للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدَهُمْ عَنْ عَرَضٍ أَوْ عَقَارٍ بِمَالٍ، أَوْ عَنْ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ، أَوْ بِالْعَكْسِ) أَيْ عَنْ فِضَّةٍ بِذَهَبٍ (صَحَّ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ) يَعْنِي قَلَّ مَا أَعْطَوْهُ أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُبَادَلَةِ؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ عَنْ عَيْنٍ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْإِبْرَاءِ إذْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِمْ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْنِ، وَبَيْعُ الْعَقَارِ وَالْعُرُوضِ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ جَائِزٌ، وَكَذَا بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ لِعَدَمِ الرِّبَا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَفِيهِ الْأَثَرُ أَنَّ تُمَاضِرَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ صَالَحَهَا وَرَثَتُهُ عَنْ رُبُعِ ثُمُنِهَا عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ وَقِيلَ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفًا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ نِصْفَ حَقِّهَا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ يَتَخَارَجُ أَهْلُ الْمِيرَاثِ أَيْ يُخْرِجُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِطَرِيقِ الصُّلْحِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ أَعْيَانُ التَّرِكَةِ مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ وَبَيْعُ مَا لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ فِيهِ جَائِزٌ كَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ الْمُقِرِّ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا قَدْرَهُ لِمَا ذَكَرْنَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ وَإِلَى التَّتِمَّةِ وَقَالَ لَا تُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَقَالَ ذَكَرَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ، أَوْ وَقَعَ عَنْ فِضَّةٍ بِذَهَبٍ يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ بَقِيَّةُ التَّرِكَةِ إنْ كَانَ جَاحِدًا يَكْتَفِي بِذَلِكَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضُ ضَمَانٍ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ، وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا يَعْنِي مُقِرًّا غَيْرَ مَانِعٍ لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضُ أَمَانَةٍ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِهِ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَجْهُولِ لَا يُمْكِنُ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ رِوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الْمَكِيلِ، أَوْ الْمَوْزُونِ، وَإِنَّمَا لَا يَنُوبُ هَذَا الْقَبْضُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ الْمَضْمُونِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِهِ بِأَنْ يَنْتَهِيَ إلَى مَكَان يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ بِالتَّخْلِيَةِ، وَالْمَضْمُونُ يَنُوبُ عَنْ الْأَمَانَةِ وَعِنْدَ اتِّحَادِ الْقَبْضَيْنِ يَنُوبُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَالْمَضْمُونِ عَنْ الْمَضْمُونِ أَوْ الْأَمَانَةِ عَنْ الْأَمَانَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

بِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ دُونَ نَصِيبِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِبْرَاءُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْأَعْيَانِ غَيْرِ الْمَضْمُونَةِ لَا يَصِحُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ الْأَثَرُ) أَيْ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ أَنَّ تُمَاضِرَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) أَيْ كَانَ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ فَاخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي مِيرَاثِهَا مِنْهُ ثُمَّ صَالَحُوهَا عَلَى الشَّطْرِ وَكَانَتْ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَحَظُّهَا رُبُعُ الثُّمُنِ جُزْءٌ مِنْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ التَّرِكَةِ فَصَالَحُوهَا عَلَى نِصْفِ ذَلِكَ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا وَأَخَذَتْ بِهَذَا الْحِسَابِ ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ الْأَلْفَ مُطْلَقًا وَلَمْ يُفَسِّرْ أَنَّهَا دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَذَكَرَ ثَلَاثَةً قَبْلَ الثَّمَانِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ الْمُصَالَحَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْ كَمْ نِسْوَةٍ مَاتَ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَمْ يَذْكُرْ الثَّلَاثَةَ قَبْلَ الثَّمَانِينَ وَفَسَّرَ الثَّمَانِينَ بِالدِّينَارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي كِتَابِ أَسْبَابِ نُزُولِ الْقُرْآنِ فِي بَرَاءَةِ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ} [التوبة: ٧٩] وَقَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ «حَثَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّدَقَةِ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي ثَمَانِيَةُ آلَافٍ جِئْتُك بِنِصْفِهَا فَاجْعَلْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَمْسَكْت نِصْفَهَا لِعِيَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَارَكَ اللَّهُ لَك فِيمَا أَعْطَيْت وَفِيمَا أَمْسَكْت» فَبَارَكَ اللَّهُ فِي مَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى إنَّهُ خَلَفَ امْرَأَتَيْنِ حِينَ مَاتَ فَبَلَغَ ثُمُنُ مَالِهِ لَهُمَا مِائَةٌ وَسِتِّينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُصَالَحِ عَنْهُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الصُّلْحِ فَإِنَّ مَالًا بَلَغَ الصُّلْحُ عَنْ رُبُعِ ثَمَنِهَا هَذَا الْمَبْلَغَ يَكُونُ مِمَّا لَا يُحْصَى عَدَدُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَدْرَهُ وَقْتَ الصُّلْحِ لَا يَكُونُ مُسْتَدْرَكًا فَلَا يَكُونُ نَصِيبُ الْمُصَالَحَةِ مُسْتَدْرَكًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهَذَا دَلِيلُ ثَرْوَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ كَانَ قَاسَمَ اللَّهَ مَالَهُ فِي حَيَاتِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَصَدَّقَ بِنِصْفِهِ وَأَمْسَكَ نِصْفَهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِجَمْعِ الْمَالِ وَاكْتِسَابِ الْغِنَى مِنْ الْحِلِّ فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ عِلْيَةِ الصَّحَابَةُ وَالْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ وَلَكِنْ تَرْكُ الْجَمْعِ وَالِاسْتِكْثَارِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ اخْتَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا» الْحَدِيثُ اهـ

(فَرْعٌ) النَّدْبُ إلَى الصُّلْحِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ رُدُّوا الْخُصُومَ حَتَّى يَصْطَلِحُوا فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُحْدِثُ بَيْنَهُمْ الضَّغَائِنَ قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا فِي حَالِ اشْتِبَاهِ وَجْهِ الْقَضَاءِ أَمَّا فِي حَالِ ظُهُورِ وَجْهِ الْقَضَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ فِي الدُّعَاءِ إلَى الصُّلْحِ أَمْرًا لِأَحَدِهِمَا بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهِ وَمَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ دُعَاؤُهُمَا إلَى الصُّلْحِ بِطَرِيقِ النَّدْبِ لَا بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ لِمَا قَالَ مِنْ الْفَائِدَةِ وَهُوَ صِيَانَتُهُمَا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْعَدَاوَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَدْعُوَهُمَا إلَى ذَلِكَ إلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ أَبَيَا عَنْ ذَلِكَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِالْقَضَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يَرُدُّهُمَا إلَى مَنْ يَسْمَعَانِ قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِهِمَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ عَسَى أَنْ يَحْتَشِمَ مِنْ الْقَاضِي فَيَتْرُكُ بَعْضَ حَقِّهِ حِشْمَةً مِنْ الْقَاضِي وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ رُدُّوا الْخُصُومَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ إلَى أَهْلِهَا وَالصُّلْحُ فِي حَقِّهَا أَنْدَبُ احْتِرَازًا عَنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَبَيْعُ مَا لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ فِيهِ) أَيْ فِي التَّخَارُجِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ شَيْءٍ) أَيْ أَوْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهُ شَيْئًا. اهـ. نِهَايَةٌ

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَجْهُولِ إلَخْ) قَبْضُ الْمَجْهُولِ الْعَيْنِ هُوَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَمَّا مَجْهُولُ الْقَدْرِ فَيُمْكِنُ قَبْضُهُ وَالْكَلَامُ فِيهِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ رِوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ إلَخْ) الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَأَعْيَانُ التَّرِكَةِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ مِنْ جِنْسِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ فَيَكُونُ رِبًا أَوْ شُبْهَةَ الرِّبَا كَذَا بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

<<  <  ج: ص:  >  >>