للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ وَلَفْظُ التَّرَادِّ فِيهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّرَادَّ يَكُونُ فِي الْقَائِمِ دُونَ الْهَالِكِ وَلِأَنَّهُ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ إذَا كَانَ الرَّاوِي لَهُمَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدًا بِالْإِجْمَاعِ وَيُحَالُ تَرْكُ الرَّاوِي عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَيْدَ إلَى غَفْلَتِهِ وَقِلَّةِ ضَبْطِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الرَّاوِيَانِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ يُتْرَكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حَالِهِ فَيُعْمَلُ بِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ وَمَحَلٍّ وَاحِدٍ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ هُنَا يَرْوِيهِمَا ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُؤْخَذُ بِالْمُقَيَّدِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالتَّحَالُفُ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى حَالِ هَلَاكِ السِّلْعَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ إذْ لَا يَعُودُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى رَأْسِ مَالِهِ وَلَا يَدَّعِي الْمُشْتَرِي فِيهِ شَيْئًا بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّهُ بِالتَّحَالُفِ يُفْسَخُ الْعَقْدُ وَالْفَسْخُ يُرَدُّ عَلَى عَيْنِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَيُشْتَرَطُ قِيَامُهُ كَالْعَقْدِ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ وَلَا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ هَلَاكِهِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمَا إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي عَقْدًا غَيْرَ مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قَدْرِ الثَّمَنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ

أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ يَبِيعُهُ بِأَلْفَيْنِ وَأَنَّ الْبَيْعَ بِأَلْفٍ يَصِيرُ بِأَلْفَيْنِ بِالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ وَبِخَمْسِمِائَةٍ بِالْحَطِّ وَإِنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَحَدُهُمَا لَا لِاخْتِلَافِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الدَّنَانِيرَ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي الشِّرَاءَ بِالدَّرَاهِمِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ وَإِنْكَارُهُ صَحِيحٌ وَكَذَا دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يُسَلَّمُ لَهُ إلَّا بِثَمَنٍ فَكَانَ دَعْوَاهُ الثَّمَنَ دَعْوَى الْمَبِيعِ وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى ثَمَنٍ وَهُنَا اتَّفَقَا عَلَى أَلْفٍ وَهُوَ يَكْفِي لِلصِّحَّةِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً جَازَ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْفَسْخِ بَعْدَ التَّحَالُفِ وَلَوْ كَانَ مُخْتَلِفًا لَمَا صَحَّ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا هِبَةً وَالْآخَرُ بَيْعًا لِاخْتِلَافِهِمَا حَقِيقَةً وَبِخِلَافِ بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ فَكَانَ الْبَيْعُ قَائِمًا بِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِيهِ وَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ فَإِذَا كَانَ بَاقِيًا رَدَّهُ وَرَدَّ الْآخَرُ مِثْلَ الْهَالِكِ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَإِلَّا فَقِيمَتَهُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِي التَّحَالُفِ هُنَا فَائِدَةً لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْفَسْخِ أَنْ لَا يُسَلَّمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا الْعِوَضُ وَيَرْجِعُ إلَيْهِ عَيْنُ مَالِهِ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ

وَهُنَا يُسَلَّمُ الْمَبِيعُ لِلْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ كَمَا يُسَلَّمُ لَهُ بِالثَّمَنِ إذَا لَمْ يُفْسَخْ فَلَا يُعْتَدُّ بِاخْتِلَافِ سَبَبِ السَّلَامَةِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ كَمَنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ فَقَالَ الْمَقَرُّ لَهُ هِيَ غَصْبٌ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِعْتَنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَأَنْكَرَ وَقَالَ مَا بِعْتُكَهَا وَإِنَّمَا زَوَّجْتُكَهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ فَإِنَّ حُكْمَ مِلْكِ الْيَمِينِ خِلَافُ حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ وَكَذَا لَا يَرْجِعُ إلَى الْبَائِعِ بِالْفَسْخِ عَيْنُ مَالِهِ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَلَا يَكُونُ فِي الْفَسْخِ فَائِدَةٌ لِأَنَّ مَا يُعْتَبَرُ مِنْ الْفَائِدَةِ هُوَ عَوْدُ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ إلَى صَاحِبِهِ لَا أَيُّ فَائِدَةٍ كَانَتْ وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ هَلَاكِ بَعْضِ الْمَبِيعِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصُورَتُهُ أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِيهَا لَا يَتَحَالَفَانِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ وَجَعَلَ هَذَا فِي النِّهَايَةِ لَفْظَ الْمَبْسُوطِ

وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَقَالَ قَاضِيخَانْ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْمَيِّتِ شَيْئًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَحَالَفَانِ فِي الْحَيِّ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ فِيهِ وَلَا يَتَحَالَفَانِ فِي الْهَالِكِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي ثَمَنِهِ قَوْلَ الْمُشْتَرِي وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَحَالَفَانِ عَلَيْهِمَا وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ فِيهِمَا وَيُرَدُّ الْحَيُّ وَقِيمَةُ الْهَالِكِ لِأَنَّ هَلَاكَ كُلِّ السِّلْعَةِ لَا يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُ فَهَلَاكُ الْبَعْضِ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ امْتِنَاعَ التَّحَالُفِ لِلْهَلَاكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ الْقَبْضِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِي حَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ وَالسِّلْعَةُ اسْمٌ لِجَمِيعِهَا فَلَا تَبْقَى السِّلْعَةُ بَعْدَ فَوَاتِ جُزْءٍ مِنْهَا وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَالُفُ فِي الْقَائِمِ إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقِسْمَةِ عَلَى قِيمَتِهِمَا وَالْقِيمَةُ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَيُؤَدِّي إلَى التَّحْلِيفِ مَعَ الْجَهْلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الثَّمَنُ كُلُّهُ بِمُقَابَلَةِ الْحَيِّ وَيَخْرُجُ الْهَالِكُ عَنْ الْعَقْدِ فَيَكُونُ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى هَذَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي) أَيْ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>