للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّرْجِيحَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الرُّجْحَانَ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْكَثْرَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ وَلَهُمَا عَلَيْهَا حِمْلٌ عَلَى التَّفَاوُتِ كَانَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَفَاوُتُ الْحِمْلِ حَتَّى إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا مَنٌّ وَلِلْآخَرِ مِائَةُ مَنٍّ كَانَتْ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا الْهُدَّابَةُ وَالْبَاقِي فِي يَدِ الْآخَرِ لِأَنَّ الْهُدَّابَةَ لَيْسَتْ بِثَوْبٍ إذْ هِيَ غَيْرُ مَنْسُوجَةٍ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ الثَّوْبِ فَلَا يُزَاحِمُ الْآخَرَ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَبِيٌّ يُعَبِّرُ فَقَالَ أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ لَهُ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَلَا يُقْبَلُ دَعْوَى أَحَدٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَبْدُهُ عِنْدَ إنْكَارِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَالْبَالِغِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ أَنَا عَبْدُ فُلَانٍ أَوْ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ عَبْدٌ لِمَنْ فِي يَدِهِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ حَيْثُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالرِّقِّ فَكَانَ مِلْكًا لِمَنْ فِي يَدِهِ كَالْقُمَاشِ وَلَا يُقَالُ الْإِقْرَارُ بِالرِّقِّ مِنْ الْمَضَارِّ فَلَا يُعْتَبَرُ مِنْ الصَّبِيِّ فَكَيْفَ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهِ هُنَا لِأَنَّا نَقُولُ الرِّقُّ لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِ الصَّبِيِّ بَلْ بِدَعْوَى ذِي الْيَدِ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ بِدَعْوَى الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ فِي يَدِ الْمُدَّعِي بَقِيَ كَالْقُمَاشِ فِي يَدِهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالرِّقِّ مِنْ الْمَضَارِّ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ بَعْدَهُ بِدَعْوَى الْحُرِّيَّةِ إذْ التَّنَاقُضُ فِيهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ وَلَا يُقَالُ الْأَصْلُ فِي الْآدَمِيِّ الْحُرِّيَّةُ لِأَنَّهُ وَلَدُ آدَمَ وَحَوَّاءَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَهُمَا حُرَّانِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَى الرِّقِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَكَوْنُهُ فِي يَدِهِ لَا يُوجِبُ قَبُولَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ كَاللَّقِيطِ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَصْلُ إذَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ يَبْطُلُ وَثُبُوتُ الْيَدِ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْمِلْكِ فَيَبْطُلُ بِهِ ذَلِكَ الْأَصْلُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّقِيطَ إذَا أَقَرَّ بِالرِّقِّ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُعَبِّرًا عَنْ نَفْسِهِ يُخَالِفُهُ فِي الْحُكْمِ فَلَا يَلْزَمُنَا وَإِنْ لَمْ يُعَبِّرْ عَنْ نَفْسِهِ فَلَيْسَ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ وَالْأَمِينُ يَدُهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ يَدِ غَيْرِهِ فَكَانَتْ غَيْرَ ثَابِتَةٍ حُكْمًا وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ فَيَكُونُ مِلْكًا لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ إنْ ادَّعَاهُ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ مِنْ يَدٍ عَلَى نَفْسِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْآدَمِيِّ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ يَدُ غَيْرِهِ إكْرَامًا لَهُ حَتَّى لَا يَكُونَ مُهَانًا كَالْقُمَاشِ وَالْبَهَائِمِ لَكِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْقُدْرَةِ بِأَنْ يَكُونَ مُعَبِّرًا عَنْ نَفْسِهِ لَا عِنْدَ الْعَجْزِ وَالْعَجْزُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالصِّغَرِ حَقِيقَةً أَوْ بِالرِّقِّ حُكْمًا فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي وَلَوْ كَبُرَ وَادَّعَى الْحُرِّيَّةَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ عَلَيْهِ الرِّقُّ فَلَا يُنْقَضُ ذَلِكَ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَشْرَةُ أَبْيَاتٍ فِي دَارٍ فِي يَدِهِ وَبَيْتٌ فِي يَدِ آخَرَ فَالسَّاحَةُ نِصْفَانِ) لِأَنَّ السَّاحَةَ يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمُلَّاكُ لِاسْتِعْمَالِهَا فِي أَنْوَاعِ الْمَرَافِقِ مِنْ الْمُرُورِ فِيهَا وَالتَّوَضُّؤِ وَكَسْرِ الْحَطَبِ وَوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَنَافِعِ وَهُمَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَتُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا