِ بِالْمُدَّعِي أَوْ كَانَ سَبَبًا لَا يَتَكَرَّرُ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ التَّحْلِيفُ عَلَى السَّبَبِ هُوَ الْأَصْلُ إلَّا إذَا عَرَضَ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى الْعِلْمِ لَوْ وَرِثَ عَبْدًا فَادَّعَاهُ آخَرُ) أَيْ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ إذَا وَرِثَ عَبْدًا وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ لَهُ وَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَعْلَمُ بِمَا فَعَلَ الْمُوَرِّثُ فَيَمْتَنِعُ عَنْ الْيَمِينِ فَيَلْحَقُهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ وَهُوَ مُحِقٌّ ظَاهِرًا فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى الْبَتَاتِ لَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ) يَعْنِي يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ إنْ كَانَ مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ أَوْ بِشِرَائِهِ إيَّاهُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَالشِّرَاءَ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ بِاخْتِيَارِ الْمَالِكِ وَمُبَاشَرَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمُمَلَّكِ لَهُ لَمَا بَاشَرَ السَّبَبَ ظَاهِرًا فَيَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِاخْتِيَارِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ التَّفَحُّصِ ظَاهِرًا فَيُطْلَقُ لَهُ الْحَلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ.

فَإِذَا امْتَنَعَ عَمَّا أُطْلِقَ لَهُ يَكُونُ بَاذِلًا أَمَّا الْوَارِثُ، فَإِنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي الْمِلْكِ وَلَا يَدْرِي مَا فَعَلَ الْمُوَرِّثُ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُطْلَقُ لَهُ الْيَمِينُ عَلَى الْبَتَاتِ وَلِأَنَّ الْوَارِثَ خَلَفٌ عَنْ الْمَيِّتِ وَالْيَمِينُ لَا تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبُ لَهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ مَتَى وَقَعَتْ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ فَالْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ وَمَتَى وَقَعَتْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ تَكُونُ عَلَى الْبَتَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَلَّفَ الْيَهُودِيَّ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُمْ وَلَا عَلِمْتُمْ لَهُ قَاتِلًا فَحَلَّفَهُمْ عَلَى الْبَتَاتِ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُهُمْ وَفِي الثَّانِي عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ غَيْرِهِمْ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا الْأَصْلُ مُسْتَقِيمٌ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا إلَّا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الْعَبْدَ آبِقٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي تَحْلِيفَ الْبَائِعِ، فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُ عَلَى الْبَتَاتِ مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ ضَمِنَ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ سَالِمًا عَنْ الْعُيُوبِ فَالتَّحْلِيفُ يَرْجِعُ إلَى مَا ضَمِنَ بِنَفْسِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ الْحَلِفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ عَلَى الْعِلْمِ إذَا قَالَ الْمُنْكِرُ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الْعِلْمَ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا قَالَ: إنَّ الْوَدِيعَةَ قَبَضَهَا صَاحِبُهَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا ادَّعَى قَبْضَ الْمُوَكِّلِ الثَّمَنَ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِهِمَا لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ لَا يَجْرِي فِي النِّكَاحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْآنَ) قَيْدٌ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ) أَيْ بِأَنْ قَالَ مَا اسْتَقْرَضْت مَا غَصَبْت. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ هَذَا الْمَالُ وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الِالْتِحَاقُ بِدَارِ الْحَرْبِ) أَيْ وَالسَّبْيُ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ ادَّعَى شُفْعَةً إلَخْ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ كِتَابِ الِاسْتِحْلَافِ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ إسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْن أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى دَارًا فِي جِوَارِهِ وَأَنَّهُ يُطَالَبُ بِالشُّفْعَةِ فِيهَا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشِّرَاءَ فَأَرَادَ إسْمَاعِيلُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْت فَقَالَ قَدْ يَشْتَرِي الْإِنْسَانُ وَيُسْقِطُ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ فَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك شُفْعَةٌ فِي هَذِهِ الدَّارِ فِي الْحَالِ فَقَالَ الْمُدَّعِي إنَّ هَذَا يَعْتَقِدُ أَنَّ شُفْعَةَ الْجِوَارِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، فَإِنْ اسْتَحْلَفْته تَأَوَّلَ ذَلِكَ فَقَالَ إسْمَاعِيلُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ الشِّرَاءِ فَقَدْ حَكَمْتُ عَلَيْك بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ اسْتَحْلَفَهُ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْك شُفْعَةٌ فِي هَذِهِ الدَّارِ فِي الْحَالِ فَامْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُشْتَرِي أَوْ الزَّوْجُ لَا يَرَاهُمَا) أَيْ كَمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ الْمُشْتَرِي شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ اهـ (قَوْلُهُ: وَمُبَاشَرَتُهُ) خَرَجَ بِهَذَا الْإِرْثُ، فَإِنَّهُ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ لَكِنْ لَيْسَ بِاخْتِيَارِ الْمَالِكِ وَمُبَاشَرَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا ادَّعَى قَبْضَ الْمُوَكِّلِ الثَّمَنَ) أَيْ وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ بِاَللَّهِ لَقَدْ قَبَضَ الْمُوَكِّلُ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>