للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتَثْنَى تِسْعِينَ مِنْ مِائَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَدَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ اسْتِثْنَاءِ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ، وَإِنْ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ وَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِطَرِيقِهِمْ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُسُورِ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ، وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مِمَّا لَا يُقْسَمُ أَوْ مِمَّا يُقْسَمُ حَتَّى إذَا قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ إلَّا ثُلُثَهُ أَوْ قَالَ إلَّا ثُلُثَيْهِ صَحَّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ) أَيْ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْحَاصِلِ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ لِيَصِيرَ مُتَكَلَّمًا بِهِ فَيَكُونُ رُجُوعًا فَلَا يَصِحُّ، وَهَذَا إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِلَفْظِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً أَوْ يَقُولُ هَؤُلَاءِ أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ وَأَمَّا إذَا كَانَ بِخِلَافِ لَفْظِهِ يَجُوزُ، وَإِنْ أَتَى عَلَى الْكُلِّ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ، أَوْ يَقُولَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا هَؤُلَاءِ أَوْ يَقُولَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا مُبَارَكًا وَسَالِمًا وَبَزِيعًا أَوْ يَقُولَ: نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا زَيْنَبَ وَعَمْرَةَ وَفَاطِمَةَ ولِ يس لَهُ عَبِيدٌ وَلَا نِسَاءٌ غَيْرَ الْمُسْتَثْنَى صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فَلَا يُعْتَقُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ اللَّفْظُ يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ شَيْءٍ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إذْ اللَّفْظُ صَالِحٌ لَهُ، وَذَلِكَ يَكْفِي لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ حَقِيقَةُ الْبَقَاءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَتْبَعُ صِحَّةَ الْكَلَامِ لَفْظًا لَا تَحَقُّقَ مَا دَخَلَ تَحْتَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْفًا إلَّا تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ يَصِحُّ حَتَّى لَا يَقَعَ عَلَيْهَا إلَّا وَاحِدَةٌ، وَلَوْ كَانَ يَتْبَعُ صِحَّةَ الْحُكْمِ لَوَقَعَ الثَّلَاثُ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَلْفًا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي إلَّا ثُلُثَ مَالِي لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ مَالِهِ، وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت لَهُ بِثُلُثِ مَالِي إلَّا أَلْفًا وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ لَا غَيْرَ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُوصَى لَهُ شَيْئًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَتْبَعُ صِحَّةَ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَيَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ اللَّفْظِ لَا عَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِإِخْرَاجِ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ وَلَا لِلتَّكَلُّمِ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثُّنْيَا فَلَمْ يَصِحَّ اللَّفْظُ، وَلَا الِاسْتِثْنَاءُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ مِنْ الدَّرَاهِمِ لَا غَيْرِهِمَا) حَتَّى إذَا قَالَ: عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ أَوْ دِينَارًا صَحَّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا أَلْفًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَكَذَا إذَا اسْتَثْنَى أَكْثَرَ مِنْ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ اسْتِثْنَاءُ الْأَلْفِ مِنْ الْأَلْفِ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ اسْتِثْنَاءُ الْأَلْفِ وَزِيَادَةٍ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ اهـ.

(فَرْعٌ) قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَعْرُوفُ بالإسبيجابي فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَوْ قَالَ لَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا سَبْعَةَ دَرَاهِمَ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ إلَّا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى الْمُسْتَثْنَى الْأَخِيرِ وَهُوَ دِرْهَمٌ فَيَسْتَثْنِيهِ مِنْ الَّذِي يَلِيهِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فَيَبْقَى دِرْهَمَانِ فَيَسْتَثْنِيهِمَا مِنْ الَّذِي يَلِيهِمَا وَهُوَ خَمْسَةٌ فَيَبْقَى ثَلَاثَةٌ ثُمَّ يَسْتَثْنِي الْبَاقِيَ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الَّذِي يَلِيهِ وَهُوَ سَبْعَةٌ فَيَبْقَى مِنْهَا أَرْبَعَةٌ ثُمَّ يَسْتَثْنِي الْبَاقِي وَهُوَ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ مِنْ الَّذِي يَلِيه وَهُوَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَيَبْقَى سِتَّةٌ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا قِيرَاطًا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الَّذِي يَلِيهِ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِفُلَانٍ مِائَةُ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا مِنْ الْأَلْفِ كَانَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْمَحَلِّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَيَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ مِنْ الْأَلْفِ جَعَلْتَهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى مَا يَلِيهِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ الدَّنَانِيرُ وَلَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا جَعَلْتَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُصْرَفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى مَا هُوَ جِنْسٌ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إلَّا عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَلَا تَعَذُّرَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ وَاحِدٌ

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَدِرْهَمٌ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ فَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ وَاحِدًا جَعَلْتَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ نَوْعِهِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَيْهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ جِنْسٌ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَيْسَ مِنْ نَسَقِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لَا يُلَائِمُ الْإِخْبَارَ وَالْإِقْرَارَ فَصَارَ فَاصِلًا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ فَاصِلًا؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُرْفِ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ غَلِطْتُ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَلَا يُعَدُّ فَاصِلًا فَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ سُبْحَانَ اللَّهِ إلَّا خَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يَكُنْ اسْتِثْنَاءً؛ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ لَا يُذْكَرُ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ فَكَانَ نَسَقًا آخَرَ فَعُدَّ فَاصِلًا وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَا فُلَانُ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزًا؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْإِخْبَارِ لِشَخْصٍ خَاصٍّ، وَهَذَا صِيغَتُهُ فَلَا يُعَدُّ فَاصِلًا، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَاشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَا إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَاشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَا حَشْوٌ لَا يُحْتَاجُ الْإِقْرَارُ إلَيْهِ فَعُدَّ فَاصِلًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا فُلَانُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ حَشْوًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْكَيْلِيِّ) قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ يُطْرَحُ قَدْرُ قِيمَةِ الْمُسْتَثْنَى عَنْ الْمُقِرِّ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُسْتَثْنَى تَسْتَغْرِقُ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ثُمَّ مَا ذُكِرَ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُسْتَثْنَى تَلْزَمُ جَهَالَةَ الْمُقَرِّ بِهِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ مُحَالًا إلَى الْمُنْتَقَى فَقَالَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا قَلِيلًا فَعَلَيْهِ أَحَدٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَكَذَا فِي نَظَائِرِهَا نَحْوِ قَوْلِهِ إلَّا شَيْئًا؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الشَّيْءِ اسْتِثْنَاءُ الْأَقَلِّ عُرْفًا فَأَوْجَبْنَا النِّصْفَ وَزِيَادَةَ دِرْهَمٍ فَقَدْ اسْتَثْنَى الْأَقَلَّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا بَعْضَهَا فَعَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ اهـ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْوَزْنِيُّ مِنْ الدَّرَاهِمِ) يَعْنِي أَوْ مِنْ الدَّنَانِيرِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ بَعْدَ قَوْلِهِ قَرِيبًا مِنْ هَذَا الْمَتْنِ أَوْ إلَّا دِينَارًا صَحَّ بِقَوْلِهِ، وَكَذَا إلَخْ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ فَفِيهِ خِلَافٌ فَإِنْ كَانَ اسْتِثْنَاءُ الْمُقَدَّرِ مِنْ الْمُقَدَّرِ كَمَا فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>