للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَجَازُ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ اللَّفْظَيْنِ اتِّصَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْجَمْعِ فَصَحَّتْ الِاسْتِعَارَةُ قُلْنَا: لَمَّا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ وَهِيَ الظَّرْفِيَّةُ لَغَا وَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ مُتَعَارِضٌ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْوَاوِ لِاتِّصَالٍ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْجَمْعِ وَبِمَعْنَى " مَعَ " عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِمَعْنَى " عَلَى " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١] أَيْ عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ وَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى عَلَى لَا تَقْتَضِي وُجُوبَ الثَّانِي عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَيْسَ حَمْلُهَا عَلَى الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَلَغَتْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الظَّرْفِيَّةَ إذَا تَعَذَّرَتْ تَلْغُو فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي دِرْهَمٍ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَلَيَّ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْإِلْغَاءِ فِيهِ هُوَ تَعَذُّرُ الظَّرْفِيَّةِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ وَمَا ذَكَرَ الْحَسَنُ لَا يَسْتَقِيمُ فِي الْمَوْزُونِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَسْمُوحِ عَلَى أَنَّ الِارْتِفَاعَ الَّذِي ذَكَرَهُ يُرَادُ بِهِ تَكْثِيرُ الْأَجْزَاءِ لَا تَكْثِيرُ الْأَعْدَادِ صَحِيحَةً وَتَكْثِيرُ الْأَجْزَاءِ لَا يُوجِبُ تَكْثِيرَ الْعَدَدِ وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ عِنْدَ الْحِسَابِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَشَرَةٌ إنْ عَنَى مَعَ) أَيْ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ إنْ أَرَادَ بِهِ مَعْنَى مَعَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ وَهُوَ حَرْفُ " فِي " يَحْتَمِلُهُ مَجَازًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَإِذَا نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ أَوْ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَهُ تِسْعَةٌ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يَلْزَمُهُ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدِّرْهَمَ الْأَوَّلَ وَالْآخَرَ حَدًّا وَالْحَدُّ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَحْدُودِ فَلَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ أَوْ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَائِطَيْنِ فَإِنَّ الْحَائِطَيْنِ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْإِقْرَارِ فَكَذَا هَذَا وَلِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْغَايَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً إذْ الْمَعْدُومُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَدًّا لِلْمَوْجُودِ وَوُجُودُهُ بِوُجُوبِهِ فَتَدْخُلُ الْغَايَتَانِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَحْسُوسِ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فَيَصْلُحُ حَدًّا فَلَا يَدْخُلَانِ وَلَهُ أَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ غَيْرُ الْمَحْدُودِ فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ كَمَا قَالَ زُفَرُ لَكِنْ هُنَا لَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِ الْغَايَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الثَّانِي وَالثَّالِثَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْأَوَّلِ إذْ لَا يُعْقَلُ ثَانٍ بِدُونِ الْأَوَّلِ فَدَخَلَتْ الْغَايَةُ الْأُولَى ضَرُورَةً وَلَا ضَرُورَةَ فِي إدْخَالِ الثَّانِيَةِ فَأَخَذْنَا فِيهَا بِالْقِيَاسِ فَلَا تَدْخُلُ؛ وَلِأَنَّ الْعَدَدَ يَقْتَضِي ابْتِدَاءً

فَإِذَا أَخْرَجْنَا الْأَوَّلَ مِنْ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءً صَارَ الثَّانِي هُوَ الِابْتِدَاءُ فَيَخْرُجُ هُوَ أَيْضًا مِنْ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءً كَالْأَوَّلِ، وَكَذَا الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ إلَى آخِرِهِ فَيُؤَدِّي إلَى خُرُوجِ الْكُلِّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا فَكَانَ بَاطِلًا، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ لِفُلَانٍ كُرُّ حِنْطَةٍ إلَى كُرِّ شَعِيرٍ فَعَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُرُّ حِنْطَةٍ وَكُرُّ شَعِيرٍ إلَّا قَفِيزًا؛ لِأَنَّ الْقَفِيزَ الْآخَرَ مِنْ الشَّعِيرِ هُوَ الْغَايَةُ الثَّانِيَةُ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الْكُرَّانِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُهُ الدَّرَاهِمُ وَتِسْعَةُ دَنَانِيرَ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ ذَكَرَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي النِّهَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَهُ مِنْ دَارَى مَا بَيْنَ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ لَهُ مَا بَيْنَهُمَا فَقَطْ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْحَمْلِ وَلِلْحَمْلِ إنْ بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ أَوْ مَعَهُ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْجَمْعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمَانِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَبْلَهُ دِرْهَمٌ أَوْ بَعْدَهُ دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حَالَةِ الْوُجُوبِ فَقَدْ أَقَرَّ بِوُجُوبِ دِرْهَمٍ آخَرَ سَابِقًا عَلَيْهِ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ فَيُؤْخَذُ بِهِ، وَإِنْ قَالَ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَاهُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْجَمْعَ وَالْمُقَارَنَةَ فِي الْوُجُوبِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ حَيْثُ يَقَعُ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ فَيُجْعَلُ الثَّانِي مُؤَكِّدًا لِلْأَوَّلِ وَالطَّلَاقُ إنْشَاءٌ وَالتَّأْكِيدُ لَا يَدْخُلُ فِي الْإِنْشَاءِ فَكَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ فَاقْتَضَى وُقُوعَ طَلَاقٍ آخَرَ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بِدِرْهَمٍ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْبَدَلِيَّةِ يَعْنِي عَوَّضَهُ دِرْهَمٌ فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْوُجُوبَ كَانَ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الْأَوَّلَ بِالْوُجُوبِ وَالثَّانِي بِكَوْنِهِ مَوْضِعًا لَهُ فَلَا يَتَّصِفُ الثَّانِي بِالْوُجُوبِ فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمَانِ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الدِّرْهَمِ سَابِقًا عَلَى وُجُوبِ الدِّرْهَمَيْنِ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهِيَ الظَّرْفِيَّةُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ ظَرْفًا اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَشَرَةٌ إنْ عَنَى مَعَ) أَيْ بِلَا خِلَافٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي الْمَبْسُوطِ إذَا أَرَادَ بِفِي مَعْنَى عَلَى مَا حُكْمُهُ عِنْدَنَا وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ ذَاكَ يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ أَيْضًا اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ.

(قَوْلُهُ فَلَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الثَّلَاثُ وَعِنْدَ زُفَرَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ لِفُلَانٍ كُرُّ حِنْطَةٍ إلَخْ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي التَّقْرِيبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَا بَيْنَ كُرِّ شَعِيرٍ إلَى كُرِّ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ كُرُّ شَعِيرٍ وَكُرُّ حِنْطَةٍ إلَّا قَفِيزًا وَلَمْ يَجْعَلْ الْغَايَةَ جَمِيعَ الْكُرِّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَا تَكُونُ أَكْثَرَ الشَّيْءِ وَلَا نِصْفَهُ وَالْكُرُّ عِبَارَةٌ عَنْ جُمْلَةٍ مِنْ الْقُفْزَانِ فَوَجَبَ أَنْ يَصِيرَ الِانْتِهَاءُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى دِينَارٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الدِّينَارُ، وَهَذَا يُوجِبُ أَنَّ الْغَايَةَ أَكْثَرُ الشَّيْءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْحَمْلِ إنْ بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا إلَخْ) كَمَا إذَا قَالَ لِمَا فِي بَطْنِ فُلَانَةَ عَلَيَّ مِنْ جِهَةِ وَصِيَّةٍ أَوْصَى بِهَا لَهُ فُلَانٌ بِعَيْنِهَا أَوْ مِيرَاثٍ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ فَاسْتَهْلَكَتْهَا عَلَيْهِ وَصَارَ ذَلِكَ دَيْنًا لِلْجَنِينِ عَلَيَّ أَوْ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَأَوْصَى بِهَا لِمَا فِي بَطْنِ فُلَانَةَ وَمَاتَ أَوْ كَانَ لِأَبِيهِ أَوْ قَرِيبٍ لَهُ آخَرَ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>