للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِذَا بَاعَهَا شَرَكَهُ فِي الرِّبْحِ فَحَصَلَ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ إذْ الْمُضَارِبُ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ شَيْءٌ فِي ضَمَانِهِ بِخِلَافِ النُّقُودِ فَإِنَّهُ عِنْدَ الشِّرَاءِ بِهَا يَجِبُ الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَمَا يَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ رِبْحُ مَا ضَمِنَ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ عُرُوضٌ

أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَأَوَّلُ تَصَرُّفٍ يَكُونُ فِيهَا بَيْعٌ وَقَدْ يَحْصُلُ بِهَذَا الْبَيْعِ رِبْحٌ بِأَنْ يَبِيعَهُ، ثُمَّ يَرْخُصَ سِعْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَظْهَرُ رِبْحُهُ بِدُونِ الشِّرَاءِ فَيَكُونُ هَذَا اسْتِئْجَارًا عَلَى الْبَيْعِ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ فَيَكُونُ بَاطِلًا كَمَا فِي الْعُرُوضِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَرَضًا وَقَالَ: بِعْهُ وَاعْمَلْ بِثَمَنِهِ مُضَارَبَةً جَازَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضَافَةَ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ، وَلَنَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ الْعَرَضِ أَوَّلًا، وَهُوَ كَبَيْعِهِ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ عَقَدَ الْمُضَارَبَةَ عَلَى الثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ، وَهُوَ كَالْمَقْبُوضِ فِي يَدِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ بِعْ هَذَا الْعَبْدَ وَاشْتَرِ بِثَمَنِهِ هَذَا الْعَبْدَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ لَيْسَ فِيهَا إلَّا تَوْكِيلٌ وَإِجَارَةٌ وَكُلُّ ذَلِكَ قَابِلٌ لِلْإِضَافَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ غَيْرُ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ

أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِضَافَةَ سَبَبٌ لِلْحَالِ دُونَ التَّعْلِيقِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْعَرَضَ عَلَى أَنَّ قِيمَتَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَيَكُونُ ذَلِكَ رَأْسَ الْمَالِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ فَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا فَلَا يَصْلُحُ رَأْسُ الْمَالِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ اقْبِضْ دَيْنِي مِنْ فُلَانٍ وَاعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ بِالْقَبْضِ وَإِضَافَةٌ لِلْمُضَارَبَةِ إلَى مَا بَعْدَ قَبْضِ الدَّيْنِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اعْمَلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْك حَيْثُ لَا تَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَوْكِيلٌ بِالشِّرَاءِ وَالتَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ لَا يَصِحُّ حَتَّى يُعَيِّنَ الْبَائِعَ، أَوْ الْمَبِيعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَبَطَلَ التَّوْكِيلُ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى كَانَ لِلْمَأْمُورِ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِقَبْضِ مَا فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْمُضَارَبَةُ فِيهِ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ بِمَا فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَا ذَكَرْنَا حَتَّى يَكُونَ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ لَكِنَّ الْمُشْتَرَى عُرُوضٌ فَلَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ بِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا) أَيْ لَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ إلَّا إذَا كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَتَحَقَّقُ بِهِ حَتَّى لَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً تَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَزِيدَ الرِّبْحُ عَلَى الْمُسَمَّى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَرَضًا إلَخْ) يَعْنِي بِهَذَا وَجْهَ الْحِيلَةِ فِي جَوَازِ الْمُضَارَبَةِ بِالْعُرُوضِ وَوَجْهُهَا هَذَا وَحِيلَةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْخَصَّافُ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ وَقَالَ قُلْت أَرَأَيْت رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى رَجُلٍ مُضَارَبَةً وَلَيْسَ عِنْدَهُ إلَّا مَتَاعٌ كَيْفَ يَصْنَعُ قَالَ يَبِيعُ الْمَتَاعَ مِنْ رَجُلٍ يَثِقُ بِهِ وَيَقْبِضُ الْمَالَ فَيَدْفَعُهُ إلَى الْمُضَارِبِ مُضَارَبَةً ثُمَّ يَشْتَرِي الْمُضَارِبُ هَذَا الْمَتَاعَ مِنْ الرَّجُلِ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ قَابِلٌ لِلْإِضَافَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي وَكَالَةِ الطَّحَاوِيِّ إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ غَدًا كَانَ وَكِيلًا فِي الْغَدِ وَفِيمَا بَعْدَهُ وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ تَقْبَلُ الْإِضَافَةَ؛ وَلِهَذَا إذَا قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالتَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتَمَامُ الْبَيَانِ فِيهِ مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ قُبَيْلَ بَابِ اشْتِرَاطِ الرِّبْحِ لِغَيْرِهِمَا، وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَأَمَرَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ مُضَارَبَةً وَيَشْتَرِي بِهِ مَا بَدَا لَهُ مِنْ الْمَتَاعِ وَيَبِيعُهُ فَمَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ لَا يَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِكَوْنِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَمِنْ شَرْطِ الْمُضَارَبَةِ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ أَمَانَةً عِنْدَهُ، وَمَا اشْتَرَى فَهُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ وَرِبْحُهُ لَهُ وَلَا شَيْءَ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَيْنُهُ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَا اشْتَرَى وَبَاعَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ وَبَرِئَ الْمُضَارِبُ مِنْ دَيْنِهِ وَلِلْمُضَارِبِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِثْلُ أَجْرِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ إنْ فَسَدَتْ بَقِيَ أَمْرًا بِالشِّرَاءِ لَهُ بِمَا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَعِنْدَهُمَا الْأَمْرُ بِهِ صَحِيحٌ فَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ وَقَدْ أَطْمَعَهُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ شَيْئًا وَلَمْ يَصِحَّ فَيَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي أَمَرَ بِالشِّرَاءِ مِنْهُ مَعْلُومًا يَصِحُّ الشِّرَاءُ لِلْآمِرِ بِالْإِجْمَاعِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مَتْنًا وَشَرْحًا فِي بَابِ الْوَكَالَةِ الْكَلَامُ فِي التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ هُوَ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ فَإِذَا اشْتَرَطَ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً كَالْمِائَةِ وَنَحْوِهَا تَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَكُونُ الرِّبْحُ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ فَلَا يَبْقَى لِلْآخَرِ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ قَدْرًا مَعْلُومًا مُشَاعًا مِنْ كُلِّ الرِّبْحِ مِثْلُ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ فَإِذَا شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا مِائَةً مِنْ الرِّبْحِ مَثَلًا أَوْ مِائَةً مَعَ الثُّلُثِ أَوْ الثُّلُثَ إلَّا مِائَةً وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ لَمْ تَجُزْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَرْبَحَ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ ثُمَّ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أَدَّى إلَى جَهَالَةِ الرِّبْحِ فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ صَحَّتْ وَبَطَلَ الشَّرْطُ مِثْلُ أَنْ يَشْرِطَا الْوَضِيعَةَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَهَذَا أَنَّ مَا تَقِفُ صِحَّتُهُ عَلَى الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ مَا أَمْكَنَ كَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ؛ وَلِأَنَّهَا وَكَالَةٌ مَعْنًى وَالْوَكَالَةُ لَا يُبْطِلُهَا الشَّرْطُ الْفَاسِدُ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ بِالْبَاءِ الْمَنْقُوطَةِ مِنْ تَحْتُ عَطْفًا عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ بِمَا تَصِحُّ اهـ قُلْت وَقَدْ وَجَدْته فِي نُسَخٍ كَذَلِكَ وَفِي بَعْضِهَا وَيَكُونُ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ مُضَارِعُ كَانَ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مَصْدَرًا مَجْرُورًا بِالْبَاءِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا إلَخْ) صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>