كَمَا لَا يَصِحُّ لِلْوَارِثِ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ لَهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَحَصَلَتْ التُّهْمَةُ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْبَابِ فَصَارَ كَمَا إذَا وَهَبَهَا أَوْ أَوْصَى لَهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَلَنَا أَنَّ النَّسَبَ يَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الْعُلُوقِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْبُنُوَّةَ كَانَتْ حَالَةَ الْإِقْرَارِ فَلَا يَجُوزُ وَلَا كَذَلِكَ الزَّوْجِيَّةُ فَإِنَّهَا حَادِثَةٌ فَتَكُونُ مُقْتَصِرَةً عَلَى زَمَانِ التَّزَوُّجِ فَلَا يَظْهَرُ أَنَّ إقْرَارَهُ كَانَ بَاطِلًا لِعَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهَا شَيْئًا أَوْ أَوْصَى لَهَا بِشَيْءٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا حَيْثُ تَبْطُلُ الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ لَهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ وَارِثَةٌ حِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ وَالْهِبَةُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ حَتَّى لَا تَنْفُذَ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْوَصِيَّةِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَصَارَتْ كَالْوَصِيَّةِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا عِنْدَ الْمَوْتِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ لَهُ وَارِثًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ دُونَ الْمَوْتِ أَوْ كَانَ وَارِثًا فِيهِمَا وَلَمْ يَكُنْ وَارِثًا فِيمَا بَيْنَهُمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَصَارَ وَارِثًا وَقْتَ الْمَوْتِ
فَإِنْ كَانَ وَارِثًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ دُونَ وَقْتِ الْمَوْتِ بِأَنْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ مَثَلًا ثُمَّ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِعَدَمِ كَوْنِهِ وَارِثًا وَقْتَ الْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ وَارِثًا فِيهِمَا لَا فِيمَا بَيْنَهُمَا بِأَنْ أَقَرَّ لِامْرَأَتِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ وَالَى رَجُلًا فَأَقَرَّ لَهُ ثُمَّ فَسَخَ الْمُوَالَاةَ ثُمَّ عَقَدَاهَا ثَانِيًا لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ مُتَّهَمٌ فِي الطَّلَاقِ وَفَسْخِ الْمُوَالَاةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ امْتِنَاعِ الْإِقْرَارِ أَنْ يَبْقَى وَارِثًا إلَى الْمَوْتِ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَلَمْ يَبْقَ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ أَجْنَبِيًّا نَفَذَ الْإِقْرَارُ كَمَا لَوْ أَنْشَأَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْقِدْ ثَانِيًا كَانَ جَائِزًا فَكَذَا إذَا عَقَدَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ ثُمَّ صَارَ وَارِثًا وَقْتَ الْمَوْتِ يُنْظَرْ فَإِنْ صَارَ وَارِثًا بِسَبَبٍ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِأَنْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ الْأَبِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَإِنْ صَارَ وَارِثًا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ كَالتَّزَوُّجِ وَعَقْدِ الْمُوَالَاةِ جَازَ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حَصَلَ لِلْوَارِثِ وَقْتَ الْمَوْتِ فَصَارَ كَمَا إذَا صَارَ وَارِثًا بِالنَّسَبِ، وَلَنَا أَنَّ الْإِقْرَارَ حِينَ صَدَرَ حَصَلَ لِلْأَجْنَبِيِّ لَا لِلْوَارِثِ فَنَفَذَ وَلَزِمَ فَلَا يَبْطُلُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ؛ وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَتُعْتَبَرُ وَقْتَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَارَ وَارِثًا بِالنَّسَبِ بِأَنْ أَقَرَّ مُسْلِمٌ مَرِيضٌ لِأَخِيهِ الْكَافِرِ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ كَانَ مَحْجُوبًا بِالِابْنِ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ لَهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ
وَلَوْ أَقَرَّ لِوَارِثِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ الْمَرِيضُ وَوَارِثُ الْمُقَرِّ لَهُ مِنْ وَرَثَةِ الْمَرِيضِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حَصَلَ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَقَالَ آخِرًا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَرِيضِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ الْمَرِيضُ وَوَرَثَةُ الْمُقَرِّ لَهُ مِنْ وَرَثَةِ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ كَانَ لِلْأَجْنَبِيِّ فَيَتِمُّ بِهِ ثُمَّ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِعَبْدٍ لِأَجْنَبِيٍّ وَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ هُوَ لِفُلَانٍ وَارِثِ الْمَرِيضِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ أَقَرَّ الْأَجْنَبِيُّ أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ أَوْ كَانَ أَعْتَقَهُ عَتَقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَقَرَّ لِمَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِيهِ) أَيْ فِي الْمَرَضِ (فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْإِرْثِ وَالدَّيْنِ) هَذَا إذَا طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا بِلَا سُؤَالِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهَا؛ لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ إذْ هُوَ فَارٌّ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي طَلَاقِ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ لَكِنْ لَمَّا أَقَرَّ لَهَا بِالدَّيْنِ بَقِيَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ ثُمَّ وُجِدَ لَهُ وَلَدٌ) أَيْ وَبَقِيَ الْوَالِدُ إلَى أَنْ مَاتَ الْمُوَرِّثُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ وَارِثًا فِيهِمَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَإِنْ كَانَ يَوْمَ أَقَرَّ وَارِثُهُ بِمُوَالَاةٍ، أَوْ زَوْجِيَّةٍ وَيَوْمَ مَاتَ وَارِثُهُ وَقَدْ خَرَجَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَارِثَهُ بِبَيْنُونَةٍ، أَوْ فَسْخٍ لِلْمُوَالَاةِ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ يَقُولُ الْعِبْرَةُ لِحَالَةِ الْإِقْرَارِ وَحَالَةِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْإِقْرَارِ حَالَةُ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَحَالَةَ الْمَوْتِ حَالَةُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا عِبْرَةَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلْحُكْمِ بِهِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: بِأَنَّ الْإِقْرَارَ وُجِدَ فِي حَالِ كَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا، وَالْإِقْرَارُ لِلْأَجْنَبِيِّ صَحِيحٌ قَوْلُهُ حَالَ نَفَاذِهِ هُوَ وَارِثٌ قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنْ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَلَا يَكُونُ الْإِرْثُ مُضَافًا إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَلَيْسَ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ إقْرَارُهُ كَذَلِكَ هَاهُنَا اهـ.
وَقَدْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ الَّذِي رَجَعَ عَنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) قَدْ رَجَعَ أَبِي يُوسُفَ عَنْ هَذَا وَوَافَقَ مُحَمَّدًا كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ الْحَاشِيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ اهـ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَفَتَاوَى قَاضِيخَانْ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ رُجُوعِ أَبِي يُوسُفَ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ نَفَذَ فِي حَالَةِ كَوْنِهِ وَارِثًا فَيَصِيرُ إقْرَارًا لِلْوَارِثِ فَلَا يَجُوزُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا صَارَ وَارِثًا بِالنَّسَبِ) قَالَ فِي وَصَايَا الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلَوْ أَنَّ الْمَرِيضَ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِابْنِهِ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَبْدٌ ثُمَّ أَسْلَمَ الِابْنُ أَوْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ كَانَ سَبَبُ التُّهْمَةِ بَيْنَهُمَا قَائِمًا وَهُوَ الْقَرَابَةُ الَّتِي صَارَ بِهَا وَارِثًا فِي ثَانِي الْحَالِ وَلَيْسَ هَذَا كَاَلَّذِي أَقَرَّ لِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ التُّهْمَةِ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَذَكَرَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ خِلَافَ زُفَرَ فِي الْإِقْرَارِ لِابْنِهِ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ، أَوْ عَبْدٌ فَقَالَ: إنَّ الْإِقْرَارَ صَحِيحٌ عِنْدَ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ) إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ عَمَلُهَا لِمَانِعٍ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَمِلَ السَّبَبُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهَاهُنَا بِخِلَافِهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ) أَيْ الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ السَّابِقُ. اهـ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute