فَهُمَا لِلْمُقَرِّ لَهُ)؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ دَخَلَ فِي الْإِقْرَارِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا فَصَارَ وَصْفًا، وَالِاسْتِثْنَاءُ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَلَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْمَلْفُوظِ، وَلِكَوْنِ الْبِنَاءِ وَصْفًا لَا يَسْقُطُ بِاسْتِحْقَاقِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ كَفَوَاتِ سَائِرِ الْأَوْصَافِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَّا ثُلُثَهَا أَوْ إلَّا بَيْتًا مِنْهَا؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الدَّارِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ لَفْظِ الدَّارِ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا؛ وَلِهَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ هَذَا الْجُزْءُ أَوْ فَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَسْقُطُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَالطَّوْقُ فِي الْجَارِيَةِ وَالْفَصُّ فِي الْخَاتَمِ وَالنَّخْلَةُ فِي الْبُسْتَانِ نَظِيرُ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ بِنَاؤُهَا لِي وَالْعَرْصَةُ لِفُلَانٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ)؛ لِأَنَّ الْعَرْصَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْبُقْعَةِ دُونَ الْبِنَاءِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ بَيَاضُ هَذِهِ الْأَرْضِ دُونَ الْبِنَاءِ لِفُلَانٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَكَانَ الْعَرْصَةِ الْأَرْضَ بِأَنْ قَالَ: بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ الْبِنَاءُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ كَالدَّارِ فَيَتْبَعُهَا الْبِنَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِزَيْدٍ وَالْأَرْضُ لِعَمْرٍو حَيْثُ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْبِنَاءِ لِزَيْدٍ صَارَ مِلْكًا لَهُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِإِقْرَارِهِ لِعَمْرٍو بِالْأَرْضِ إذْ لَا يَصْدُقُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ مَمْلُوكٌ لَهُ
فَإِذَا أَقَرَّ بِالْأَرْضِ لِغَيْرِهِ يَتْبَعُهَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ أَرْضُ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ وَبِنَاؤُهَا لِي أَوْ لِفُلَانٍ كَانَ الْكُلُّ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْأَرْضِ لَهُ مَلَكَ الْبِنَاءَ تَبَعًا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ عِنْدَ الْإِقْرَارِ لَهُمَا فَيَنْفُذُ، وَتَخْرِيجُ جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِهِ لِغَيْرِهِ وَأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ لَمْ أَقْبِضْهُ فَإِنْ عَيَّنَ الْعَبْدَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ إنْ عَيَّنَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَلَوْ أَقَرَّ فَقَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا بِنَاءَهَا فَإِنَّهُ لِي فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ وَتَكُونُ الْأَرْضُ مَعَ الْبِنَاء لِلْمُقِرِّ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا أَقَرَّ فَقَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحًا وَكَانَ مَا عَدَا الْبَيْتَ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَا هُوَ أَنَّ الْبِنَاءَ إنَّمَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ تَبَعًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُرَكَّبٌ لَا مَقْصُودًا كَمَا دَخَلَ الْبِنَاءُ تَحْتَ بَيْعِ الدَّارِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا حَتَّى إذَا احْتَرَقَ الْبِنَاءُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَكِنْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فَدَلَّ أَنَّ الْبِنَاءَ إنَّمَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ بِالدَّارِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا وَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ تَبَعًا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْعَبْدِ وَاسْتَثْنَى يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ أَوْ صِفَةً مِنْ أَوْصَافِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ تَبَعًا فَلَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اسْتِخْرَاجٌ لِلْمُسْتَثْنَى مَقْصُودًا مِنْ اللَّفْظِ فَلَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ تَبَعًا كَالْإِقَالَةِ لَا يَجُوزُ إضَافَتُهَا إلَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الْبَيْعِ تَبَعًا؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ مَقْصُودًا
وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَثْنِ الْبِنَاءَ كَانَ الْبِنَاءُ وَالْأَرْضُ لِلْمُقِرِّ فَكَذَلِكَ هَذَا بِخِلَافِ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ مَقْصُودًا كَمَا فِي الْبَيْعِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَيْعِ مَقْصُودًا حَتَّى لَوْ اسْتَحَقَّ الْبَيْتَ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَاسْتِثْنَاءُ مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ مَقْصُودًا صَحِيحٌ وَإِذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ جُعِلَ مُقِرًّا لَهُ بِمَا وَرَاءَ الْبَيْتِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هَذَا الْبُسْتَانُ لِفُلَانٍ إلَّا نَخِيلَهُ بِغَيْرِ أُصُولِهِ فَإِنَّهُ لِي فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ النَّخْلَ إنَّمَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ بِالْبُسْتَانِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَكَانَ الْبِنَاءُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَاسْتِثْنَاءُ الْبِنَاءِ لَا يَصِحُّ فَكَذَلِكَ هَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَثْنَى نَخِيلَهُ بِأُصُولِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ مَقْصُودًا لَا تَبَعًا فَكَانَ كَالْبَيْتِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: هَذِهِ الْجُبَّةُ لِفُلَانٍ إلَّا بِطَانَتَهَا؛ لِأَنَّ الْبِطَانَةَ دَخَلَتْ تَحْتَ الْإِقْرَارِ بِالْجُبَّةِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا كَمَا فِي الْبَيْعِ تَدْخُلُ الْبِطَانَةُ تَحْتَ بَيْعِ الْجُبَّةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ تَبَعًا فَكَانَتْ كَالْبِنَاءِ قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَقَدْ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا نَفَلَ فَقَالَ مَنْ أَصَابَ جُبَّةَ خَزٍّ فَهِيَ لَهُ فَأَصَابَ جُبَّةَ خَزٍّ كَانَ لَهُ الظِّهَارَةُ دُونَ الْبِطَانَةِ فَلَمْ تُجْعَلْ الْبِطَانَةُ فِي التَّنْفِيلِ تَبَعًا لِلْجُبَّةِ وَاعْتُبِرَ هَاهُنَا تَبَعًا لِلظِّهَارَةِ حَتَّى لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ
وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ أَنَّ مَا قَالَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَحْمُولٌ عَلَى جُبَّةِ خَزٍّ بِطَانَتُهَا مِثْلُ ظِهَارَتِهَا فِي النَّفَاسَةِ فَلَا تَكُونُ الْبِطَانَةُ تَبَعًا لِلظِّهَارَةِ فَكَانَتَا بِمَنْزِلَةِ جُبَّتَيْنِ وَمَا ذُكِرَ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى جُبَّةٍ بِطَانَتُهَا فِي النَّفَاسَةِ دُونَ الظِّهَارَةِ فَتَكُونُ تَبَعًا لِلظِّهَارَةِ وَلَا تَكُونُ بِمَعْنَى جُبَّتَيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْبِطَانَةُ مِثْلَ الظِّهَارَةِ فِي النَّفَاسَةِ بِأَنْ كَانَتْ جُبَّةَ خَزٍّ ظِهَارَتُهَا وَبِطَانَتُهَا مِنْ خَزٍّ أَوْ مِنْ غَيْرِ خَزٍّ لَكِنَّهَا فِي النَّفَاسَةِ مِثْلُهَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْبِطَانَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ الْإِقْرَارِ مَقْصُودًا لَا تَبَعًا فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ حِينَئِذٍ قَالَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هَذَا السَّيْفُ لِفُلَانٍ إلَّا حِلْيَتَهُ فَإِنَّهُ لِي فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ الْحِلْيَةَ دَخَلَتْ الْإِقْرَارَ بِالسَّيْفِ تَبَعًا فِي الْبَيْعِ؛ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالنَّخْلَةُ فِي الْبُسْتَانِ نَظِيرُ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ) يَعْنِي كَمَا لَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ الْبِنَاءِ لَا يَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ الْفَصِّ وَالنَّخْلَةِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ الصَّدْرِ تَبَعًا لَا لَفْظًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ تَبَعًا أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ اهـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ قَالَ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَرْصَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْبُقْعَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْعَرْصَةَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ بُقْعَةٍ لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَصْلِ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْأَصْلِ إقْرَارًا بِالتَّبَعِ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي، وَلَوْ بَدَأَ فَقَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ لِفُلَانٍ، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الْأَرْضُ لِفُلَانٍ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ لِفُلَانٍ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِزَيْدٍ وَالْأَرْضُ لِعَمْرٍو وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَعَادَهَا لِيُقَابِلَ بِهَا مَا ذَكَرَهُ قَبْلَهَا مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ أَرْضُ هَذِهِ إلَخْ. اهـ. قَارِئُ الْهِدَايَةِ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ الْمُقَرُّ لَهُ الْعَبْدَ لَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ الْأَلْفُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمُقِرُّ الْعَبْدَ فَحُكْمُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute