للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ إلَيْهِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ رَجَعَ بِهِ وَلَا تُعْتَبَرُ دَعْوَةُ الْمُشْتَرِي مَعَ دَعْوَةِ الْبَائِعِ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْبَائِعِ أَسْبَقُ لِأَنَّهَا تَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الْعُلُوقِ لِكَوْنِهَا دَعْوَةَ اسْتِيلَادٍ لِوُجُودِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ وَدَعْوَةُ الْمُشْتَرِي دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ إذْ الْعُلُوقُ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَيُقْتَصَرُ فَكَانَتْ الْأُولَى أَقْوَى فَلَا تُعْتَبَرُ الثَّانِيَةُ مَعَهَا وَلِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ الْبَائِعِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ بَاطِلًا فَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ الْمُشْتَرِي كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَجَانِبِ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ اسْتَغْنَى عَنْ النَّسَبِ بِثُبُوتِهِ مِنْ الْبَائِعِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ عَمَّا إذَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَهُ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ لِوُجُودِ الْمُجَوِّزِ لِلدَّعْوَةِ وَهُوَ الْمِلْكُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ إعْتَاقُهُ وَإِعْتَاقُ أُمِّهِ فَكَذَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ أَيْضًا لِحَاجَتِهِ إلَى النَّسَبِ وَإِلَى الْحُرِّيَّةِ وَيَثْبُتُ لَهَا أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَغْنَى عَنْ النَّسَبِ بِثُبُوتِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ فَيَبْطُلُ بِهِ حَقُّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ لِلْبَائِعِ ضَرُورَةً

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا إنْ مَاتَتْ الْأُمُّ بِخِلَافِ مَوْتِ الْوَلَدِ) يَعْنِي إذَا مَاتَتْ الْأُمُّ فَادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ مِثْلَ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ وَالْأُمَّ تَبَعٌ لَهُ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُضَافُ إلَيْهِ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ أَوَّلًا فَيَعْتِقُ فَتَتْبَعُهُ أُمُّهُ فَيَثْبُتُ لَهَا حَقُّ الْحُرِّيَّةِ بِسَبَبِهِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الدَّعْوَةِ الْوَلَدُ دُونَ الْأُمِّ وَهِيَ تَدْخُلُ تَبَعًا فَكَانَ الثَّابِتُ أَقْوَى وَالْأَدْنَى يَتْبَعُ الْأَقْوَى فَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ هُوَ الْأَصْلُ كَانَ الْمُعْتَبَرُ بَقَاءَهُ لِحَاجَتِهِ إلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ وَلَا يَضُرُّهُ فَوَاتُ التَّبَعِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ دُونَ الْأُمِّ حَيْثُ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ فِي الْأُمِّ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ فِي التَّبَعِ ابْتِدَاءً بِدُونِ مَتْبُوعِهِ وَالْوَلَدُ قَدْ اسْتَغْنَى عَنْ النَّسَبِ بِالْمَوْتِ فَتَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ بَعْدَ مَوْتِهَا فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيَرُدُّ الثَّمَنَ كُلَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ وَبَيْعُهَا بَاطِلٌ وَلَا يَضْمَنُهَا الْمُشْتَرِي لِأَنَّ مَالِيَّتَهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَهُ كَالْحُرِّ وَلِهَذَا لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ وَلَا يَرُدُّ حِصَّةَ الْأُمِّ لِأَنَّ مَالِيَّتَهَا مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُمَا فَتُضْمَنُ بِالْعَقْدِ وَالْغَصْبِ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِذَا رَدَّ الْوَلَدَ دُونَهَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ حِصَّةِ مَا سَلَّمَ لَهُ وَهُوَ الْوَلَدُ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ حِصَّةِ مَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ وَهِيَ الْأُمُّ هَكَذَا ذَكَرُوا الْحُكْمَ عَلَى قَوْلِهِمَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّ الْبَائِعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا ثُمَّ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ غَيْرُ صَحِيحٍ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الثَّمَنُ فَلَا يَكُونُ لِأَجْزَاءِ الْمَبِيعِ مِنْهُ حِصَّةٌ بَلْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ رَدُّ مَا قَبَضَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا فَبَدَلِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعِتْقُهُمَا كَمَوْتِهِمَا) أَيْ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ وَالْوَلَدَ كَمَوْتِهِمَا حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ دُونَ الْوَلَدِ فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ ابْنُهُ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَلَوْ أَعْتَقَ الْوَلَدَ دُونَ الْأُمِّ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْأَصْلُ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُ الْمَانِعِ بِهِ حَتَّى تَمْتَنِعَ الدَّعْوَى دُونَ الْأُمِّ كَمَا قُلْنَا فِي الْمَوْتِ وَإِنَّمَا كَانَ الْإِعْتَاقُ مَانِعًا لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ كَالنَّسَبِ فَصَارَ إعْتَاقُهُ كَدَعْوَتِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يُثْبِتُ الْوَلَاءَ وَهُوَ كَالنَّسَبِ فَلَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ كَمَا لَا يُمْكِنُ إبْطَالُ نَسَبِهِ بَعْدَ مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّ لِلْبَائِعِ حَقًّا وَهُوَ حَقُّ دَعْوَةِ النَّسَبِ وَالِاسْتِيلَادِ وَمَا ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي حَقِيقَةً وَالْحَقُّ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ

وَالتَّدْبِيرُ كَالْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ لَمَّا ظَهَرَ فِيهِ بَعْضُ آثَارِ الْحُرِّيَّةِ وَهُوَ امْتِنَاعُ التَّمْلِيكِ فَصَارَ كَالِاسْتِيلَادِ ثُمَّ إنْ قَامَ هَذَا الْمَانِعُ بِالْوَلَدِ امْتَنَعَتْ دَعْوَةُ الْبَائِعِ لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ قَامَ بِالْأُمِّ لَا يَمْتَنِعُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَهُ) وَإِنَّمَا ذَكَرَ الضَّمِيرَ بِتَأْوِيلِ الِادِّعَاءِ أَوْ بِحَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

(قَوْلُهُ حَيْثُ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ فِي الْأُمِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ إذَا مَاتَ الْوَلَدُ تَعَذَّرَ إثْبَاتُ النَّسَبِ فِيهِ لِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا تَثْبُتُ ابْتِدَاءً لِلْمَيِّتِ وَلَا عَلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ لِأَنَّهُ فَرْعُ النَّسَبِ وَكَانَتْ الْأُمُّ بِحَالِهَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي أَعْتَقَ الْوَلَدَ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ قَتَلَ عَبْدَهُ فَأَخَذَ قِيمَتَهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَطَلَتْ مَحَلِّيَّةُ الدَّعْوَى بِالْهَلَاكِ إذْ النَّسَبُ لَيْسَ بِأَمْرٍ مَقْصُودٍ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ تَصَرُّفٌ لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَتَعَذَّرَ تَصْحِيحُ الدَّعْوَةِ فِي الْوَلَدِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْوَلَدِ لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْأُمِّ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ فَيُقْبَلُ وَيَصِيرُ كَالْأَمْرِ الظَّاهِرِ وَلَوْ لَمْ يُقْتَلْ الْوَلَدُ وَلَكِنَّهُ قُطِعَتْ يَدُهُ فَأَخَذَ الْمُشْتَرِي نِصْفَ قِيمَتِهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ فَإِنَّهُ يُصَدِّقُ عَلَى الدَّعْوَةِ وَيَرُدُّ الْبَائِعُ مَا قَبَضَ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا حِصَّةَ الْيَدِ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالْقَطْعِ فَانْتَفَى حُكْمُ التَّبَعِيَّةِ عَنْهَا فَلَا يَظْهَرُ الِاسْتِحْقَاقُ فِي حَقِّهَا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَطْعُ فِي الْأُمِّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ رَجُلٌ فَقَأَ عَيْنَيْ الْوَلَدِ فَدَفَعَهُ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ قِيمَتَهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ فَدَعْوَتُهُ جَائِزَةٌ وَيَرُدُّ الثَّمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَرْجِعُ الْجَانِي عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا وَلَا يَكُونُ لِلْعَيْنَيْنِ أَرْشٌ عَلَى الْجَانِي وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَى الْجَانِي مَا نَقَصَهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ الْجُثَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيُشْتَرَطُ سَلَامَتُهَا لِلْجَانِي وَقَدْ تَعَذَّرَ وَعِنْدَهُمَا فِي مُقَابَلَةِ النُّقْصَانِ وَالنُّقْصَانُ مُتَحَقِّقٌ عِنْدَهُمَا فَيُجْبَرُ بِالضَّمَانِ وَكَذَلِكَ لَوْ فَقَأَ عَيْنَ الْأُمِّ اهـ

(قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ قَامَ هَذَا الْمَانِعُ) أَيْ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ أَوْ التَّدْبِيرُ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>