وَإِلَّا فَلَا) وَقَوْلُهُ إنْ بَيَّنَ سَبَبًا يَتَعَلَّقُ بِالْإِقْرَارِ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْحَمْلِ هُوَ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ السَّبَبِ الصَّالِحِ؛ لِأَنَّهُ إنْ بَيَّنَ فِيهِ سَبَبًا صَالِحًا بِأَنْ قَالَ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ فُلَانٌ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْحَمْلِ فَجَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ فَيَجِبُ إعْمَالُهُ مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى السَّبَبِ الصَّالِحِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّهُ وَرِثَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ فَلَا يُصَارُ إلَى الْإِبْطَالِ مَعَ الْإِمْكَانِ فَصَارَ كَإِقْرَارِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ أَوْ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِإِمْكَانِ الْجَوَازِ
وَإِنْ احْتَمَلَ الْفَسَادَ بِأَنْ أَقَرَّ بِمَالٍ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ؛ وَلِهَذَا جَازَ إقْرَارُهُ بِالْحَمْلِ مَعَ احْتِمَالِ الْفَسَادِ وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لِجَوَازِهِ طَرِيقَيْنِ الْإِرْثُ وَالْوَصِيَّةُ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيَبْطُلُ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ ثُمَّ بَاعَهُ وَعَبْدًا آخَرَ مَعَهُ مِنْ الْبَائِعِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى، وَإِنْ أَمْكَنَ جَوَازُهُ بِأَنْ يُجْعَلَ الْأَلْفُ أَوْ أَكْثَرُ حِصَّةَ الْمُشْتَرِي وَالْبَاقِي حِصَّةُ الْآخَرِ بِخِلَافِ إقْرَارِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ لِصِحَّتِهِ جِهَةً وَاحِدَةً وَهِيَ التِّجَارَةُ وَبِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْحَمْلِ؛ لِأَنَّ لِصِحَّتِهِ جِهَةً وَاحِدَةً وَهِيَ الْوَصِيَّةُ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّ الْحَمْلَ وَحْدَهُ لَا يُمْلَكُ بِالْوَصِيَّةِ فَتَعَيَّنَتْ سَبَبًا؛ وَلِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِقْرَارِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ؛ وَلِهَذَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَيَنْفُذُ إقْرَارُ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ عَلَى شَرِيكِهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا جَازَ وَلَا نَفَذَ فَصَارَ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْبَيْعُ مِنْ الْجَنِينِ وَلَا يَلِي عَلَيْهِ أَحَدٌ فَيَبْطُلُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ صُوَرٍ إمَّا أَنْ يُبْهِمَ الْإِقْرَارَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَإِمَّا أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبًا صَالِحًا فَيَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِمَّا أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبًا غَيْرَ صَالِحٍ فَلَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ
وَلَا يُقَالُ ظَاهِرُ إقْرَارِهِ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فَكَيْفَ يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِهِ بِبَيَانِ سَبَبٍ غَيْرِ صَالِحٍ وَالْإِبْطَالُ رُجُوعٌ عَنْ الْإِقْرَارِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانُ سَبَبٍ مُحْتَمَلٍ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَوْلِيَائِهِ بَائِعُهُ عَنْهُ فَيَحْسَبُ أَنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ فَيُقِرُّ بِهِ وَيُضِيفُهُ إلَى الْجَنِينِ أَيْضًا مَجَازًا كَمَا يُقَالُ بَنَى فُلَانٌ دَارًا، وَإِنْ كَانَ الْبَانِي غَيْرَهُ وَهُمْ الْأُجَرَاءُ ثُمَّ إذَا صَحَّ الْإِقْرَارُ لِلْحَمْلِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا جَاءَتْ بِهِ فِي مُدَّةٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ أَوْ يُحْتَمَلُ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إذَا كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً ثُمَّ إنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا كَانَ لَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا يُرَدُّ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي أَوْ وَرَثَةِ أَبِيهِ، وَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فَإِنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى فَكَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ وَفِي الْإِرْثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَمْلِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ أُبْهِمْ وَلَمْ يُبَيَّنْ السَّبَبُ
وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِقْرَارِ لَهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ حَمَلَ جَارِيَةً فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُقَرُّ لَهُ إذَا عَلِمَ وُجُودَهُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ أَوْ احْتَمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا، وَإِنْ كَانَ حَمَلَ بَهَائِمَ يُقَدَّرْ بِأَدْنَى مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَزِمَهُ الْمَالُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَيَجِبُ إعْمَالُهُ مَا أَمْكَنَ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كَلَامِ الْعَاقِلِ أَنْ يُصَحَّحَ مَهْمَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ بِالْحَمْلِ عَلَى أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ مَالَ الْجَنِينِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِمَّا أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبًا غَيْرَ صَالِحٍ فَلَا يَجُوزُ) أَيْ إقْرَارُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِأَنْ قَالَ لِمَا فِي بَطْنِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِالْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ الِاقْتِرَاضِ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ لَمْ يُضَفْ إلَى مَحَلِّهِ فَإِنَّ الْجَنِينَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَسْتَحِقَّ دَيْنًا بِالتِّجَارَةِ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يَتَّجِرُ وَلَا يُتَّجَرُ لَهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْجَنِينُ أَهْلًا لِاسْتِحْقَاقِ الدَّيْنِ بِالسَّبَبِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ كَانَ مَا أَقَرَّ بِهِ لِلْجَنِينِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ كَذِبًا بِيَقِينٍ وَالْكَذِبُ بِيَقِينٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فَيَكُونُ وُجُودُهُ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِهِ فَكَانَ كَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَ فُلَانٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأٍ أَوْ يَدَ فُلَانٍ صَحِيحَةً لَا يَلْزَمُهُ بِهَذَا الْإِقْرَارِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ بِيَقِينٍ فَكَذَلِكَ هَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ لِرَضِيعٍ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِالْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الرَّضِيعَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَسْتَحِقَّ الدَّيْنَ لِهَذَا السَّبَبِ بِتِجَارَةِ وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَّجِرُ لَهُ إنْ كَانَ لَا يَتَّجِرُ هُوَ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْجَنِينِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ أَوْ وَرَثَةُ أَبِيهِ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ أُبْهِمَ وَلَمْ يُبَيَّنْ السَّبَبُ) أَيْ؛ لِأَنَّ لَهُ وَجْهًا صَحِيحًا بِأَنْ أَوْصَى رَجُلٌ بِالْحَمْلِ لِآخَرَ وَمَاتَ فَأَقَرَّ وَارِثُهُ بِأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ لِفُلَانٍ وَلَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِهِ غَيْرَهُ فَتَعَيَّنَ طَرِيقُ التَّصْحِيحِ فَيَصِحُّ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَزِمَهُ الْمَالُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْإِقْرَارِ هُوَ الْفَسْخُ فَلَمَّا لَمْ يَحْتَمِلْ الْإِقْرَارُ الْفَسْخَ لَمْ يَجُزْ شَرْطُ الْخِيَارِ وَلَزِمَهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ فَسْخِ الْإِقْرَارِ فَسْخُ الْمُقَرِّ بِهِ وَالْمُقَرُّ بِهِ لَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ وُجُوبُ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَوُجُوبُهُ مَا كَانَ بِالْإِقْرَارِ حَتَّى يَنْفَسِخَ بِفَسْخِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَمَّا كَانَ، وَلَيْسَ بِإِيجَابٍ مُبْتَدَأً وَإِذَا لَمْ يَنْفَسِخْ الْمَقْصُودُ مِنْ فَسْخِ الْإِقْرَارِ بِفَسْخِهِ لَمْ يَكُنْ الْإِقْرَارُ مُحْتَمِلًا لِلْفَسْخِ كَمَا فِي بَابِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ فَسْخُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَهُوَ مَا سَقَطَ بِهِمَا لَمْ يَكُونَا مُحْتَمِلَيْنِ لِلْفَسْخِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَأَوْرَدَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ الْإِقْرَارُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ وُقُوعِهِ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الرَّدَّ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ لَيْسَ بِفَسْخٍ لِلْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعُ الشَّيْءِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَتَكْذِيبُ الْمُقَرِّ لَهُ الْمُقِرَّ فِي إقْرَارِهِ لَيْسَ بِرَفْعِ الْإِقْرَارِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فِي حَقِّهِ بَلْ بَيَانٌ أَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي حَقِّهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَإِذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثَبَتَ الْكَذِبُ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَإِذَا صَحَّ التَّكْذِيبُ فِي حَقِّهِ ظَهَرَ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مِنْ الْأَصْلِ لَا أَنَّهُ انْفَسَخَ فِي حَقِّهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute