للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ إلَّا قَفِيزَ شَعِيرٍ أَوْ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ صَحَّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا لَا يَصِحُّ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ فِيهِمَا يَعْنِي فِي الْمِثْلِيِّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِثْنَاءِ امْتِنَاعُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُسْتَثْنَى لِقِيَامِ الدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ دَلِيلِ الْخُصُوصِ مِنْ الْعُمُومِ فَإِذَا قَالَ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا خَمْسَةً فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيَّ فَإِذَا كَانَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَإِذَا كَانَ الْمُعَارِضُ مِنْ جِنْسِهِ يَجِبُ إخْرَاجُ قَدْرِهِ

وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ يَجِبُ إخْرَاجُ قِيمَتِهِ عَمَلًا بِالدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَلِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا الِاسْتِثْنَاءُ لَكَانَ دَاخِلًا تَحْتَ اللَّفْظِ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي خِلَافِ الْجِنْسِ لِعَدَمِ دُخُولِهِ تَحْتَ اللَّفْظِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْقِيَاسَ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا بَيَّنَّا إلَّا أَنَّهُمَا اسْتَحْسَنَا فِي الْمُقَدَّرَاتِ وَهِيَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ؛ لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ حَالًا وَمُؤَجَّلًا وَيَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صُورَتُهَا فَإِذَا كَانَتْ فِي الْمَعْنَى جِنْسًا وَاحِدًا جَازَ اسْتِثْنَاؤُهَا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اسْتِخْرَاجٌ بِطَرِيقِ الْمَعْنَى عَلَى أَنْ يَصِيرَ الْكَلَامُ بِهِ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ لَا تَثْبُتُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ انْتِقَاءَ أَحَدِهِمَا لَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْآخَرِ فَلَا يَتَعَارَضَانِ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَنْفِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْتَفِيَ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِنْكَارِهِ، وَلَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ كَمَا ذَكَرَهُ لَاسْتَوَى فِيهِ الْبَعْضُ وَالْكُلُّ كَالنَّسْخِ

وَكَذَا كَانَ يَسْتَوِي فِي الِاتِّصَالِ وَالِانْفِصَالِ؛ لِأَنَّ الْمُعَارِضَ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمُغَيِّرِ؛ وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ خَبَرٌ، وَلَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ لَكَانَ أَحَدُهُمَا كَذِبًا، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: ١٤]، وَلَوْ كَانَ هَذَا إخْبَارٌ عَنْ لُبْثِهِ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَمْ يَلْبَثْ فِيهِمْ خَمْسِينَ عَامًا مِنْهَا لَكَانَ كَذِبًا - تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا - وَإِنَّمَا هُوَ اسْمٌ لِلْبَاقِي بَعْدَ الثِّنْيَا كَأَنَّهُ قَالَ فَلَبِثَ فِيهِمْ تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ عَامًا؛ لِأَنَّك إذَا قُلْت عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً فَذَلِكَ اسْمٌ لِلْخَمْسَةِ كَأَنَّك قُلْتَ عَلَيَّ خَمْسَةٌ لَا أَنَّكَ أَقْرَرْتَ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ أَسْقَطْت الْخَمْسَةَ بَعْدَ ذَلِكَ بِكَلَامٍ مُعَارِضٍ وَالْمَعْدُودُ الَّذِي لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ كَالْفُلُوسِ مِثْلُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ حَتَّى يَجُوزَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(وَلَوْ وَصَلَ إقْرَارَهُ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ بَطَلَ إقْرَارُهُ)؛ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ أَوْ تَعْلِيقٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الطَّلَاقِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَقَدْ بَطَلَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ حَتَّى إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ شَاءَ فُلَانٌ كَانَ الْإِقْرَارُ بَاطِلًا، وَإِنْ شَاءَ فُلَانٌ؛ لِأَنَّهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا وَيُطْرَحُ قَدْرُ قِيمَةِ الْمُسْتَثْنَى مِمَّا أَقَرَّ بِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، وَإِنْ كَانَ اسْتِثْنَاءُ غَيْرِ الْمُقَدَّرِ مِنْ الْمُقَدَّرِ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ عِنْدَنَا كَمَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ كَلَامٌ آخَرُ يُعَارِضُ الصَّدْرَ بِحُكْمِهِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْمُجَانَسَةُ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ

وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ ... إلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ

قَدْ اسْتَثْنَى مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ وَلَنَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجٌ وَتَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثِّنْيَا وَعَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُجَانَسَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى دَاخِلًا تَحْتَ صَدْرِ الْكَلَامِ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَالدُّخُولُ تَحْتَ صَدْرِ الْكَلَامِ لَا يَكُونُ إذَا لَمْ تُوجَدْ الْمُجَانَسَةُ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ لِبَيَانِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّدْرِ، وَجْهُ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ جِنْسٍ مِنْ خِلَافِ جِنْسٍ لَا يَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ اسْتَثْنَى مِنْ الْمُقَدَّرِ ثَوْبًا أَوْ حَيَوَانًا فِي الْحُجَّةِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ اسْتَثْنَى كَلْبًا فِي الْحُجَّةِ عَلَى الشَّافِعِيِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ

وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ فِي خِلَافِ الْجِنْسِ فَلَا يُطْرَحُ قِيمَةُ قَدْرِ الْمُسْتَثْنَى وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا دَخَلَ تَحْتَ صَدْرِ الْكَلَامِ وَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُ الْمُسْتَثْنَى مِنْ صَدْرِ الْكَلَامِ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ الْحَقَائِقَ لَا مَرَدَّ لَهَا وَيُمْكِنُ إخْرَاجُهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَهُوَ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ كُلَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي حَقِّ الْوُجُوبِ بِالْعَقْدِ؛ وَلِهَذَا يَصِحُّ إيجَابُهَا فِي الذِّمَّةِ كَالدَّرَاهِمِ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا فَيَصِيرُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا قَدْرَ قِيمَةِ الْمُسْتَثْنَى فَيَصِيرُ صَدْرُ الْكَلَامِ عَدَمًا فِي قَدْرِهِ فِي حَقِّ الْوُجُوبِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى غَيْرَ الْمُقَدَّرِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ لِكَوْنِهِ مُتَفَاوِتًا فِي نَفْسِهِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءَ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ فَيَفْسُدُ؛ وَلِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يُجَانِسُ الدَّرَاهِمَ لَا صُورَةً وَلَا وُجُوبًا فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّ الثَّوْبَ لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا سَلَمًا أَوْ هُوَ فِي مَعْنَى السَّلَمِ كَالْبَيْعِ بِثِيَابٍ مَوْصُوفَةٍ وَالدَّرَاهِمُ تَجِبُ مُطْلَقًا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَجِبُ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَضُمَّ إلَى إقْرَارِهِ مَا لَمْ يَتَضَمَّنْهُ إقْرَارُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (فَرْعٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَقَالَ فُلَانٌ قَدْ شِئْتُ فَهَذَا الْإِقْرَارُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ وَمَا نَجَّزَ، وَاللُّزُومُ حُكْمُ التَّنْجِيزِ لَا حُكْمُ التَّعْلِيقِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ إقْرَارٍ عُلِّقَ بِخَطَرٍ أَوْ شَرْطٍ نَحْوُ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ إنْ مَطَرَتْ السَّمَاءُ أَوْ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ إنْ قَضَى اللَّهُ أَوْ إنْ أَرَادَهُ أَوْ إنْ رَضِيَهُ أَوْ إنْ أَحَبَّهُ أَوْ إنْ أَصَبْتُ مَالًا أَوْ إنْ كَانَ كَذَلِكَ أَوْ إنْ كَانَ ذَلِكَ حَقًّا؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْإِقْرَارِ بِالشَّرْطِ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا فِي الْحَالِ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إقْرَارًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِخِلَافِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّا أَبْقَيْنَاهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمِينٌ وَلَهُ حُكْمٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ ثُمَّ إذَا جَاءَ الشَّرْطُ انْحَلَّ التَّرْكِيبُ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَهَاهُنَا الْحُكْمُ بِخِلَافِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ كَانَ الْإِقْرَارُ بَاطِلًا، وَإِنْ شَاءَ فُلَانٌ)

<<  <  ج: ص:  >  >>