للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُسْتَحِقُّهُمَا مُخْتَلَفٌ فَإِنَّ الثَّمَنَ حَقُّ الْبَائِعِ وَالْأَجَلُ حَقُّ الْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ وَصْفًا لِلثَّمَنِ لَكَانَ حَقَّ الْبَائِعِ

وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَتَحَالَفَانِ فِي الْأَجَلِ إذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهِ أَوْ قَدْرِهِ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الِاخْتِلَافِ فِي مِقْدَارِ مَالِيَّةِ الثَّمَنِ فَإِنَّ الْمُؤَجَّلَ أَنْقَصُ مِنْ الْحَالِ فِي الْمَالِيَّةِ وَلِأَنَّ النَّصَّ أَوْجَبَ التَّحَالُفَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَلَمْ يُفَصِّلْ قُلْنَا وُجُوبُ التَّحَالُفِ مُعَلَّقٌ بِاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَهُوَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبَيْعِ فَيَتَعَلَّقُ وُجُوبُهُ بِاخْتِلَافِهِمَا فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْبَيْعُ وَهُوَ يَثْبُتُ بِالْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ لَا بِالْأَجَلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ تَحَالَفَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأَجَلَ لَيْسَ بِوَصْفٍ لِلثَّمَنِ إذْ لَوْ كَانَ وَصَفًّا لَهُ لَذَهَبَ عِنْدَ ذَهَابِهِ إذْ الشَّيْءُ لَا يَبْقَى بِدُونِ وَصْفِهِ وَفُرِّقَ بَيْنَ الْأَجَلِ فِي السَّلَمِ وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ جَعَلَ هُنَاكَ الْقَوْلَ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي الْأَجَلَ وَجَعَلَ الْقَوْلَ هُنَا لِمُنْكِرِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي السَّلَمِ وَتَرْكُهُ فِيهِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَإِقْدَامُهُمَا عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِيهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فِيهِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِنَافِيهِ لِأَنَّ الْأَجَلَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ

وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِأَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِأَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَجَلَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إلَى ثَلَاثٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْآخَرُ الْخِيَارَ وَلَوْ كَانَ وَصْفًا لِلثَّمَنِ لِمَا قَبْلُ وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْبَيْعِ أَوْ فِي مَكَانِ إيفَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَا يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا انْفَرَدَ فِي إنْكَارِ أَصْلِ الْبَيْعِ وَالِاخْتِلَافِ فِي مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْبُيُوعِ وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ صَارَ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ لَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ قِيَامِ السِّلْعَةِ وَالْمُرَادُ بِاشْتِرَاطِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ التَّنْبِيهُ عَلَى عَدَمِ سُقُوطِهِ فِي حَالَةٍ أَدْنَى مِنْهَا كَأَنَّهُ يَقُولُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَحَالَفَا وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَمْيِيزُ الصَّادِقِ مِنْ الْكَاذِبِ إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً بِتَحْكِيمِ قِيمَتِهَا فِي الْحَالِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ بَعْدَ الْهَلَاكِ فَإِذَا كَانَ يَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا مَعَ إمْكَانِ الْمَعْرِفَةِ فَأَوْلَى أَنْ يَجْرِيَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي عَقْدًا غَيْرَ الْعَقْدِ الَّذِي يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ إذْ الْبَيْعُ بِأَلْفٍ غَيْرُ الْبَيْعِ بِأَلْفَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْبَيْعِ إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِعَدَمِ كَمَالِ النِّصَابِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيْعَيْنِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَالْآخَرُ الْهِبَةَ أَوْ كَانَ الْبَيْعُ مُقَايَضَةً فَهَلَكَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ أَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ وَفِي التَّحَالُفِ فَائِدَةٌ وَهُوَ تَسْلِيمُ مَا يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ نُكُولِ الْمُشْتَرِي أَوْ سُقُوطِ الثَّمَنِ كُلِّهِ عَنْ الْمُشْتَرِي عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ نُكُولِهِ.

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ قَائِمَةً وَمَا رَوَيَاهُ مِنْ الْمُطْلَقِ مَحْمُولٌ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

اهـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ

ثُمَّ الِاخْتِلَافُ فِي أَجَلِ الثَّمَنِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَخْتَلِفَا فِي أَصْلِهِ أَوْ فِي قَدْرِهِ أَوْ فِي مُضِيِّهِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْضًا وَالْبَيِّنَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْقَدْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمُضِيِّ وَالْقَدْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي الْمُضِيِّ وَفِي الْقَدْرِ قَوْلُ الْبَائِعِ فَيَجْعَلُ شَهْرًا لَمْ يَمْضِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنًا فَأَمَّا إذَا كَانَ دَيْنًا يَعْنِي السَّلَمَ فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ وَالتَّرَادَّ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَمْلُوكِ بِالشَّرْطِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَتَحَالَفَانِ وَيُتَرَادَّانِ لِأَنَّ السَّلَمَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ فَالِاخْتِلَافُ كَالِاخْتِلَافِ فِي صِفَةِ السَّلَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفَرْقٌ بَيْنَ الْأَجَلِ فِي السَّلَمِ إلَخْ) ثُمَّ الِاخْتِلَافُ فِي أَجَلِ السَّلَمِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهِ أَوْ فِي قَدْرِهِ وَفِي مُضِيِّهِ أَوْ فِيهِمَا جَمِيعًا أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مُدَّعِي الْأَجَلِ هُوَ رَبُّ السَّلَمِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَيَجُوزُ السَّلَمُ وَإِنْ كَانَ مُدَّعِي الْأَجَلِ هُوَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْضًا اسْتِحْسَانًا وَيَجُوزُ السَّلَمُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ السَّلَمِ وَيَفْسُدُ الْمُسْلَمُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ السَّلَمِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَالْبَيِّنَةُ أَيْضًا بَيِّنَتُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ وَمُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ فِي الْقَدْرِ قَوْلُ رَبِّ السَّلَمِ وَالْقَوْلُ فِي الْمُضِيِّ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ عَلَى إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يَمْضِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَالْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِي دَعْوَى التَّأْجِيلِ مُصَدَّقٌ كَرَبِّ السَّلَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا) أَيْ وَيُقْضَى بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ اهـ غَايَةٌ

(قَوْلُهُ وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ) أَيْ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي إذْ قَبْلَ قَبْضِهِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَوْ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ أَمْر بِالتَّحَالُفِ وَالْفَسْخِ عَلَى قِيمَتِهِ وَجَعَلَا الْقَوْلَ لِلْمُشْتَرِي اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ السِّلْعَةَ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً يَتَحَالَفَانِ سَوَاءً كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ وَحَاصِلُ الْخِلَافِ فِي تَحْلِيفِ الْبَائِعِ عِنْدَنَا لَا يَحْلِفُ الْبَائِعُ وَعِنْدَهُمَا يَحْلِفُ اهـ قَوْلُهُ أَوْ فِي الثَّمَنِ أَيْ لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ اهـ شَرَحَهُ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ) أَيْ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ لِأَنَّ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي هَلَاكٌ حُكْمًا وَالْهَلَاكُ لَا يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُمَا اهـ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ قَائِمَةً) أَيْ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ وَالْأَحْوَالُ شُرُوطٌ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>