وَيَجْرِي التَّحَالُفُ فِي الْبَاقِي وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ فِيهِ كَمَا إذَا لَمْ يَسْتَوْفِ شَيْئًا وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ فَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي هَلَاكِ بَعْضِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ التَّحَالُفَ فِيهِ عِنْدَهُ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْبَاقِي فَكَذَا هُنَا وَهُمَا خَالَفَا أَصْلِهِمَا فِي الْمَبِيعِ وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا بَيَّنَّاهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْكُلِّ مِنْ أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ فَلَوْ تَحَالَفَا لَا يَبْقَى الْعَقْدُ فَلَمْ يُمْكِنْ إيجَابُ شَيْءٍ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَقْدَ فِي الْإِجَارَةِ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ فَيَصِيرُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنَافِعِ كَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَقْدًا مُبْتَدَأً عَلَى حِدَةٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَذُّرِ التَّحَالُفِ فِي الْمَاضِي التَّعَذُّرُ فِيمَا بَقِيَ إذْ هُمَا فِي حُكْمِ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَيَتَحَالَفَانِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ حَيْثُ يَمْتَنِعُ التَّحَالُفُ فِيهِ عِنْدَهُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَاحِدٌ فَإِذَا امْتَنَعَ فِي الْبَعْضِ امْتَنَعَ فِي الْكُلِّ ضَرُورَةً كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَالْقَوْلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ قَائِمًا بَيْنَهُمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا وَمِمَّا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ الْعِمَامَةُ وَالْقَبَاءُ وَالْقَلَنْسُوَةُ وَالطَّيْلَسَانُ وَالسِّلَاحُ وَالْمِنْطَقَةُ وَالْكُتُبُ وَالْقَوْسُ وَالدِّرْعُ الْحَدِيدُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ لِمَا بَيَّنَّا وَمِمَّا يَصْلُحُ لِلْمَرْأَةِ الْخِمَارُ وَالدِّرْعُ وَالْأَسَاوِرُ وَخَوَاتِمُ النِّسَاءِ وَالْحُلِيُّ وَالْخَلْخَالُ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهَا قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَبِيعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا لِتَعَارُضِ الظَّاهِرَيْنِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَبِيعُ مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا) أَيْ إذَا اخْتَلَفَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَمَا فِي يَدِهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ وَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الْيَدِ فِي الدَّعَاوَى بِخِلَافِ مَا يَخْتَصُّ بِالْمَرْأَةِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يُقَابِلُهُ ظَاهِرٌ آخَرُ مِنْ جِهَتِهَا فَيَتَعَارَضَانِ فَتَرَجَّحَ بِالِاسْتِعْمَالِ مِنْ جِهَتِهَا وَاَلَّذِي يَصْلُحُ لَهُمَا الْفُرُشُ وَالْأَمْتِعَةُ وَالْأَوَانِي وَالرَّقِيقُ وَالْعَقَارُ وَالْمَوَاشِي وَالنُّقُودُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلِلْحَيِّ) أَيْ إذَا مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْحَيُّ مِنْهُمَا مَعَ وَرَثَةِ الْآخَرِ كَانَ الْمَتَاعُ لِلْحَيِّ وَمُرَادُهُ مِنْ الْمَتَاعِ مَا يَصْلُحُ لَهُمَا وَهُوَ الْمُشْكِلُ وَمَا لَا إشْكَالَ فِيهِ وَهُوَ مَا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا وَلَا يَصْلُحُ لِلْآخَرِ فَهُوَ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْمَوْتِ وَتَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِيهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَخَالَفَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمُشْكِلِ فَقَالَ يُدْفَعُ إلَى الْمَرْأَةِ مِنْ الْمُشْكِلِ مَا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا وَالْبَاقِي لِلزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مِثْلَ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ مَا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ لَهُ وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَهُوَ لِلزَّوْجِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ هَذَا لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي حَيَاتِهِمَا أَوْ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا فَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَنَّ مَا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ لِمَنْ يَصْلُحُ لَهُ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ حَتَّى تَقُومَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَهُ لِلزَّوْجِ فِي حَالِ حَيَاتِهِمَا وَلِلْبَاقِي مِنْهُمَا بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَهُ لِلزَّوْجِ فِي الْحَالَتَيْنِ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَ مِنْهُ لِلْمَرْأَةِ قَدْرَ مَا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا فِي الْحَالَتَيْنِ لِأَنَّهَا تَأْتِي بِالْجِهَازِ عَادَةً فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهَا وَهُوَ أَقْوَى مِنْ ظَاهِرِ يَدِ الزَّوْجِ فَيَبْطُلُ بِهِ ظَاهِرُهُ وَلَا مُعَارِضَ فِي الْبَاقِي فَيُعْتَبَرُ وَلَهُمَا فِي الِاسْتِوَاءِ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَقُومُونَ مَقَامَ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُمْ خُلَفَاؤُهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ فِي الْمُشْكِلِ بِالْمَوْتِ كَمَا لَا يَتَغَيَّرُ فِي غَيْرِ الْمُشْكِلِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ يَدَ الْبَاقِي مِنْهُمَا أَسْبَقُ إلَى الْمَتَاعِ لِأَنَّ الْوَارِثَ ثَبَتَتْ يَدُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ فَيَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ كَمَا يَقَعُ بِالصَّلَاحِيَّةِ لِلِاسْتِعْمَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ لِلْيَدِ رُجْحَانًا مُطْلَقًا حَتَّى يُرَجَّحَ بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ بِخِلَافِ الصَّلَاحِيَّةِ وَلِأَنَّ يَدَ الْبَاقِي مِنْهُمَا يَدُ نَفْسِهِ وَيَدَ الْوَارِثِ خَلَفٌ عَنْ يَدِ الْمُوَرِّثِ فَلَا يُعَارِضُ الْأَصْلَ
وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُشْكِلُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَالْبَاقِي مِثْلُ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَنْهُ أَنَّ الْمَتَاعَ كُلَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ إذْ هُمَا سَاكِنَانِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَالْبَيْتُ مَعَ مَا فِيهِ فِي أَيْدِيهِمَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالشُّبْهَةِ فِي الْخُصُومَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ إسْكَافًا وَعَطَّارًا لَوْ اخْتَلَفَا فِي آلَةِ الْأَسَاكِفَةِ أَوْ آلَةِ الْعَطَّارِينَ وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمَا قُضِيَ بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ قَدْ يَتَّخِذُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْبَيْعِ فَلَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ الْمَتَاعُ كُلُّهُ لِلْمَرْأَةِ وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ إلَّا مَا عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ السَّاكِنَةُ فِيهِ وَلِهَذَا تُسَمَّى قَعِيدَتُهُ وَيَدُ صَاحِبِ الْبَيْتِ عَلَى مَا فِي الْبَيْتِ أَقْوَى وَأَظْهَرُ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ وَفِي الدَّعَاوَى يُقَدَّمُ صَاحِبُ الْيَدِ
وَقَالَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَبِيعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ) أَيْ أَوْ كَانَ صَانِعًا لَهَا. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute