للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَخْذُ؛ لِأَنَّ أَخْذَ مَالِ الْغَيْرِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لِقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» ثُمَّ ادَّعَى مَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ وَهُوَ الْإِذْنُ بِالْأَخْذِ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَوَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُقِرِّ بِإِقْرَارِهِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ الْخَصْمُ عَنْ الْيَمِينِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ بَلْ أَخَذْتَهَا قَرْضًا حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ حَصَلَ بِإِذْنِهِ وَالْأَخْذُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْآخِذِ إلَّا بِاعْتِبَارِ عَقْدِ الضَّمَانِ، فَالْمَالِكُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْعَقْدَ وَذَاكَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ وَعَلَى هَذَا إذَا أَقَرَّ بِأَخْذِ الثَّوْبِ وَدِيعَةً، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ أَخَذْتَهُ بَيْعًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ لِمَا ذَكَرْنَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ: أَعْطَيْتَنِيهَا وَدِيعَةً وَقَالَ: غَصَبْتَنِيهَا لَا) أَيْ لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ أَعْطَيْتنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةٍ فَهَلَكَتْ وَقَالَ الْمَالِكُ: لَا بَلْ غَصَبْتَهَا مِنِّي لَا يَضْمَنُ الْمُقِرُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ بَلْ أَقَرَّ بِالْإِعْطَاءِ وَهُوَ فِعْلُ الْمُقَرِّ لَهُ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ، وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْقَبْضِ كَالْإِقْرَارِ بِالْأَخْذِ فَيُوجِبُ الضَّمَانَ، وَالْإِقْرَارُ بِالدَّفْعِ كَالْإِقْرَارِ بِالْإِعْطَاءِ فَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ. فَإِنْ قِيلَ إعْطَاؤُهُ وَالدَّفْعُ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَبْضِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ قُلْنَا قَدْ يَكُونُ هُوَ بِالتَّخْلِيَةِ وَالْوَضْعِ بَيْن يَدَيْهِ وَلَوْ اقْتَضَى ذَلِكَ فَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ ضَرُورَةً فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ انْعِقَادِهِ سَبَبًا لِلضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ عَدَمٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(وَإِنْ قَالَ هَذَا كَانَ وَدِيعَةً لِي عِنْدَكَ فَأَخَذْتُهُ فَقَالَ: هُوَ لِي أَخَذَهُ)؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ ثُمَّ بِالْأَخْذِ مِنْهُ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَادَّعَى اسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْعَيْنِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَقْرَضْتُك أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَخَذْتُهَا مِنْك يَجِبُ عَلَى الْمُقِرِّ دَفْعُهَا إلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ آجَرْتُ بَعِيرِي أَوْ ثَوْبِي هَذَا فُلَانًا فَرَكِبَهُ أَوْ لَبِسَهُ فَرَدَّهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ الْبَعِيرُ وَالثَّوْبُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِقْرَارُ بِالْإِعَارَةِ أَوْ الْإِسْكَانِ ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهُمْ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ الِاسْتِحْقَاقَ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ لَهُ دُونَ دَعْوَاهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ كَمَا فِي فَصْلِ الْوَدِيعَةِ وَالْقَرْضِ عَلَى مَا مَرَّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْيَدَ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ ثَبَتَتْ ضَرُورَةَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ) أَيْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ الْخَصْمُ) أَيْ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ الْمُقَرُّ لَهُ عَنْ الْيَمِينِ فَحِينَئِذٍ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُقِرِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ) أَيْ الْمُقَرُّ لَهُ اهـ. (قَوْلُهُ لَهُ) أَيْ لِلْمُقِرِّ اهـ. (قَوْلُهُ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ) أَيْ وَكَذَا فِي الْبَيْعِ مَكَانَ الْقَرْضِ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ بِلَا خِلَافٍ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ أَخَذْتَهُ بَيْعًا) فِي الْخُلَاصَةِ أَخَذْتُ مِنْكَ هَذَا الثَّوْبَ عَارِيَّةً وَقَالَ صَاحِبُهُ بَلْ أَخَذْتَهُ بَيْعًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَلْبَسْهُ أَمَّا إذَا لُبِسَ وَهَلَكَ يَضْمَنُ اهـ.

(قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ الْمُقِرُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِالْفِعْلِ مِنْ نَفْسِهِ حَيْثُ أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ عَنْ الْيَمِينِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُقِرُّ لَفْظَ الْأَخْذِ، وَقَالَ أَوْدَعْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ دَفَعْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَضَاعَتْ وَقَالَ الطَّالِبُ غَصَبْتَنِي، وَأَنْتَ ضَامِنٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ذَكَرَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ كَالْإِقْرَارِ بِالْأَخْذِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ قَبَضْتُ مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ غَصَبْتَهَا كَانَ ضَامِنًا كَمَا إذَا قَالَ أَخَذْتُهَا وَدِيعَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ قُلْنَا قَدْ يَكُونُ هُوَ) أَيْ الدَّفْعُ وَالْإِعْطَاءُ اهـ (قَوْلُهُ بِالتَّخْلِيَةِ وَالْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ) أَيْ بِدُونِ قَبْضِهِ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْقَبْضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ) أَيْ دَعْوَاهُ الْإِيدَاعَ إلَّا بِحُجَّةٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْعَيْنِ) أَيْ عَلَى الْمَأْخُوذِ مِنْهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَرَدَّهُ) فَقَالَ فُلَانٌ كَذَبْت بَلْ الدَّابَّةُ وَالثَّوْبُ لِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِقْرَارُ بِالْإِعَارَةِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ أَعَرْتُ دَابَّتِي هَذِهِ فُلَانًا فَرَكِبَهَا وَرَدَّهَا أَوْ قَالَ أَعَرْتُ ثَوْبِي هَذَا فُلَانًا فَلَبِسَهُ وَرَدَّهُ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ الْإِسْكَانُ) بِأَنْ قَالَ أَسْكَنْتُ فُلَانًا بَيْتِي هَذَا ثُمَّ أَخْرَجْتُهُ فَادَّعَى السَّاكِنُ أَنَّهُ لَهُ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْقَوْلُ قَوْلُ السَّاكِنِ بَعْدَمَا يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَسْكَنَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ) أَيْ الْمُقِرُّ اهـ (قَوْلُهُ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ) أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ) أَيْ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْيَدَ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ ثَبَتَتْ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَاسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ حَيْثُ جَعَلَ فِيهَا الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ حَيْثُ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُقِرِّ وَذَكَرَ الْقُمِّيُّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: إنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ قَالَ أَخَذْتهَا مِنْهُ فَوَجَبَ جَزَاؤُهُ وَجَزَاءُ الْأَخْذِ الرَّدُّ وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَارِيَّةِ قَالَ فَرَدَّهَا عَلَيَّ فَافْتَرَقَا لِافْتِرَاقِهِمَا فِي الْوَضْعِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْذَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَقَالَ يَأْخُذُهَا الَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْيَدِ مَعَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّارِعَ أَحْسَنَ فِي إطْلَاقِ الْعَوَارِيّ وَالْإِجَارَاتِ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَقَضَاءً لِحَوَائِجِهِمْ مَعَ أَنَّ الْمَنَافِعَ مَعْدُومَةٌ، وَكُلُّ قِيَاسٍ يَرْجِعُ إلَى نَقْضِ هَذَا الِاسْتِحْسَانِ فَهُوَ بَاطِلٌ مِثْلُ قِيَاسِ مَنْ عَلَّلَ بِعَدَمِ الْمَنَافِعِ لِإِبْطَالِ هَذِهِ الْعُقُودِ وَإِذَا كَانَ إطْلَاقُ الْعَوَارِيّ وَالْإِجَارَاتِ لِمَرَافِق النَّاسِ فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْمُقِرِّ بَعْدَ ذَلِكَ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ الْعَارِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>