بِمَنْزِلَةِ حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ الْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ حَالَةِ الصِّحَّةِ مَعَ حَالَةِ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ صِفَةً مِنْ الْإِطْلَاقِ وَالْحَجْرِ فَيُقَدَّمُ دَيْنُ الْإِطْلَاقِ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِمَا فِي يَدِهِ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ وَيُقَدَّمُ فِيهِ دَيْنُهُ فِي حَالَةِ الْإِذْنِ لِمَا ذَكَرْنَا فَكَذَا هَذَا فَإِذَا صَحَّ إقْرَارُهُ نَفَذَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَنْفُذَ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَصَرَ تَصَرُّفَهُ عَلَى الثُّلُثِ وَعَلَّقَ حَقَّ الْوَرَثَةِ بِالثُّلُثَيْنِ فَكَذَا إقْرَارُهُ لَكِنْ تُرِكَ بِالْأَثَرِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ وَالْأَثَرُ فِي مِثْلِهِ كَالْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ فَلَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيغَ ذِمَّتِهِ وَرَفْعَ الْحَائِلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ كَسَائِرِ حَوَائِجِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ لِأَنَّ شَرْطَ تَعَلُّقِ حَقِّهِمْ الْفَرَاغُ عَنْ حَقِّهِ؛ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ كَفَنُهُ عَلَيْهِمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأُخِّرَ الْإِرْثُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الدُّيُونِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا فِي حَالَةِ الْمَرَضِ لِمَا بَيَّنَّا آنِفًا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ بَطَلَ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ إقْرَارُهُ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيمَا فِيهِ فِكَاكُ رَقَبَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ حَقٍّ ثَابِتٍ عَلَيْهِ وَجَانِبُ الصِّدْقِ رَاجِحٌ فِيهِ فَصَارَ كَإِقْرَارِهِ لِأَجْنَبِيٍّ وَبِوَارِثِ آخَرَ وَبِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ لِلْوَارِثِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ بِأَنْ أَوْدَعَهَا عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلَا إقْرَارَ لَهُ بِالدَّيْنِ» وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنِ غَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ فَغَيْرُ جَائِزٍ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْوَرَثَةُ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إيثَارَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ حَقُّ جَمِيعِهِمْ بِهِ فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْبَقِيَّةِ كَالْوَصِيَّةِ لَهُ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِمْ بِالْإِقْرَارِ لِوَرَثَتِهِ كَمَا لَا يُمَكَّنُ بِالْوَصِيَّةِ لَهُمْ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْإِقْرَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ مُعَامَلَتِهِ حَذَرًا مِنْ إتْوَاءِ أَمْوَالِهِمْ فَيَنْسَدُّ عَلَيْهِ طَرِيقُ التِّجَارَةِ وَالْمُدَايَنَةِ فَيُحْرَجُ حَرَجًا عَظِيمًا فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْمُعَامَلَةِ كَمَا لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ مِنْ التَّبَرُّعِ إلَى الثُّلُثِ لِحَاجَتِهِ إلَى التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ مَعَهُ نَادِرَةٌ إذْ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ فَلَا يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِهَا، وَالْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَقَاءِ نَسْلِهِ وَحَاجَتُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ؛ وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ قَصْدًا، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ حَقُّهُمْ بِالْمَوْتِ بِشَرْطِ أَنْ يَتَّحِدَ دِينُهُمَا وَفِي الْإِقْرَارِ يَبْطُلُ فِي الْحَالِ بِإِقْرَارِهِ قَصْدًا فَافْتَرَقَا وَلَا تُهْمَةَ فِي الْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ كَانَ لِلتُّهْمَةِ فَانْتَفَى الْحُكْمُ بِانْتِفَائِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّا لَوْ كَذَّبْنَاهُ فَمَاتَ وَجَبَ الضَّمَانُ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مُجْهَلًا، وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَكْذِيبِهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ غَيْرَ مَعْرُوفَةٍ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِاسْتِهْلَاكِهَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ كَانَ لِحَقِّهِمْ فَإِذَا صَدَّقُوهُ فَقَدْ أَقَرُّوا بِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِمْ فَيَلْزَمُهُمْ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى وَارِثِهِ فَأَقَرَّ بِقَبْضِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْبَقِيَّةُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ صَحَّ وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ أَصْلًا كَمَا فِي حَقِّ الْوَارِثِ أَوْ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَتَبَرُّعَاتِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا جَوَابَهُ وَهُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ أَقَرَّ بِبُنُوَّتِهِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَبَطَلَ إقْرَارُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا صَحَّ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ) حَيْثُ لَا يَصِحَّانِ لَهَا أَيْضًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي مَبْسُوطِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَا عَنْ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ فِي الْأَصْلِ حَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِيهِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ غَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا جَوَازَ إقْرَارِهِ فِي الْجَمِيعِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ غَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ فَيَنْفُذُ إقْرَارُهُ فِي الْجَمِيعِ كَالصَّحِيحِ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ لِوَارِثٍ حَيْثُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ لِجَوَازِ إيثَارِهِ عَلَى بَاقِي الْوَرَثَةِ اهـ.
(فَرْعَانِ) مَرِيضٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَأَقَرَّ الْمَرِيضُ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ، أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ مُضَارَبَةٍ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ وَارِثِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَوْ ادَّعَى رَدَّ الْأَمَانَةِ إلَى وَارِثِهِ الْمَرِيضِ وَكَذَّبَهُ الْمُوَرِّثُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَارِثِ مَرِيضٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ وَلَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنُ الصِّحَّةِ فَأَقَرَّ الْمَرِيضُ بِاسْتِيفَاءِ ذَلِكَ الدَّيْنِ مِنْ مَدْيُونِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ. اهـ. قَاضِيخَانْ (قَوْلُهُ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ) صَوَابُهُ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ فَتَأَمَّلْ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ بَطَلَ) ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ بِدَيْنِ الْمَهْرِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا إقْرَارًا لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ لَا تُهْمَةَ فِيهِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ. اهـ. تَتِمَّةٌ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ إلَخْ) وَتَصْدِيقُ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ هُنَا صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ فِي حَيَاةِ الْمُقِرِّ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ وَالْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَلَا عِبْرَةَ لِتَصْدِيقِ الْوَارِثِ فِيهِمَا فِي حَيَاةِ الْمُوصِي اهـ كَذَا ذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ مِنْ أَحْكَامِ الْمَرْضَى. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَإِقْرَارِهِ) أَيْ لَهُ حَالَةَ الصِّحَّةِ وَإِقْرَارِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا وَصِيَّةَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلَا إقْرَارَ لَهُ بِدَيْنٍ». اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute