لِأَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى ذَلِكَ وُضِعَتْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ اُقْتُصِرَ عَلَيْهِ فِي الْقَسَامَةِ بِقَوْلِهِمْ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى الْمُنْكِرِ وَهُوَ النَّافِي فَيَحْلِفُ عَلَى هَيْئَةِ النَّفْيِ إشْعَارًا بِأَنَّ الْحَلِفَ وَجَبَ عَلَيْهِ لِإِنْكَارِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُنْكِرٌ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِيَ يُنْكِرُ وَيَدَّعِي زِيَادَةَ الْمَبِيعِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَحَدِهِمَا فَأَحَدُهُمَا يَدَّعِي زِيَادَةَ الْبَدَلِ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ وَالْمُنْكِرُ مِنْهُمَا يَدَّعِي وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ عَلَى صَاحِبِهِ عِنْدَ تَسْلِيمِهِ الْبَدَلَ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَصَارَا مُدَّعِيَيْنِ وَمُنْكِرَيْنِ فَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِكَوْنِهِ مُدَّعِيًا وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا وَهَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ فَظَاهِرٌ وَهُوَ قِيَاسٌ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَمُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ الْقَابِضَ مِنْهُمَا لَا يَدَّعِي شَيْئًا عَلَى صَاحِبِهِ وَإِنَّمَا يُنْكِرُ مَا ادَّعَاهُ الْآخَرُ وَلَكِنْ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا»
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ) لِأَنَّهُ صَارَ مُقِرًّا بِهِ أَوْ بَاذِلًا فَلَزِمَهُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ بِدُونِ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْبَذْلِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةُ الْبَذْلِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا بِانْفِرَادِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي التَّحَالُفِ إذَا كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْبَذْلِ مَقْصُودًا وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ آخَرَ نَحْوُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ مِنْ آخَرَ سَمْنًا فِي زِقٍّ وَوَزْنُهُ مِائَةُ رَطْلٍ ثُمَّ جَاءَ بِالزِّقِّ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَوَزْنُهُ عِشْرُونَ فَقَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ هَذَا زِقِّي وَقَالَ الْمُشْتَرِي هُوَ زِقُّك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ رَطْلٍ ثَمَنًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ فَجَعَلَ هَذَا اخْتِلَافًا فِي الْمَقْبُوضِ وَفِيهِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ فِي نَفْسِ الْقَبْضِ وَالْمَقْبُوضِ فَكَذَا فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِهِ اخْتِلَافٌ فِي الثَّمَنِ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَزْدَادُ بِنُقْصَانِ الزِّقِّ وَيَنْقُصُ بِزِيَادَتِهِ فَالْبَائِعُ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ وَلَمْ يُعْتَبَرْ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي إيجَابِ التَّحَالُفِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ وَقَعَ مُقْتَضَى اخْتِلَافِهِمَا فِي الزِّقِّ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ أَوْ شَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ فِي قَبْضِ بَعْضِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ أَوْ بَعْضِهِ أَوْ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ فِي رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ إقَالَةِ السَّلَمِ لَمْ يَتَحَالَفَا) وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ أَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي الْأَجَلِ أَوْ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ فِي قَبْضِ بَعْضِ الثَّمَنِ فَلِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودِ بِهِ فَأَشْبَهَ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَطِّ وَالْإِبْرَاءِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَلُّ الْعَقْدُ بِانْعِدَامِهِ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ وَجِنْسِهِ حَيْثُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ التَّحَالُفُ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ لَا غَيْرُ لِكَوْنِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَلَا كَذَلِكَ الْأَجَلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْفٍ لَهُ أَلَا تَرَى أَنْ لِلثَّمَنِ وُجُودًا بِدُونِهِ وَكَذَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
فَسَكَتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَبَيَّنَ مَا يُشْكِلُ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ بَيَانُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى ذَلِكَ وُضِعَتْ) أَيْ وُضِعَتْ لَا عَلَى الْإِثْبَاتِ اهـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ) قَالَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ مَقْبُوضَةٌ كَانَتْ أَوْ لَمْ تَكُنْ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى دَعْوَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي عَلَى دَعْوَى الْبَائِعِ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَاهُ وَهُوَ الْبَيْعُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا فَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ آنِفًا وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ النُّكُولَ فِي مَعْنَى الْبَذْلِ وَبَذْلُ الْأَعْوَاضِ صَحِيحٌ فَإِذَا كَانَ النَّاكِلُ بَاذِلًا لَمْ تَبْقَ دَعْوَاهُ مُعَارِضَةً لِدَعْوَى صَاحِبِهِ فَيَثْبُتُ دَعْوَى صَاحِبِهِ لِسَلَامَتِهِ عَنْ الْمُعَارِض. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ النُّكُولَ. اهـ. (قَوْلُهُ نَحْوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ مِنْ آخَرَ سَمْنًا فِي زِقٍّ إلَخْ) هَذَا الْفَرْعُ مَذْكُورٌ فِي مَتْنِ الْكَنْزِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَرَاجِعْ الْحَاشِيَةَ الَّتِي فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ نَقْلًا عَنْ الْكَمَالِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلِلْمُشْتَرِي لَوْ فِي الرُّؤْيَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فَكَذَا فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ) يَعْنِي الْقَوْلُ فِيهِ لِلْقَابِضِ هَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ حَيْثُ قَالَ وَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ لِلْقَابِضِ فَلْيُرَاجَعْ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ فِي قَبْضِ بَعْضِ الثَّمَنِ) ذِكْرُ الْبَعْضِ لَيْسَ بِقَيْدٍ إذْ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ كُلِّ الثَّمَنِ كَذَلِكَ يَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ لَا غَيْرُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْإِبْرَاءِ) يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَا فِي حَطِّ بَعْضِ الثَّمَنِ أَوْ إبْرَاءِ كُلِّ الثَّمَنِ لَمْ يَتَحَالَفَا فَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ. اهـ. (قَوْله وَلِهَذَا لَا يَخْتَلُّ الْعَقْدُ بِانْعِدَامِهِ) أَيْ بِانْعِدَامِ الْأَجَلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ) أَعْنِي فِي جُودَتِهِ أَوْ رَدَاءَتِهِ. اهـ. غَايَةً (قَوْلُهُ وَجِنْسِهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمُ وَالْآخَرُ دَنَانِيرُ اهـ غَايَةً
(قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ إلَخْ) وَالتَّحْقِيقُ هُنَا أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّحَالُفَ شُرِعَ بِالنَّصِّ إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ إذَا أَمْكَنَ الْفَسْخُ بَعْدَ التَّحَالُفِ لِيُتَوَصَّلَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى رَأْسِ مَالِهِ إذَا لَمْ يَصِلْ لَهُ مَا ادَّعَى قِبَلَ صَاحِبِهِ وَهَذَا مُمْكِنٌ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ لِأَنَّهُمَا إذَا تَحَالَفَا لَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْ الثَّمَنَيْنِ أَوْ الْمُثَمَّنَيْنِ فَيَبْقَى الْبَيْعُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ أَوْ مُثَمَّنٍ وَهُوَ فَاسِدٌ فَيَجِبُ الرَّدُّ وَالْمُتَارَكَةُ بِسَبَبِ الْفَسَادِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ اخْتَلَفَا فِي شَرْطٍ زَائِدٍ وَهُوَ الْأَجَلُ وَالْخِيَارُ فَإِذَا تَحَالَفَا لَمْ يَثْبُتْ الشَّرْطُ وَالْبَيْعُ يَبْقَى صَحِيحًا بِدُونِهِ كَمَا لَوْ عَقَدَ الْبَيْعَ بِدُونِهِ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُفْسَخَ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ وَثَمَرَةُ التَّحَالُفِ الْفَسْخُ فَلَا تَحَالُفَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُؤَدِّي إلَى الْفَسْخِ وَيُعَلَّلُ أَيْضًا لِخِيَارِ الشَّرْطِ فَنَقُولُ نَوْعُ خِيَارٍ فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي بُيُوعِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْعَاقِدَيْنِ مَتَى اخْتَلَفَا فِي الْمَمْلُوكِ بِالْعَقْدِ يَتَحَالَفَانِ وَمَتَى اخْتَلَفَا فِي الْمَمْلُوكِ بِالشَّرْطِ لَمْ يَتَحَالَفَا أَوْ نَقُولُ مَتَى اخْتَلَفَا فِي كَلِمَةِ الْعَقْدِ تَحَالَفَا وَمَتَى لَمْ يَخْتَلِفَا فِي كَلِمَةِ الْعَقْدِ لَمْ يَتَحَالَفَا وَالْأَجَلُ مَمْلُوكٌ بِالشَّرْطِ وَلَيْسَ فِي كَلِمَةِ الْعَقْدِ وَالثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ مَمْلُوكٌ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مِنْ كَلِمَةِ الْعَقْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute