للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُنَا وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ فِي ضِمْنِ صِحَّةِ الشِّرَاءِ أَوْ صِحَّةِ الْمُصَالَحَةِ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَصِحُّ ضِمْنًا وَلَا يَصِحُّ قَصْدًا وَلِلْغَرِيمِ أَنْ لَا يُتْبِعَ الْقَابِضَ فِي الْجَمِيعِ وَيَرْجِعَ عَلَى الْمَدِينِ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ قَبَضَ حَقَّهُ إلَّا أَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ

وَلَوْ كَانَ لِلْمَطْلُوبِ عَلَى أَحَدِهِمَا دَيْنٌ قَبْلَ وُجُوبِ دَيْنِهِمَا عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ دَيْنُهُ قِصَاصًا بِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ آخِرَ الدَّيْنَيْنِ قَضَاءٌ لِأَوَّلِهِمَا وَبِهِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالِاقْتِضَاءِ، وَكَذَا الْمُشَارَكَةُ لَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالِاقْتِضَاءِ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ فَوْقَ الصُّلْحِ فِي التَّبَرُّعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا فَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ فِي الصُّلْحِ فَفِي هَذَا أَوْلَى أَنْ لَا يَضْمَنَ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْبَعْضِ كَانَتْ قِسْمَةُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ السِّهَامِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عَادَ إلَى هَذَا الْقَدْرِ

وَلَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا عَيْنًا مِنْ الْمَدِينِ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ شِرَاءً فَاسِدًا فَهَلَكَ عِنْدَهُ فَهُوَ قَبْضٌ؛ لِأَنَّهُ بِالْهَلَاكِ وَجَبَ لِلْغَرِيمِ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا، وَدَيْنُ الْغَرِيمِ آخِرُهُمَا فَيَكُونُ قَضَاءً مِنْ الْغَرِيمِ وَاقْتِضَاءً مِنْ الطَّالِبِ فَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ، وَالِاسْتِئْجَارُ بِنَصِيبِهِ كَالشِّرَاءِ بِنَصِيبِهِ حَتَّى يَضْمَنَ رُبُعَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ لِلْمَنَافِعِ حُكْمَ الْمَالِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الدَّيْنِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ

وَلَوْ أَحْرَقَ أَحَدُهُمَا مَتَاعَ الْمَطْلُوبِ بِالنَّارِ لَا يَكُونُ قَبْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْغَصْبِ، ثُمَّ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَتْلَفَهُ بِالْإِحْرَاقِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ حَصَلَ بِالْقَبْضِ فَيُسْتَنَدُ إلَيْهِ فَيَمْلِكُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَقَهُ فِي يَدِ مَالِكِهِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ قَبْضٌ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِحْرَاقِ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فَصَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ آخِرَ الدِّينَيْنِ قَضَاءٌ لِلْأَوَّلِ فَصَارَ مُقْتَضِيًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ وَتَزَوُّجُ أَحَدِهِمَا بِنَصِيبِهِ بِأَنْ كَانَ لَهُمَا دَيْنٌ عَلَى امْرَأَةٍ فَزَوَّجَتْهُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، أَوْ عَلَى مَوْلَى الْأَمَةِ فَزَوَّجَهَا الْمَوْلَى مِنْهُ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ أَوْ عَلَى الْأَمَةِ الْمَأْذُونِ لَهَا فَتَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَيْسَ بِقَبْضٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ شَيْءٌ يُمْكِنُهُ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ فَصَارَ كَالْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسِ الْمَدِينِ وَكَالْإِبْرَاءِ

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْقَبْضِ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الدَّيْنِ عِنْدَ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ فَتَمْلِكُهُ بِعَيْنِهِ، ثُمَّ يَسْقُطُ عَنْ ذِمَّتِهَا كَالْهِبَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُضِفْ الْعَقْدَ إلَيْهِ بِأَنْ سَمَّى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةً فَوَقَعَ التَّقَاصُّ بِنَصِيبِهِ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْهُ، وَإِنَّمَا مَلَكَتْ غَيْرَهُ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا، وَالصُّلْحُ عَلَيْهِ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ لَيْسَ بِقَبْضٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا قَابِلًا لِلشَّرِكَةِ بِمُقَابَلَتِهِ

وَلَوْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَمُحَمَّدٌ مَعَهُ فِي رِوَايَةٍ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أُخْرَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ قَبْلَ وُجُوبِ دَيْنِهِمَا عَلَيْهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَتُهُ مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ إلَى أَجَلٍ قَالَ وَإِذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ لِلْمَطْلُوبِ عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ قَبْلَ دَيْنِهِمَا فَقَدْ بَرِئَ الْمَطْلُوبُ مِنْ حِصَّتِهِ وَلَا شَيْءَ لَلشَّرِيك عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ قَضَى دَيْنَ الْمَطْلُوبِ بِمَا دَايَنَهُ أَوْ أَقْرَضَهُ وَمَنْ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُشَارِكَهُ، وَلَوْ اقْتَضَى مِنْ دَيْنٍ مُشْتَرَكٍ كَانَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُشَارِكَهُ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ قَاضٍ لَا مُقْتَضٍ؛ لِأَنَّ آخِرَ الدَّيْنَيْنِ يُجْعَلُ قَضَاءً عَنْ أَوَّلِهِمَا أَمَّا أَوَّلُهُمَا لَا يُجْعَلُ قَضَاءً؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَسْبِقُ الْوُجُوبَ اهـ

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ) أَيْ هُوَ مُؤَدٍّ دَيْنَهُ لَا مُسْتَرِدٌّ دَيْنَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ) أَيْ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ لَا يَضْمَنُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَالْإِسْقَاطُ لَا يُسَمَّى اسْتِيفَاءً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَانَتْ قِسْمَةُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ السِّهَامِ) أَيْ كَمَا إذَا أَبْرَأَ أَحَدَهُمَا عَنْ نِصْفِ دَيْنِهِ وَالدَّيْنُ عِشْرُونَ دِرْهَمًا يَكُونُ لِلْمُبْرِئِ الْمُطَالَبَةُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَلِلسَّاكِتِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ وَالِاسْتِئْجَارُ بِنَصِيبِهِ كَالشِّرَاءِ بِنَصِيبِهِ) أَيْ حَتَّى لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ عِنْدَهُمْ لِحُصُولِ الْقَبْضِ بِالْمُقَاصَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ اسْتَأْجَرَ بِنَصِيبِهِ دَارًا مِنْ الْغَرِيمِ وَسَكَنَهَا يَرْجِعُ الشَّرِيكُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ نَصِيبِهِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ بِخَمْسِمِائَةٍ مُطْلَقًا أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ لَا يَرْجِعُ الْآخَرُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَجُعِلَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ مُطْلَقًا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ بَدَلُ نَصِيبِهِ الْمَنْفَعَةَ فَلَا يَضْمَنُ بِاعْتِبَارِهِ مَالًا لِشَرِيكِهِ. اهـ. مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ (قَوْلُهُ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ) قِيلَ الْمَسْأَلَةُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا مَا إذَا رَمَى النَّارَ عَلَى ثَوْبِ الْمَدْيُونِ فَأَحْرَقَهُ أَمَّا إذَا أَخَذَ الثَّوْبَ فَأَحْرَقَهُ فَالسَّاكِتُ يَتْبَعُ الْمُحْرِقَ بِالْإِجْمَاعِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ

(قَوْلُهُ يُمْكِنُهُ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ) أَيْ إذْ الْبُضْعُ لَا يَحْتَمِلُ الْمُشَارَكَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أُخْرَى) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ صَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا بِالْإِبْرَاءِ الْمُطْلَقِ وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ الْخِلَافِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ لَا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ رِوَايَتَيْ الْكِتَابَيْنِ كِتَابِ الشَّرِكَةِ وَكِتَابِ الصُّلْحِ فَفِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ اهـ

قَوْلُهُ وَكِتَابُ الصُّلْحِ أَيْ مِنْ الْأَصْلِ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مِنْ الِاخْتِلَافِ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ رِوَايَاتِ الْكُتُبِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ وَالْإِيضَاحِ وَغَيْرِهَا حَيْثُ ذَكَرَ فِيهَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي إنْشَاءِ التَّأْخِيرِ أَمَّا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنَّ الدَّيْنَ مُؤَجَّلٌ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ صَحَّ إقْرَارُهُ فِي نَصِيبِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>