للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُشَارِكُهُ فِي الْمَقْبُوضِ وَيَرْجِعَانِ عَلَى الْغَرِيمِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَنْفُذَ فِي حَقِّهِ، ثُمَّ يَكُونُ لِشَرِيكِهِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ شَارَكَهُ فِيمَا قَبَضَ وَيَكُونُ الدَّيْنُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَكَإِقَالَةِ نَصِيبِهِ فِي الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ. وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ حَقُّهُمَا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِفَسْخِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا قَبْلَ الْعَقْدِ وَجَوَازُ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ وُجُوبِهِ بِالْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ قَدْ تَمَّ بِهِمَا فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ كَشَطْرِ الْعِلَّةِ

وَشَطْرُ الْعِلَّةِ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ مَا لَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ بِإِجَازَةِ الْآخَرِ كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَحَدُ الْمُعْتِقَيْنِ الْمُعْتَقَةَ بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَيْنِ فَإِنَّ الْعَيْنَ أَصْلٌ لِوُجُودِ الْعَقْدِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْعَقْدُ إلَّا بِوُجُودِهَا فَكَذَا تَكُونُ أَصْلًا لِصِحَّةِ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَوْجُودَةٌ حِسًّا وَمُعَايَنَةً قَبْلَ الْعَقْدِ وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَلَا يَسْتَفِيدُهُ بِالْعَقْدِ فَكَذَا رَفْعُهُ لِتَمَامِ الْعِلَّةِ فِيهَا، وَفِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ إلَّا بِالْعَقْدِ وَلَا وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ إلَّا بِهِ فَكَانَ فِعْلُهُمَا عِلَّةَ ثُبُوتِ الشَّرِكَةِ وَالْوِلَايَةِ؛ وَلِأَنَّهُ، لَوْ جَازَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً بِدُونِ إذْنِ شَرِيكِهِ لَكَانَ قِسْمَةً لِلدَّيْنِ وَهُوَ فِي الذِّمَّةِ

وَلَوْ جَازَ فِي نَصِيبِهِمَا مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إجَازَتِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ رُجُوعِ شَرِيكِهِ عَلَيْهِ عَوْدُ الدَّيْنِ وَهُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ إلَى ذِمَّتِهِ وَالْمُسَلَّمُ فِيهِ لَا يَعُودُ بَعْدَ سُقُوطِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَقَايَلَا، ثُمَّ فَسَخَا الْإِقَالَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِخِلَافِ بَيْعِ الْعَيْنِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَيْضًا أَنْ يَجُوزَ صُلْحُهُ ثَانِيًا حَتَّى يَسْقُطَ عَنْهُ مَا عَادَ إلَى ذِمَّتِهِ، وَكَذَا ثَالِثًا وَرَابِعًا إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ وَلَنْ يَحْصُلَ ذَلِكَ إلَّا بِسُقُوطِ الْكُلِّ هَذَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَخْلُوطًا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْلِطَاهُ وَنَقَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ كَوْنُهُ يُؤَدِّي إلَى الْعَوْدِ بَعْدَ سُقُوطِهِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى هُنَا؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ

وَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ يَدْفَعُ إلَيْهِ شَيْئًا آخَرَ فَلَا يُؤَدِّي إلَى عَوْدِهِ بَعْدَ سُقُوطِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الصُّورَةُ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ عِنْدَهُمَا لِكَوْنِهِ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ لِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّهُمَا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الْمَعْنَى هُنَا فَلَا يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْعِلَلَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُبْطِلَةٌ لَكِنْ عِنْدَ عَدَمِ الْخَلْطِ يَبْطُلُ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَعِنْدَ وُجُودِ الْخَلْطِ بِعِلَلٍ؛ وَلِأَنَّ مَنْ أَجَازَهُ لَمْ يُجِزْهُ إلَّا لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَذَلِكَ لَا يَنْهَضُ حُجَّةً لِعَدَمِ الْحُكْمِ لِجَوَازِ تَرَادُفِ الْعِلَلِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ فَعَدَمُ بَعْضِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ لِجَوَازِ أَنْ يَخْلُفَهُ غَيْرُهُ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يُشَارِكُهُ فِي الْمَقْبُوضِ إذَا لَمْ يَخْلِطَا الْمَالَ بَلْ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِيهِ إنَّمَا تَثْبُتُ لِكَوْنِهِمَا اشْتَرَكَا فِي دَيْنِ السَّلَمِ

وَالشَّرِكَةُ فِي دَيْنِ السَّلَمِ ثَابِتَةٌ بِسَبَبِ اتِّحَادِ الْعَقْدِ؛ وَلِهَذَا لَا يَقْبِضُ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ إلَّا شَارَكَهُ فِيهِ صَاحِبُهُ وَلَا تَأْثِيرَ لِخَلْطِ الْمَالِ فِيهِ وَلَا لِعَدَمِهِ فَكَذَا فِي رَأْسِ الْمَالِ عِنْدَ الْفَسْخِ فَكَانَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ بَاطِلًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَخْرَجَتْ الْوَرَثَةُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَكَإِقَالَةِ نَصِيبِهِ فِي الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ) أَيْ كَمَا إذَا اشْتَرَيَا عَبْدًا فَأَقَالَ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ اهـ

(قَوْلُهُ وَلَهُمَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَوْ جَازَ صُلْحُ أَحَدِهِمَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَجُوزَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً أَوْ فِي نِصْفٍ مِنْ نَصِيبِهِمَا جَمِيعًا فَإِنْ جَازَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً يَلْزَمُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَذَلِكَ فَاسِدٌ لِمَا بَيَّنَّا قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ صَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ قَوْلِهِ وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ، وَإِنْ جَازَ فِي نِصْفٍ مِنْ النَّصِيبَيْنِ جَمِيعًا يَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا فِي حَقِّ شَرِيكِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ فِي بَابِ السَّلَمِ بِوِلَايَةِ الْعَقْدِ فَإِنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ حَادِثٌ بِالْعَقْدِ لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ فَصَارَ الْعَقْدُ أَصْلًا فِيهِ وَاسْتَنَدَتْ وِلَايَةُ الْفَسْخِ إلَى الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ قَائِمٌ بِهِمَا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ اهـ

(فَرْعٌ) وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمَا اعْتَبَرَا جَانِبَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَصِيرُ الْمُسَلَّمُ فِيهِ مَوْجُودًا بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْعَقْدِ وَأَبُو يُوسُف اعْتَبَرَ جَانِبَ الدَّيْنِ فَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُف ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ دَيْنٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَمَا قَالَاهُ أَدَقُّ فِي الْفَرْقِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ إلَّا بِالْعَقْدِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَبَتَ بِالْعَقْدِ وَقَبْلَ الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا. اهـ. (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ جَازَ صُلْحُ أَحَدِهِمَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَشَارَكَهُ الشَّرِيكُ الْآخَرُ فِي الْمَقْبُوضِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَإِذَا شَارَكَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ حِصَّتَهُ رَجَعَ الشَّرِيكُ الْمُصَالِحُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ عَلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ ذَلِكَ الْقَدْرَ بِالصُّلْحِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْمُصَالِحِ وَالْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ سَاقِطًا بِالصُّلْحِ ثُمَّ عَادَ فَيَلْزَمُ عَوْدُ السَّلَمِ بَعْدَ سُقُوطِهِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ ثُبُوتُهُ اهـ

(قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ إلَى ذِمَّتِهِ) أَيْ ذِمَّةُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَقَايَلَا) أَيْ فِي السَّلَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَيْضًا أَنْ يَجُوزَ صُلْحُهُ) أَيْ صُلْحُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ هَذَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَخْلُوطًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَالُوا هَذَا إذَا خَلَطَا الْمَالَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا خَلَطَا رَأْسَ الْمَالِ وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَلَنَا فِي قَيْلِهِمْ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي السَّلَمِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْخَلْطِ وَعَدَمِهِ بَلْ أَطْلَقَ الْجَوَابَ وَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي فِي كِتَابِ الصُّلْحِ فِيمَا إذَا لَمْ يَخْلِطَا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ وَوَضَعَهَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ فِيمَا إذَا نَقَدَ رَأْسَ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا وَذَكَرَ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ كَمَا بَيَّنَّا. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ أَخْرَجَتْ الْوَرَثَةُ إلَخْ) فِي الْهِدَايَةِ عَقَدَ لِهَذَا فَصْلًا فَقَالَ فَصْلٌ فِي التَّخَارُجِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مَعْنَى التَّخَارُجِ أَنْ يُصَالِحَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى شَيْءٍ فَيَخْرُجُ مِنْ الْبَيْنِ وَإِنَّمَا أَخَّرَ هَذَا الْفَصْلَ لِقِلَّةِ وُقُوعِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَرْضَى بِأَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْبَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>