فَصَارَتْ نَظِيرَ الطَّرِيقِ وَلِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْكَثْرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا غَيْرَ مَرَّةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا تَنَازَعَا فِي الشُّرْبِ حَيْثُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيهِمَا لِأَنَّ الشُّرْبَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَجْلِ سَقْيِ الْأَرْضِ فَعِنْدَ كَثْرَةِ الْأَرَاضِي تَكْثُرُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْأَرَاضِي بِخِلَافِ الِانْتِفَاعِ بِالسَّاحَةِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْلَاكِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ادَّعَى كُلٌّ أَرْضًا أَنَّهَا فِي يَدِهِ وَلَبِنُ أَحَدِهِمَا فِيهَا أَوْ بَنَى أَوْ حَفَرَ فَهِيَ فِي يَدِهِ كَمَا لَوْ بَرْهَنَ أَنَّهَا فِي يَدِهِ) لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْأَرْضِ غَيْرُ مُشَاهَدَةٍ وَهِيَ مَقْصُودَةٌ فَلَا يَثْبُتُ عِنْدَ الْقَاضِي بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُمَا أَنَّهَا فِي يَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهَا فِي يَدِهِ أَوْ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا كَالتَّلْبِينِ أَوْ الْبِنَاءِ أَوْ الْحَفْرِ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا فِي يَدِهِ ثُمَّ إنْ ادَّعَيَا أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا لَمْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ) أَيْ يَتَكَلَّمُ وَيَعْقِلُ مَا يَقُولُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فَلَا يُعْتَبَرُ مِنْ الصَّبِيِّ) أَيْ كَإِقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ) أَيْ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَانَتْ غَيْرَ ثَابِتَةٍ حُكْمًا) أَيْ فَلَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى مِنْهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ غَيْرِهِ فَتَكُونُ الْيَدُ ثَابِتَةً عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَتَصِحُّ الدَّعْوَى مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا تَثْبُتُ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ يَدُ غَيْرِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَالسَّاحَةُ نِصْفَانِ) بِالْحَاءِ وَهِيَ عَرْصَةٌ فِي الدَّارِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهَا اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ مِنْ خَطِّهِ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَالسَّاحَةُ نِصْفَانِ مَا نَصُّهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي اسْتِعْمَالِ السَّاحَةِ فِي الْمُرُورِ وَوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ وَكَسْرِ الْحَطَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَالطَّرِيقِ يَسْتَوِي فِيهِ صَاحِبُ الدَّارِ وَصَاحِبُ الْمَنْزِلِ وَصَاحِبُ الْبَيْتِ اهـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ كَانَ الْعُلْوُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَالسُّفْلُ فِي يَدِ الْآخَرِ وَالسَّاحَةُ فِي أَيْدِيهِمَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ وَحَلَفَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَدَّعِي الْجَمِيعَ يُتْرَكُ السُّفْلُ فِي يَدِ صَاحِبِ السُّفْلِ وَالْعُلْو فِي يَدِ صَاحِبِ الْعُلْوِ وَالسَّاحَةَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَلِصَاحِبِ الْعُلْوِ حَقُّ الْمُرُورِ فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى السَّاحَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى بِالسُّفْلِ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ وَبِالْعُلْوِ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَالسَّاحَةُ لِلَّذِي قُضِيَ لَهُ بِالسُّفْلِ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالَ السَّاحَةُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا يُقْضَى بِمَا فِي يَدِ الْآخَرِ وَبِمَا فِي يَدِ الْآخَرِ لِهَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ادَّعَى كُلٌّ أَرْضًا أَنَّهَا فِي يَدِهِ وَلَبِنُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ لَبَّنَ فِي الْأَرْضِ أَوْ بَنَى أَوْ حَفَرَ فَهِيَ فِي يَدِهِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَرْضٍ صَحْرَاءَ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهَا فِي يَدَيْهِ وَأَحَدُهُمَا لَبَّنَ فِيهَا لَبِنًا وَهُوَ فِيهَا أَوْ حَفَرَ فِيهَا أَوْ بَنَى فِيهَا بِنَاءً قَالَ هِيَ فِي يَدِ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهَا اللَّبِنَ أَوْ الْحَفْرَ أَوْ الْبِنَاءَ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ اسْتِعْمَالٌ مِنْهُ لِلْأَرْضِ وَمِنْ ضَرُورَةِ الِاسْتِعْمَالِ إثْبَاتُ الْيَدِ كَالرُّكُوبِ عَلَى الدَّوَابِّ وَاللُّبْسِ فِي الثِّيَابِ كَذَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>