للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إبْرَاءٌ مُؤَقَّتٌ فَيُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ الْمُؤَبَّدِ؛ وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قِسْمَةَ الدَّيْنِ بَلْ يَبْقَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ النَّصِيبَيْنِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُؤَجَّلُ بَيْنَهُمَا إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَيَرْجِعُ الْمُؤَخِّرُ عَلَى الْقَابِضِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهِيَ لَا تَجُوزُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ وَالْإِفْرَازِ وَفِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَالْمُبَادَلَةِ، وَالدَّيْنُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّمْيِيزُ وَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ فَبَطَلَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْحَالَّ وَالْمُؤَجَّلَ مُخْتَلِفَانِ وَصْفًا وَحُكْمًا حَتَّى لَا يُطَالِبَ السَّاكِتُ بِنَصِيبِهِ فِي الْحَالِّ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ قِسْمَةٍ

وَهَلْ دَعْوَى عَدَمِ الْقِسْمَةِ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا دَعْوَى الْمُحَالِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى شَرِيكِهِ بِأَنْ يَجْعَلَ مُؤْنَةَ الطَّلَبِ عَلَيْهِ فَقَطْ بَيَانُهُ أَنَّ السَّاكِتَ يُطَالِبُ بِنَصِيبِهِ فِي الْحَالِّ فَإِذَا خَلَصَ مِنْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ هُوَ بِنَصِيبِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْغَرِيمِ فَيُؤَخِّرُ هُوَ نَصِيبَهُ أَيْضًا مِثْلَ مَا أَخَّرَ فِي الْأَوَّلِ فَيُطَالِبُ السَّاكِتُ بِنَصِيبِهِ فَإِذَا خَلَصَ مِنْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَمْ يَزَلْ يَعْمَلُ هَكَذَا إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْكُلَّ وَفِيهِ تَفْوِيتُ غَرَضِهِ بِمَنْعِهِ مِنْ وُصُولِ حَقِّهِ لَهُ فِي الْحَالِّ

وَهَذَا ضَرَرٌ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ كَمَا لَا يُمَكَّنُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ بِغَيْرِ رِضَا الْآخَرِ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ وَهُوَ أَيْضًا لَا يُؤَدِّي إلَى قِسْمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إنَّمَا تَكُونُ مَعَ بَقَاءِ النَّصِيبَيْنِ مِلْكًا لِلشَّرِيكَيْنِ وَلَمْ يَبْقَ لِلْمُبْرِئِ فِيهِ مِلْكٌ فَلَا تَكُونُ قِسْمَةً، وَإِنَّمَا هُوَ إتْلَافٌ لِنَصِيبِهِ فَقَطْ، وَذَلِكَ جَائِزٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ لِإِنْسَانٍ صَحَّ إقْرَارُهُ وَصَارَ مِلْكًا لِلْمُقَرِّ لَهُ لِكَوْنِهِ إتْلَافًا لِنَصِيبِهِ، وَلَوْ كَانَ قِسْمَةً لَمَا جَازَ ذَلِكَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ صُلْحُ أَحَدِ رَبَّيْ السَّلَمِ عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى مَا دَفَعَ) أَيْ عَلَى مَا دَفَعَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ هَذَا الصُّلْحُ، وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الصُّلْحُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِبْدَالِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَيَجُوزُ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ، وَهَذَا لِأَنَّ الصُّلْحَ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ كَالصُّلْحِ فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ الْمَالِ

أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا أَجَازَهُ شَرِيكُهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ حُجَّةُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّهُمَا يَقِيسَانِ الْإِنْشَاءَ عَلَى الْإِقْرَارِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عَقِبَ دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَلْزَمُ إذَا أَقَرَّ بِتَأْخِيرِ نَصِيبِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا أَقَرَّ بِتَأْخِيرِ كُلِّهِ إلَّا أَنَّهُ يَنْفُذُ إقْرَارُهُ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ وَكَانَ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْكُلَّ مُؤَجَّلٌ وَفِي زَعْمِ الْآخَرِ أَنَّ الْكُلَّ حَالٌّ أَمَّا لَوْ أَقَرَّ بِتَأْخِيرِ نَصِيبِ نَفْسِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ كَذَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْكَافِي اهـ

(قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا إذَا كَانَ لَهُمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ سُودٌ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ بِيضٌ عَلَى رَجُلٍ فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبِيضُ لِأَحَدِهِمَا وَالسُّودُ لِلْآخَرِ كَانَ بَاطِلًا وَلَا شَكَّ أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْقِسْمَةِ لِتَمْيِيزِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا عَنْ نَصِيبِ الْآخَرِ وَنَعْنِي مِنْ الْقِسْمَةِ هَذَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحَالَّ وَالْمُؤَجَّلَ مُخْتَلِفَانِ وَصْفًا وَحُكْمًا) أَمَّا وَصْفًا فَلِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُؤَجَّلٌ وَالْآخَرَ مُعَجَّلٌ وَأَمَّا حُكْمًا فَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُطَالِبَ بِنَصِيبِهِ لَا لِلْآخَرِ لَوْ لِقِسْمَةٍ لَيْسَتْ إلَّا لَأَنْ يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَقَدْ صَارَ كَذَلِكَ إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ فِي الْأَسْرَارِ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا يَحْتَجُّونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا كَلَامٌ ظَاهِرُ الِاخْتِلَالِ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا يَقُولَانِ التَّأْجِيلُ لَا يُوجِبُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمُطَالَبَةِ فَأَصْلُ الدَّيْنِ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ مُشْتَرَكًا وَتَغَيُّرُ صِفَةِ الدَّيْنِ وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ وَتَغَيُّرُ صِفَةِ النَّصِيبِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ الشَّرِكَةِ

أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ نَصِيبَهُ لِفُلَانٍ صَحَّ وَقَدْ تَغَيَّرَ صِفَةُ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ كَانَ مُضَافًا إلَيْهِ وَالْآنَ صَارَ مُضَافًا إلَى غَيْرِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَيْنًا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَسَلَّمَ صَحَّ وَالشَّرِكَةُ بَاقِيَةٌ لَكِنْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إنَّ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا يَصِيرُ مُخَالِفًا لِنَصِيبِ الْآخَرِ وَصْفًا وَحُكْمًا إلَى آخَرَ مَا ذَكَرْنَا وَبِهَذَا تَتَحَقَّقُ الْقِسْمَةُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْقَوْلُ مَا قَالَتْ حَذَامِ. اهـ. مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ حَتَّى يُطَالِبَ) يُوجَدُ فِي نُسَخٍ عَدِيدَةٍ حَتَّى لَا بِإِثْبَاتٍ لَا وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا بِسَطْرٍ بَيَانُهُ إلَخْ اهـ شَاهَدْت لَا ثَابِتَةٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا اهـ

(قَوْلُهُ أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ بِغَيْرِ رِضَا الْآخَرِ) فَلَوْ كَاتَبَ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يُبْطِلَ الْكِتَابَةَ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ) يَعْنِي لَوْ أَبْرَأ أَحَدُهُمَا الْمَدْيُونَ عَنْ نَصِيبِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَبْقَ لِلْمُبْرِئِ فِيهِ) أَيْ نَصِيبِهِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَطَلَ) أَيْ بَطَلَ بِدُونِ إجَازَةِ الشَّرِيكِ أَيْ لَمْ يَنْفُذْ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ شَرِيكِهِ فَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ الصُّلْحُ أَصْلًا وَبَقِيَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ بَيْنَهُمَا عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ أَجَازَهُ نَفَذَ عَلَيْهِمَا فَيَكُونُ نِصْفُ رَأْسِ الْمَالِ بَيْنَهُمَا وَبَاقِي الطَّعَامِ بَيْنَهُمَا. اهـ. اخْتِيَار (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ صُلْحُ) سَمَّاهُ صُلْحًا مَجَازًا إذْ هُوَ فَسْخٌ فِي الْحَقِيقَةِ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ عَلَى لَفْظِ الْمَتْنِ مَا نَصُّهُ مَعْنَاهُ أَنَّ أَحَدَ شَرِيكَيْ السَّلَمِ إذَا صَالَحَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ عَلَى نَصِيبِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ رَأْسَ مَالِهِ وَيَفْسَخَ عَقْدَ الشَّرِكَةِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ عَلَى مَا دَفَعَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ شَرِيكُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ نَقْلًا عَنْ التَّقْرِيبِ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قَرِيبًا. اهـ. (قَوْلُهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) وَقَدْ ذُكِرَ الْخِلَافَ هَكَذَا فِي الْأَصْلِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيِّ وَالْمُخْتَلِفِ وَالْحَصْرِ وَالْمَنْظُومَةِ وَكِتَابِ التَّقْرِيبِ لِلْقُدُورِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ الصُّلْحُ وَجَعَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>