بِالْيَدِ لَهُمَا مَقْصُودًا فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُقِرِّ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ وَالْقَرْضِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِمَا مَقْصُودَةٌ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِهِمَا إقْرَارًا لَهُمَا بِالْيَدِ؛ وَلِأَنَّ الْمُقِرَّ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ أَقَرَّ بِيَدٍ ثَابِتَةٍ مِنْ جِهَتِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي كَيْفِيَّتِهَا وَلَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْقَرْضِ فَإِنَّهُ قَالَ كَانَ وَدِيعَةً، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ بِأَنْ يَهُبَّ فِيهِ الْهَوَاءُ وَيُلْقِيَهُ فِي دَارِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ: أُودِعْتَهَا كَانَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَلَيْسَ مَدَارُ الْفَرْقِ عَلَى ذِكْرِ الْأَخْذِ فِي الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا وَعَدَمِ ذِكْرِ الْأَخْذِ فِي الْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ عَلِيٌّ الْقُمِّيُّ فَإِنَّهُ جَعَلَ مَدَارَ الْفَرْقِ ذَلِكَ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْذَ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ أَيْضًا فِي الْإِقْرَارِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ إنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّابَّةُ مَعْرُوفَةً لِلْمُقِرِّ، وَلَوْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً لَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَعَزَاهُ إلَى الْأَسْرَارِ
وَلَوْ قَالَ هَذَا الثَّوْبُ خَاطَهُ لِي بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلَانٌ ثُمَّ قَبَضْتُهُ مِنْهُ وَقَالَ فُلَانٌ: الثَّوْبُ ثَوْبِي فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَوْ قَالَ اقْتَضَيْت مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ، وَهَذَا أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ قَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ اقْتِضَاءً لِحَقِّهِ وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَإِذَا أَقَرَّ بِالِاقْتِضَاءِ فَقَدْ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ مَا يُبَرِّئُهُ مِنْ الضَّمَانِ وَهُوَ تَمَلُّكُهُ عَلَيْهِ بِمَا يَدَّعِيه مِنْ الدَّيْنِ مُقَاصَّةً وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِجَارَةِ وَأَشْبَاهِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ فِيهَا بِالْمِلْكِ وَلَا بِالْيَدِ لَهُ مَقْصُودًا وَلَا وُجِدَ مَا يَدُلُّ مِنْهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِ ضَمَانِ الْمَقْبُوضِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ؛ وَلِأَنَّا لَوْ أَخَذْنَا النَّاسَ فِي الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ بِإِقْرَارِهِمْ لَامْتَنَعُوا مِنْهُمَا وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَرَجٌ بَيِّنٌ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَيْهِمَا فَلَا يُؤَاخَذُونَ بِهِ اسْتِحْسَانًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَلَوْ قَالَ إنَّ فُلَانًا زَرَعَ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ بَنَى هَذِهِ الدَّارَ أَوْ غَرَسَ هَذَا الْكَرْمَ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمِلْكُ مِلْكِي وَفَعَلْتُ ذَلِكَ لِنَفْسِي، وَقَالَ الْمُقِرُّ لَا بَلْ اسْتَعَنْتُ بِك فَفَعَلْتُ أَوْ فَعَلْتَهُ بِأَجْرٍ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لَهُ بِالْيَدِ لَا صَرِيحًا وَلَا اقْتِضَاءً وَإِنَّمَا أَقَرَّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَذَهَبَ مَرَافِقُ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا عَرَفَ أَنَّهُ إذَا أَعَارَ أَوْ آجَرَ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ يَصِيرُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ امْتَنَعَ عَنْ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ خَوْفًا مِنْ ذَهَابِ مَالِهِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ حَتَّى لَا تَخْتَلَّ حَوَائِجُ النَّاسِ فَهَذَا وَجْهٌ مَرْجِعُهُ إلَى الْإِجْمَاعِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ الْوَجْهُ الْفِقْهِيُّ أَنَّ الْيَدَ فِي الْعَارِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ بَلْ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ تَثْبُتُ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ فَلَا تَظْهَرُ فِيمَا وَرَاءَ الِانْتِفَاعِ فَلَا يَظْهَرُ إذَنْ إقْرَارُهُ بِالْيَدِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ مُدَّعِيًا لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْإِيدَاعِ مَقْصُودَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْحِفْظُ وَلَا يَكُونُ الْحِفْظُ بِدُونِ الْيَدِ فَإِذَا كَانَتْ الْيَدُ مَقْصُودَةً فِي الْوَدِيعَةِ كَانَ إقْرَارًا بِأَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ فِي يَدِهِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْيَدِ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ عَلَّلَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ: الْيَدُ فِي الْإِيدَاعِ مَقْصُودَةٌ دُونَ الْإِعَارَةِ اهـ
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْذَ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ) أَيْ وَهِيَ الْإِجَارَةُ وَالْإِسْكَانُ وَالْإِعَارَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَزَاهُ إلَى الْأَسْرَارِ) لَمْ يَعْزِهِ إلَى الْأَسْرَارِ وَإِنَّمَا عَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ فُلَانٌ الثَّوْبُ ثَوْبِي) أَعَرْتُكَهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ، وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ يُسَلَّمُ إلَى الصَّبَّاغِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَإِنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ خَاطَ لِي قَمِيصِي هَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ قَبَضْتُهُ مِنْهُ لَمْ يُرَدَّ الثَّوْبُ عَلَى الْخَيَّاطِ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ لِلْخَيَّاطِ بِالْيَدِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ خَاطَهُ فِي مَنْزِلِهِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ) أَيْ فِي الْوَدِيعَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ إنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالْيَدِ لِفُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَى الِاسْتِحْقَاقَ عَلَيْهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ) وَفِي الْغَايَةِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الْأُصُولِ اهـ وَقَالَ الْكَاكِيُّ وَلَكِنَّ مَشَايِخَنَا قَالُوا: هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ أَيْضًا إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ قَالَ اقْتَضَيْتُ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اقْتَضَيْت مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ أَوْ أَقْرَضْتُهُ أَلْفًا ثُمَّ أَخَذْتُهَا مِنْهُ وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِسْكَانِ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقِرِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافُ مَا إذَا قَالَ اقْتَضَيْتُ، أَوْ قَالَ أَقْرَضْتُ وَأَخَذْتُ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ، قَالَ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الدَّيْنَ يُقْضَى بِالْمِثْلِ فَإِذَا أَقَرَّ بِاقْتِضَاءِ الدَّيْنِ وَأَخْذِ الْقَرْضَ كَانَ مُقِرًّا بِأَخْذِ مِثْلِ حَقِّهِ وَالْمِثْلُ مِلْكُ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الْأَصْلِ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِهِ لَهُ فَيُرَدُّ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ
أَمَّا فِي صُورَةِ الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِسْكَانِ فَالْمَقْبُوضُ عَيْنُ مَا ادَّعَى فِيهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْمِلْكِ لِلْمُقَرِّ لَهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابٍ بَعْدَ بَابِ الْإِقْرَارِ بِالْجِنَايَةِ: وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ اقْتَضَى مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ فُلَانٌ مَا كَانَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ وَلَكِنَّكَ أَخَذْتَهَا مِنِّي ظُلْمًا فَإِنَّ الْمُقِرَّ يُؤْخَذُ بِرَدِّهَا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ، وَمُطْلَقُ الْأَخْذِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَقَدْ ادَّعَى جِهَةً مَانِعَةً مِنْ التَّمْكِينِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَاهَا هِبَةً، أَوْ صَدَقَةً، أَوْ وَدِيعَةً؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى جِهَةً مَانِعَةً مِنْ الضَّمَانِ فَلَا يُصَدَّقُ، أَوْ قَالَ قَبَضْتُهَا بِوَكَالَةٍ مِنْ فُلَانٍ كَانَتْ لَهُ عَلَيْك، أَوْ وَهَبْتُهَا لَهُ فَأَمَرَنِي فَقَبَضْتُهَا وَدَفَعْتُهَا إلَيْهِ كَانَ ضَامِنًا لِلْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ وَلَمْ تَثْبُتْ الْجِهَةُ الَّتِي ادَّعَاهَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَامْتَنَعُوا مِنْهُمَا) أَيْ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا عَرَفَ أَنَّهُ إذَا أَعَارَ شَيْئًا أَوْ آجَرَهُ ثُمَّ يُرَدُّ عَلَيْهِ يَصِيرُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ امْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ خَوْفًا مِنْ ذَهَابِ مَالِهِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ حَتَّى لَا تَخْتَلَّ حَوَائِجُ النَّاسِ. اهـ. إتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ لَا بَلْ اسْتَعَنْتُ بِك) أَيْ عَلَى الزِّرَاعَةِ، أَوْ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute